دخل يوليو والصيف في عز احتدامه البحر اكثر زرقة من المعقول والبونسيانا تكاد تجن اشتعالا في شوارع وضواحي بنغازي
امر كل يوم وبي رغبة شديدة ان التقط ما امكنني من هذا الوهج الصارخ هذا البوح الصريح باللون حين يرتوي من عنصر الشمس
تستوقفني في البيوت والدارات وامام المحلات تتكاثف داخل المزارع تتسابق في ايها الاكثر شبها بالشفق وايها الاكثر قريا من عنفوان الاحمر
كان علي ان اكسر وطأة الصمت الذي يعتري مدونتي بين الحين والاخر وكان على ان اكتب وانا التي كأنما حل سياج بيني وبين الكتابة
الصد الكتابي يعني ان الكاتب مشغول بأمور اكثر اهمية من ان يجلس ويستغرق في نثيث اليراع
وهي امور تتصب ايضا في اساس تعميق القدرة على كتابة افضل
امور هي في مثل احتدام اشجار البونسيانات في مشهد بنغازي
احب البونسيانا كثيرا، عندما زرعناها تمنيت ان تكون لاذعة الحمرة وان لاتكون موشاة بالابيض، الابيض يكسر حدة اللون وانا احب صراحة اللون واعتداده بعنفوانه
غير ان بونسيانتي جاءت عكس توقعاتي دخل البياض في بتلاتها واطفأ حدة الاحمر حتى شارف تخوم البرتقالي
لكنها فائقة الجمال وهي في اوج اشتعالها لايمكن للعين ان تشبع من تمليها ولا يمكن للصباح ان يكون صيفيا لونيا بدون زهراتها المتساقطة التي تفرش الارض سجادا يانع الحمرة
اليوم اول شهر سبعة لا ادري لماذا انتظرت خروج شهر يونية كان ثقيلا مملا تتحرك فيه الاشياء على مضض
احتفي اليوم بزهرة البونسيانا التي تقول موسوعة ويكبيديا انها استوائية موطنها الاصلي مدغشقر وهي اكثر الاشجار تلونا
المعلومة التي احببتها في ويكيبيديا ان قرون البونسيانا تستعمل في جزر الكاريبي في صنع الة موسيقية تسمى الماراكا لأنني كنت دائما اتمنى ان تكون ثمة فائدة لقرون البونسيانا التي استعملتها مرة ضمن تنسيقة زهور جافة وكنت اعرف انه لايمكن انبات الشجرة الا بعد نقع بذورها القاسية لمدة طويلة في ماء دافئ حتى تلين وتنبت
البونسيانا قصة طويلة اولها انني كتبت منذ مدة في احدىصحفنا الليبية مطالبة ان تزرع في الشوارع فهي شجرة ظل بأمتياز وتتحمل الجفاف وارتفاع الحرارة انذاك تمنيت وتخيلت بنغازي تزينها لاالبونسيانا وتمنح الراجلين والسيارات ظلا يحتمون تحته من قيظ الصيف ولونا يبعث البهجة والحيوية في النفس
احدي القارئات وهي خبيرة زراعية اخبرتني لاحقا ان حلمي ذاك تعتريه عوائق اهمها ان البونسيانا مع نموها وتضخمها تقتلع الارصفة وتشققها وقد تضر ايضا بأساسات المباني وانها شجرة لكثافة ظلها ولاتساع رقعة امتداد عروقها لا ينبت تحتها شيئ اخر
لايهم هكذا اقنع نفسي دائما كلما حانت مني التفاتة في شوارع بنغازي وفجأني عنفوان بونسيانة ما في بيت او شارع تلهيني عما يحدث في الشوارع من تكسير وحفير لمشروع هو ابعد مما نعانيه وتعانيه عرباتنا هذه الايام مشروع يهدف الى تحسين مظهر مدينتي بنغازي ويجعلها لائقة بأسم مدينة بعد ان كادت تفقد هذا الصفