ترجـــــــــــــــــــــــــــــــــــمات تدخل عامها التاسع
هل حقا مرت كل تلك السنوات ؟ هل احتفل اليوم بعيد ميلاد " ترجمــــــات " بصحيفة الجماهيرية الذي بدأ عمودا ترجميا ادبيا خجولا في الملف الثقافي ليتحول هذا العام الى ملف ترجمات كامل من صفحتين ضمن الملحق الثقافي بالصحيفة ؟
كم تمر السنين !
غير انها ولله الحمد سنوات لم تمر بالنسبة لي فارغة تضع يدها على خدها وتراقب الرمل يفلت حبة حبة !
ترجمــــــــــــــات التي احتضنتها صحيفة الجماهيرية اوائل عام 1999 م هي كما قالت زميلتي الكاتبة الصحفية زينب شاهين التي فطنت لعيد ميلاها الذي نسيته في زحمة الايام , لا توقد شمعتها التاسعة فحسب بل علي ان اوقد شموعا اكثر لكل حرف ترجمته مذ بدأت صحفية ومترجمة ثقافية وصحفية ناشئة في مجلة الثقافة العربية عام 1984م في باب نافذة على العالم!
لكنني اليوم احكي عن ترجمــــــــــــــــات هذا الاسم الذي اصبح علامة مسجلة لشغلي الثقافي . به اذكر وبي يذكر, وإن اخذ هنا وهناك بدون اذن مني !
احكي اليوم عن لحظات اغرق فيها وحيدة في عالم نقل الحروف من لغة الى مرادفاتها في لغة اخرى , عن لغتي العربية التي اعشقها واحبها كما هي واحبها حين اجرب فيها وحين انحتها و اجلس اليها ساعات , واحلم بها اكثر من الساعات وعن اللغة الانجليزية التي عشقتها طفلة صغيرة اخربش اشكالا على ورق الرسم والروايات وجدران البيت , واذهب لأبي كي اريه اشباه الحروف تلك:
- ماهذا؟ كان يقول لي
- حرف انجليزي , كنت اجيب .
فكان يجلس بصبر ويخط لي A a : وينقط لي باقي الصفحة لأدرب يدي على الحرف بعد ان اكون نطقته جيدا وعرفت ان A تساوي Apple وان L تساوي Laila مثلا .
هل حقا شمعتها التاسعة توقد الآن !
امشي هنا على" سبر" صديقتي الاخرى الصحفية سعاد الطرابلسي التي لاتطفئ الشموع في عيد ميلاد اطفالها بل توقدها تفاؤلا.
عبر رحلة ترجمات قرأت الكثير فأنفتحت لي ابواب معرفة ومثاقفة احس احيانا بوطأتها على دماغي وثقلها في ذاكرتي , وارى في كل الاوقات انعكاسها في لغتي وفي كتاباتي النثرية والشعرية .
وعبر رحلة ترجمات ابحرت طويلا في خضم افكار الاخرين ومشيت في دروب افكار متعددة ومتنوعة ومختلفة وجديدة وتنازعنى الابتهاج والوجل والخوف والاقبال والنكوص وسط تجريبيات غريبة وتهويمات خيال فذة ومريعة.
في رحلة ترجمات رأيت سلوكيات واخلاق مختلفة وتعرفت على عادات وتقاليد مختلفة رديئة وحسنة !
في رحلة ترجمات رأيت كيف تمتص الحرباء الالوان المحيطة بها لأن لا لون لها ولا كيان !
في ترجمات تعرفت الى شعوب وامم وافراد قرأت ذاكرتهم منعكسة في كتابات كتاب وروائيون وقصاصون و شعراء قدماء ومحدثون وناشئون من كل انحاء العالم كانوا بلغات مختلفة وصلتني مترجمة للانجليزية واوصلتها للعربية بعد ان اشبعتها بحثا في لغاتها الاصل بسؤال هنا واسئلة هناك لدى المطلعين على تلك اللغات.
"ترجمـــــــــــــــات" ... الحديث عنك يطول والحديث عنك يلتف ليحكي عني , لكنني اريد ان احكي عنهم فعيد ميلادك وعيد مواصلتك في هذه الصحيفة الرائعة وراءه كثيرون اعتبر هذ اليوم احتفالهم , ووقت احتفائي بهم , لولاهم ما كنت لتوقدي اليوم شموعك لتدخلي عامك التاسع.
حان الان وقت اقف فيه انا ليلى عقيلة النيهوم لأشكر زمان ومكان واهل واصحاب وذوو فضل وكل من آمن بمقدرتي وكل من شجعني وألح علي ودفعني وساندني وفرح بي ووو
اشكرك ابي يا شيخ المترجمين القانونيين في بنغازي اولا شكرا عميقا , قدتني للحرف وشجعتني وتابعتني من بعيد وانتقدتني في كبواتي لتنهضني اقوى واكثر ثقة بي , حتى وان اختلفنا احيانا في اسلوب كل منا في الترجمة وفي التعامل مع الكلمات وطرق نقلها , لكنك كنت تسعد بما افعل , وكم كنت ارتبك حين تفاجئني بأصعب الكلمات الانجليزية قائلا : مامعني هذه او تلك . وكنت اتمالك نفسي بسرعة واسرع بالمعني وازيد بدواعي الاستعمال . كان هذا منذ زمن بعيد . لم تقرأ ما اترجم يوما ولكن اصداء ترجماتي كانت تصلك وكنت اراها في ابتسامتك وفي تجدد اختباراتك اللغوية المفاجئة : مامعني هذه الكلمة؟
انتقل منك ابي ولم اقل كل ما اريد قوله عن دورك وتأثيرك وخطاك التي مضيت وراءها , ومثلك التي تربيت عليها وتشبثت بها , لوالدتي التى علمتني كيف يكون الخط جميلا لترتاح العين اليه , وكيف يكون المحيط جميلا لترتاح النفس في حالات انتاجها , علمتني اصول الرسم ومزج الالوان وحب الزهور ونقشها رقيقة ببراعة على الورق والقماش , علمتني القراءة والاستغراق فيها لحتى انسى العالم من حولي , علمتني الصبر وسعة البال لحتى كنت انقل الكلمة من لغة لأخر وكأنني ارسم لوحة دقيقة التفاصيل اريدها متعة للعين ومتعة للعقل . غرفت من خزانة رواياتك العربية المترجمة التي جلبتها في طفولتنا وفي عز شبابك من بيروت في " سحارية" كنت أقفز فيها واختبئ واقرأ ثم اقرأ ثم اقرأ.
انتما كنتما بدئي وتأسيسي والايدي التي دفعت بي برفق نحو آفاق اللغة والتأمل فيها.
اشكر اللحظة ثلاث بيوت مهمة في حياتي :
بيتنا المكتظ بالكتب والقواميس الحديثة والمتوارثة بجميع اللغات حتى اللغة اليونانية , لم اشعر يوما بحيرة في معرفة معنى كلمة ما , كنت فقط افتح أي من القواميس المصفوفة في المكتبة لأجد غايتي . البيت الذي وجدت فيه مناخا للقراءة والبحث والتعلم المستمر والتشجيع والايمان بالمواهب والهوايات التي قد تبدو منفصلة , قد يقول البعض مادخل التطريز او الطبخ او الموسيقى في ترجمات او حتى البستنة والرسم والتصوير والتبحر النظري في علم الفيزياء والفلك والجينات والهندسة والارقام!
ربما تبدو منفصلة وبعيدة شكليا ولكنها تصب في نبع المعارف التى تجعلك تفهم ما يكتب الاخرون لأنك ملم ولديك خلفية معرفية تسمح لك بالفهم الشامل وبمرونة الاستيعاب .
- بيت جدي لأمي ففيه قضيت معظم طفولتي الاولى وفيه كنت على كثب من المزيد من الكتب والمترجمات ومن الجو الثقافي واسلوب المعيشة المتقدم عن زمنه والوجوه الكثيرة واجواء الترجمة والمسرح انظر بعين خيالي لجدي مستغرقا في ترجماته واوراقه وارى الاخرون يتابعون حلقات كتابه المترجم عن الايطالية , كتاب غراتسياني برقة الهادئة , التي لم تكن هادئة قط , واذكر حين جلسنا يوما قبل رحيله بقليل وانا لازلت صغيرة ولكنني اتقمص شخصيات الكبار ووقارهم حين استماعهم واستيعابهم لما يقال لهم , ليحدثني عن كتابه الذي لم يتح له اكماله : الحلقة المفقودة في تاريخ ليبيا. رحمك الله جدي ابراهيم بن عامر ولتنعم روحك الطاهرة في ملكوت الواحد الحق.
- بيت جدي لأبي وبالتحديد غرفة عمي فتحي , كم كانت غاصة بالمجلات والقصص والكتب ,منه تعلمت حل الكلمات المتقاطعة في مجلة الصياد والصبر لأيام على كلمة واحدة تقف حائلا بين اكمال الحل , كنت اجلس لساعات اقلب في ذهني الاحتمالات واردد كل الكلمات الممكنة وغير الممكنة , انقب في مختار الصحاح حتى اجدها , كما يحدث لي الان حين لا ارضى عن ترجمة كلمة ما واظل اماطل في ارسال الملف للصحيفة لنعيمة وخالد وبلقاسم حتى يومض فجأة في ذهني المرادف الدقيق الذي يرضى عنه ضميري الترجمي .
لايمكن ان اكون ليلى النيهوم طبعا بدون ان يكون للصادق النيهوم اثر في حياتي , عندما كنت اتطفل على اوراق ابي وقصاصات الاغاني التي كان يكتبها لفريق مدرسته الخاصة الموسيقي كنت اقع على رسائل الصادق له حين كان في فنلندا , كانت تجمعهما صداقة الاقارب والجيل الواحد والمدرسة الواحدة والجامعة الواحدة وان سبق ابي الصادق في الدفعة حيث فصلت بينهما سنة واحدة في الدفعات الاولى في الجامعة الليبية. كانت نسخة فرسان بلا معركة تصطف في مكتبتنا فخورة بأهداء رائع بخط رائع كبير بقلم الحبر . يظل الصادق اسطورة وايقونة عائلتنا فخرا معلنا وخفيا لم ادرك تأثيره الا الأن اثنان نبهاني الى ذلك : الشاعر الكبير الصديق الذي لغيابه حسرة لاتندمل المرحوم على الفزاني وخالي د. سالم بن عامر اطال الله في عمره قارئي المثابر الذي يتابعني بأرائه واعجابه وثناءه وبطبيعة الحال احيانا انتقاده فهو لايفضل ترجمة الشعر وكثيرا مااوصاني بالابتعاد عنه مع ان لي رأي اخر, كانا يقولان لي في لغتك وتركيبها وفي اسلوب كتابتك ونحتك اللغوي شيئ من الصادق ليس مثله تماما وانما شيئ غير ملموس وعسير على الوصف منه . وزاد الاستاذ الفزاني انني مثل الصادق متأثرة بلغة المترجمات , لعلها لغة البعلبكي الذي اكاد احفظ ترجمته لرواية "جين آيير" لشارلوت برونتي للعربية واصلها الانجليزي عن ظهر قلب كما يقال وهو بالمناسبة من الناس الذين يطالهم شكري العميق في عيد ميلاد ترجمات هذا. وانا اذا افخر بقولهما اجد ان المقارنة كبيرة على فأين انا من قامة الصادق العملاقة عربيا وعالميا والساكنة بعمق في وجدان الليبيين , رحمك الله ياصادق واسكنك فسيح جناته.
واشكر الراحل الشاعر علي الفزاني الذي ظل حتى وفاته يقول لي:" يابنت لقد خدعتني وجعلتني اقول ماندمت على البوح به" حين جعلته بعد مطالبة والحاح ودهاء صحفي ان يكتب في زاوية حبل غسيل في مجلة البيت عن ذكريات طفولته , انت انت ! كان رحمه الله يضيف مثل النحلة تظل تأز حتى استسلم , كان الفزاني من شجعني ان ابدأ ترجماتي في الجماهيرية وكان يتابع ما اكتب كل سبت ويناقشني فيه ويثني على اختياراتي اللغوية وتركيبة جملي وايضا اختياراتي للنص في ذاته . اعجبته ترجمتي لقراءة حول رواية اسنان بيضاء للروائية البريطانية زادي سميث ووعدني ان يحضر لي الرواية حين سافر الى سويسرا للعلاج من مرض طارئ ظنناه عاديا وتمنينا من اعماق قلوبنا ان يكون عاديا , كنا نتابعه هاتفيا من مكتب فرع الهيئة العامة للصحافة ببنغازي لنطمئن على صحته وكنا نقف بالدور قرب الهاتف , قال لي وانا اسأله عن صحته وتطورات العلاج انه لم يجد الرواية في سويسرا وقد و عده صديق في بريطانيا ان يبعثها له . المهم ان تنتبه لنفسك وتعود سالما قلت له وانا احس في صوته وهنا مخيفا . ولم يعد من هناك حيا , وارفض الى اليوم ان اقرأ القصة , حتى عندما وجدتها في مكتبة اضواء البراري في آيوا امتنعت عن شراؤها.
قائمة شكري تطول ولكنه دين وعرفان للبعض وهم كثر - كما احسب - الذين آزروني وكالموني يثنون ويطالبونني بالاستمرار وكنت منهم استمد روح المثابرة التي اطالت عمر ترجمات عمودا صحفيا ومن ثم ملفا كاملا . بعضهم سيقرأ شكري وامتناني بين السطور. وبعضهم سيقول لعلها نست !
وما انا بناسية قط.
وليس النسيان ديدني.
في الاونة الاخيرة استجدت اشياء في حياتي العملية , واخذتني الشواغل شرقا وغربا وكادت شمالا , ومن الشمال من بريطانيا غطى الزميل الصحفي الشاعر والروائي والمترجم د. غازي القبلاوي غيابي عن ملف ترجمات فأعطى لترجمات نكهة جديدة ومختلفة ورائعة بترجماته ولغته المتميزة والتقاطاته الخاصة , فله كل الشكر واتمنى ان تنال روايته التي يشتغل عليها اعلى المراتب الادبية .
هل ابدأ ام انتهي بحسين مخلوف المنسي , ذلك اللغوي الالسني والناقد الفذ ! كانت معاركنا حول ترجمة كلمة ما تطول لحتى يقنعني او اقنعه وكان يأخذني غرور الحديثة التخرج امام مديرها في مكتب الترجمة في مجلة الثقافة العربية , بل امام ظاهرة لاتستوعب ابعادها كما لم يستوعبها الاخرون : استاذي حسين احييك في الظروف الصعبة التي تمر بها وفي النسيان الذي تختفي فيه و تظل جزء من نشئتي الترجمية وتذوقي اللغوي والشكر لن يفيك ولو ذرة مما اعطيت.
ايضا قسم اللغة الانجليزية بكلية الاداب في جامعة قاريونس ! من هناك وعلى ايدى اساتذة اجلاء تدرجت لغويا وفتحت امامي عبر الادب المقارن الشغف بالعربية في مقابل الانجليزية وكنت اعشق جماليات اللغتين حين تتغنجان ابداعا وتطالباني بأن اقول ايهما الاجمل؟
د. علي الساحلي رحمه الله ومتع الله الباقين بطول العمر : د. محمد حن ابوبكر . دز محمد بن علي . د. فتحية استيتة . د. طارق البشتي . د. نصر عون ,مايكل هول , باري واليغورسكي ,جون إينغهام واخرون.
اود ان استمر حتى يلوح الصبح , تمضي بي الذاكرة وفرحة العيد لتتري الصور لمستحقي الشكر تباعا:
الاستاذ عبد الرزاق الداهش رئيس تحرير صحيفة الجماهيرية لسعيه وتأكيده وتشجيعه الدائم على افساح اكبرمساحة ممكنة للجانب الثقافي في صحيفة الجماهيرية.
الشاعر خالد درويش الذي اقترح علي منذ سنتين او نيف ان تتحول ترجمات ملفا كاملا في الملحق رغم اني لم انفذ الاقتراح الا بداية عام 2006 م لشواغل كثيرة.
الشاعر والصحفي العريق محمود البوسيفي اذا لطالما الح ان اجمع ترجمات في كتاب , لنصل عام 2005 الى تجميع كل القصص المترجمة التي نشرتها في الجماهيرية وفي المؤتمر في كتابي : " افق من لازورد " الصادر عن مطبوعات المؤتمر, الذي به - كما كتب بعض النقاد - حصلت على الريادة االنسائية الليبية في اول كتاب ادبي مترجم .
الزملاء والزميلات في فرع الهيئة العامة للصحافة – بنغازي
الزملاء في الملحق الثقافي و الزملاء اعضاء هيئة تحريرصحيفة:" ملحق الجماهيرية الثقافي" سابقا التي لم تستمر طويلا.
كل من اتصل وارسل رسالة ورقية والكترونية تحمل كلمات طيبة
و و و و وهم كثر.
ويأخذني الشغل النثري فيتحول العيد الى سيرة نثرية لترجمات فأقمع خيالي مؤجلته وخازنته لشغل اخر – روائي- اعمل عليه منذ زمن , لذلك سأكتفي اخيرا بأن اشكر ايضا البعض الذين خلقوا بنزقهم وحسدهم من انفسهم ازعاجا لي لا ينفكون يرمونني بين الحين والاخر بحجارة فأرميهم بأحسن الثمر : شكرا لكم كنتم حافزا لي ان اتقدم بعيدا عنكم وابتسامة على شفتي .
ليلى النيهوم
هل حقا مرت كل تلك السنوات ؟ هل احتفل اليوم بعيد ميلاد " ترجمــــــات " بصحيفة الجماهيرية الذي بدأ عمودا ترجميا ادبيا خجولا في الملف الثقافي ليتحول هذا العام الى ملف ترجمات كامل من صفحتين ضمن الملحق الثقافي بالصحيفة ؟
كم تمر السنين !
غير انها ولله الحمد سنوات لم تمر بالنسبة لي فارغة تضع يدها على خدها وتراقب الرمل يفلت حبة حبة !
ترجمــــــــــــــات التي احتضنتها صحيفة الجماهيرية اوائل عام 1999 م هي كما قالت زميلتي الكاتبة الصحفية زينب شاهين التي فطنت لعيد ميلاها الذي نسيته في زحمة الايام , لا توقد شمعتها التاسعة فحسب بل علي ان اوقد شموعا اكثر لكل حرف ترجمته مذ بدأت صحفية ومترجمة ثقافية وصحفية ناشئة في مجلة الثقافة العربية عام 1984م في باب نافذة على العالم!
لكنني اليوم احكي عن ترجمــــــــــــــــات هذا الاسم الذي اصبح علامة مسجلة لشغلي الثقافي . به اذكر وبي يذكر, وإن اخذ هنا وهناك بدون اذن مني !
احكي اليوم عن لحظات اغرق فيها وحيدة في عالم نقل الحروف من لغة الى مرادفاتها في لغة اخرى , عن لغتي العربية التي اعشقها واحبها كما هي واحبها حين اجرب فيها وحين انحتها و اجلس اليها ساعات , واحلم بها اكثر من الساعات وعن اللغة الانجليزية التي عشقتها طفلة صغيرة اخربش اشكالا على ورق الرسم والروايات وجدران البيت , واذهب لأبي كي اريه اشباه الحروف تلك:
- ماهذا؟ كان يقول لي
- حرف انجليزي , كنت اجيب .
فكان يجلس بصبر ويخط لي A a : وينقط لي باقي الصفحة لأدرب يدي على الحرف بعد ان اكون نطقته جيدا وعرفت ان A تساوي Apple وان L تساوي Laila مثلا .
هل حقا شمعتها التاسعة توقد الآن !
امشي هنا على" سبر" صديقتي الاخرى الصحفية سعاد الطرابلسي التي لاتطفئ الشموع في عيد ميلاد اطفالها بل توقدها تفاؤلا.
عبر رحلة ترجمات قرأت الكثير فأنفتحت لي ابواب معرفة ومثاقفة احس احيانا بوطأتها على دماغي وثقلها في ذاكرتي , وارى في كل الاوقات انعكاسها في لغتي وفي كتاباتي النثرية والشعرية .
وعبر رحلة ترجمات ابحرت طويلا في خضم افكار الاخرين ومشيت في دروب افكار متعددة ومتنوعة ومختلفة وجديدة وتنازعنى الابتهاج والوجل والخوف والاقبال والنكوص وسط تجريبيات غريبة وتهويمات خيال فذة ومريعة.
في رحلة ترجمات رأيت سلوكيات واخلاق مختلفة وتعرفت على عادات وتقاليد مختلفة رديئة وحسنة !
في رحلة ترجمات رأيت كيف تمتص الحرباء الالوان المحيطة بها لأن لا لون لها ولا كيان !
في ترجمات تعرفت الى شعوب وامم وافراد قرأت ذاكرتهم منعكسة في كتابات كتاب وروائيون وقصاصون و شعراء قدماء ومحدثون وناشئون من كل انحاء العالم كانوا بلغات مختلفة وصلتني مترجمة للانجليزية واوصلتها للعربية بعد ان اشبعتها بحثا في لغاتها الاصل بسؤال هنا واسئلة هناك لدى المطلعين على تلك اللغات.
"ترجمـــــــــــــــات" ... الحديث عنك يطول والحديث عنك يلتف ليحكي عني , لكنني اريد ان احكي عنهم فعيد ميلادك وعيد مواصلتك في هذه الصحيفة الرائعة وراءه كثيرون اعتبر هذ اليوم احتفالهم , ووقت احتفائي بهم , لولاهم ما كنت لتوقدي اليوم شموعك لتدخلي عامك التاسع.
حان الان وقت اقف فيه انا ليلى عقيلة النيهوم لأشكر زمان ومكان واهل واصحاب وذوو فضل وكل من آمن بمقدرتي وكل من شجعني وألح علي ودفعني وساندني وفرح بي ووو
اشكرك ابي يا شيخ المترجمين القانونيين في بنغازي اولا شكرا عميقا , قدتني للحرف وشجعتني وتابعتني من بعيد وانتقدتني في كبواتي لتنهضني اقوى واكثر ثقة بي , حتى وان اختلفنا احيانا في اسلوب كل منا في الترجمة وفي التعامل مع الكلمات وطرق نقلها , لكنك كنت تسعد بما افعل , وكم كنت ارتبك حين تفاجئني بأصعب الكلمات الانجليزية قائلا : مامعني هذه او تلك . وكنت اتمالك نفسي بسرعة واسرع بالمعني وازيد بدواعي الاستعمال . كان هذا منذ زمن بعيد . لم تقرأ ما اترجم يوما ولكن اصداء ترجماتي كانت تصلك وكنت اراها في ابتسامتك وفي تجدد اختباراتك اللغوية المفاجئة : مامعني هذه الكلمة؟
انتقل منك ابي ولم اقل كل ما اريد قوله عن دورك وتأثيرك وخطاك التي مضيت وراءها , ومثلك التي تربيت عليها وتشبثت بها , لوالدتي التى علمتني كيف يكون الخط جميلا لترتاح العين اليه , وكيف يكون المحيط جميلا لترتاح النفس في حالات انتاجها , علمتني اصول الرسم ومزج الالوان وحب الزهور ونقشها رقيقة ببراعة على الورق والقماش , علمتني القراءة والاستغراق فيها لحتى انسى العالم من حولي , علمتني الصبر وسعة البال لحتى كنت انقل الكلمة من لغة لأخر وكأنني ارسم لوحة دقيقة التفاصيل اريدها متعة للعين ومتعة للعقل . غرفت من خزانة رواياتك العربية المترجمة التي جلبتها في طفولتنا وفي عز شبابك من بيروت في " سحارية" كنت أقفز فيها واختبئ واقرأ ثم اقرأ ثم اقرأ.
انتما كنتما بدئي وتأسيسي والايدي التي دفعت بي برفق نحو آفاق اللغة والتأمل فيها.
اشكر اللحظة ثلاث بيوت مهمة في حياتي :
بيتنا المكتظ بالكتب والقواميس الحديثة والمتوارثة بجميع اللغات حتى اللغة اليونانية , لم اشعر يوما بحيرة في معرفة معنى كلمة ما , كنت فقط افتح أي من القواميس المصفوفة في المكتبة لأجد غايتي . البيت الذي وجدت فيه مناخا للقراءة والبحث والتعلم المستمر والتشجيع والايمان بالمواهب والهوايات التي قد تبدو منفصلة , قد يقول البعض مادخل التطريز او الطبخ او الموسيقى في ترجمات او حتى البستنة والرسم والتصوير والتبحر النظري في علم الفيزياء والفلك والجينات والهندسة والارقام!
ربما تبدو منفصلة وبعيدة شكليا ولكنها تصب في نبع المعارف التى تجعلك تفهم ما يكتب الاخرون لأنك ملم ولديك خلفية معرفية تسمح لك بالفهم الشامل وبمرونة الاستيعاب .
- بيت جدي لأمي ففيه قضيت معظم طفولتي الاولى وفيه كنت على كثب من المزيد من الكتب والمترجمات ومن الجو الثقافي واسلوب المعيشة المتقدم عن زمنه والوجوه الكثيرة واجواء الترجمة والمسرح انظر بعين خيالي لجدي مستغرقا في ترجماته واوراقه وارى الاخرون يتابعون حلقات كتابه المترجم عن الايطالية , كتاب غراتسياني برقة الهادئة , التي لم تكن هادئة قط , واذكر حين جلسنا يوما قبل رحيله بقليل وانا لازلت صغيرة ولكنني اتقمص شخصيات الكبار ووقارهم حين استماعهم واستيعابهم لما يقال لهم , ليحدثني عن كتابه الذي لم يتح له اكماله : الحلقة المفقودة في تاريخ ليبيا. رحمك الله جدي ابراهيم بن عامر ولتنعم روحك الطاهرة في ملكوت الواحد الحق.
- بيت جدي لأبي وبالتحديد غرفة عمي فتحي , كم كانت غاصة بالمجلات والقصص والكتب ,منه تعلمت حل الكلمات المتقاطعة في مجلة الصياد والصبر لأيام على كلمة واحدة تقف حائلا بين اكمال الحل , كنت اجلس لساعات اقلب في ذهني الاحتمالات واردد كل الكلمات الممكنة وغير الممكنة , انقب في مختار الصحاح حتى اجدها , كما يحدث لي الان حين لا ارضى عن ترجمة كلمة ما واظل اماطل في ارسال الملف للصحيفة لنعيمة وخالد وبلقاسم حتى يومض فجأة في ذهني المرادف الدقيق الذي يرضى عنه ضميري الترجمي .
لايمكن ان اكون ليلى النيهوم طبعا بدون ان يكون للصادق النيهوم اثر في حياتي , عندما كنت اتطفل على اوراق ابي وقصاصات الاغاني التي كان يكتبها لفريق مدرسته الخاصة الموسيقي كنت اقع على رسائل الصادق له حين كان في فنلندا , كانت تجمعهما صداقة الاقارب والجيل الواحد والمدرسة الواحدة والجامعة الواحدة وان سبق ابي الصادق في الدفعة حيث فصلت بينهما سنة واحدة في الدفعات الاولى في الجامعة الليبية. كانت نسخة فرسان بلا معركة تصطف في مكتبتنا فخورة بأهداء رائع بخط رائع كبير بقلم الحبر . يظل الصادق اسطورة وايقونة عائلتنا فخرا معلنا وخفيا لم ادرك تأثيره الا الأن اثنان نبهاني الى ذلك : الشاعر الكبير الصديق الذي لغيابه حسرة لاتندمل المرحوم على الفزاني وخالي د. سالم بن عامر اطال الله في عمره قارئي المثابر الذي يتابعني بأرائه واعجابه وثناءه وبطبيعة الحال احيانا انتقاده فهو لايفضل ترجمة الشعر وكثيرا مااوصاني بالابتعاد عنه مع ان لي رأي اخر, كانا يقولان لي في لغتك وتركيبها وفي اسلوب كتابتك ونحتك اللغوي شيئ من الصادق ليس مثله تماما وانما شيئ غير ملموس وعسير على الوصف منه . وزاد الاستاذ الفزاني انني مثل الصادق متأثرة بلغة المترجمات , لعلها لغة البعلبكي الذي اكاد احفظ ترجمته لرواية "جين آيير" لشارلوت برونتي للعربية واصلها الانجليزي عن ظهر قلب كما يقال وهو بالمناسبة من الناس الذين يطالهم شكري العميق في عيد ميلاد ترجمات هذا. وانا اذا افخر بقولهما اجد ان المقارنة كبيرة على فأين انا من قامة الصادق العملاقة عربيا وعالميا والساكنة بعمق في وجدان الليبيين , رحمك الله ياصادق واسكنك فسيح جناته.
واشكر الراحل الشاعر علي الفزاني الذي ظل حتى وفاته يقول لي:" يابنت لقد خدعتني وجعلتني اقول ماندمت على البوح به" حين جعلته بعد مطالبة والحاح ودهاء صحفي ان يكتب في زاوية حبل غسيل في مجلة البيت عن ذكريات طفولته , انت انت ! كان رحمه الله يضيف مثل النحلة تظل تأز حتى استسلم , كان الفزاني من شجعني ان ابدأ ترجماتي في الجماهيرية وكان يتابع ما اكتب كل سبت ويناقشني فيه ويثني على اختياراتي اللغوية وتركيبة جملي وايضا اختياراتي للنص في ذاته . اعجبته ترجمتي لقراءة حول رواية اسنان بيضاء للروائية البريطانية زادي سميث ووعدني ان يحضر لي الرواية حين سافر الى سويسرا للعلاج من مرض طارئ ظنناه عاديا وتمنينا من اعماق قلوبنا ان يكون عاديا , كنا نتابعه هاتفيا من مكتب فرع الهيئة العامة للصحافة ببنغازي لنطمئن على صحته وكنا نقف بالدور قرب الهاتف , قال لي وانا اسأله عن صحته وتطورات العلاج انه لم يجد الرواية في سويسرا وقد و عده صديق في بريطانيا ان يبعثها له . المهم ان تنتبه لنفسك وتعود سالما قلت له وانا احس في صوته وهنا مخيفا . ولم يعد من هناك حيا , وارفض الى اليوم ان اقرأ القصة , حتى عندما وجدتها في مكتبة اضواء البراري في آيوا امتنعت عن شراؤها.
قائمة شكري تطول ولكنه دين وعرفان للبعض وهم كثر - كما احسب - الذين آزروني وكالموني يثنون ويطالبونني بالاستمرار وكنت منهم استمد روح المثابرة التي اطالت عمر ترجمات عمودا صحفيا ومن ثم ملفا كاملا . بعضهم سيقرأ شكري وامتناني بين السطور. وبعضهم سيقول لعلها نست !
وما انا بناسية قط.
وليس النسيان ديدني.
في الاونة الاخيرة استجدت اشياء في حياتي العملية , واخذتني الشواغل شرقا وغربا وكادت شمالا , ومن الشمال من بريطانيا غطى الزميل الصحفي الشاعر والروائي والمترجم د. غازي القبلاوي غيابي عن ملف ترجمات فأعطى لترجمات نكهة جديدة ومختلفة ورائعة بترجماته ولغته المتميزة والتقاطاته الخاصة , فله كل الشكر واتمنى ان تنال روايته التي يشتغل عليها اعلى المراتب الادبية .
هل ابدأ ام انتهي بحسين مخلوف المنسي , ذلك اللغوي الالسني والناقد الفذ ! كانت معاركنا حول ترجمة كلمة ما تطول لحتى يقنعني او اقنعه وكان يأخذني غرور الحديثة التخرج امام مديرها في مكتب الترجمة في مجلة الثقافة العربية , بل امام ظاهرة لاتستوعب ابعادها كما لم يستوعبها الاخرون : استاذي حسين احييك في الظروف الصعبة التي تمر بها وفي النسيان الذي تختفي فيه و تظل جزء من نشئتي الترجمية وتذوقي اللغوي والشكر لن يفيك ولو ذرة مما اعطيت.
ايضا قسم اللغة الانجليزية بكلية الاداب في جامعة قاريونس ! من هناك وعلى ايدى اساتذة اجلاء تدرجت لغويا وفتحت امامي عبر الادب المقارن الشغف بالعربية في مقابل الانجليزية وكنت اعشق جماليات اللغتين حين تتغنجان ابداعا وتطالباني بأن اقول ايهما الاجمل؟
د. علي الساحلي رحمه الله ومتع الله الباقين بطول العمر : د. محمد حن ابوبكر . دز محمد بن علي . د. فتحية استيتة . د. طارق البشتي . د. نصر عون ,مايكل هول , باري واليغورسكي ,جون إينغهام واخرون.
اود ان استمر حتى يلوح الصبح , تمضي بي الذاكرة وفرحة العيد لتتري الصور لمستحقي الشكر تباعا:
الاستاذ عبد الرزاق الداهش رئيس تحرير صحيفة الجماهيرية لسعيه وتأكيده وتشجيعه الدائم على افساح اكبرمساحة ممكنة للجانب الثقافي في صحيفة الجماهيرية.
الشاعر خالد درويش الذي اقترح علي منذ سنتين او نيف ان تتحول ترجمات ملفا كاملا في الملحق رغم اني لم انفذ الاقتراح الا بداية عام 2006 م لشواغل كثيرة.
الشاعر والصحفي العريق محمود البوسيفي اذا لطالما الح ان اجمع ترجمات في كتاب , لنصل عام 2005 الى تجميع كل القصص المترجمة التي نشرتها في الجماهيرية وفي المؤتمر في كتابي : " افق من لازورد " الصادر عن مطبوعات المؤتمر, الذي به - كما كتب بعض النقاد - حصلت على الريادة االنسائية الليبية في اول كتاب ادبي مترجم .
الزملاء والزميلات في فرع الهيئة العامة للصحافة – بنغازي
الزملاء في الملحق الثقافي و الزملاء اعضاء هيئة تحريرصحيفة:" ملحق الجماهيرية الثقافي" سابقا التي لم تستمر طويلا.
كل من اتصل وارسل رسالة ورقية والكترونية تحمل كلمات طيبة
و و و و وهم كثر.
ويأخذني الشغل النثري فيتحول العيد الى سيرة نثرية لترجمات فأقمع خيالي مؤجلته وخازنته لشغل اخر – روائي- اعمل عليه منذ زمن , لذلك سأكتفي اخيرا بأن اشكر ايضا البعض الذين خلقوا بنزقهم وحسدهم من انفسهم ازعاجا لي لا ينفكون يرمونني بين الحين والاخر بحجارة فأرميهم بأحسن الثمر : شكرا لكم كنتم حافزا لي ان اتقدم بعيدا عنكم وابتسامة على شفتي .
ليلى النيهوم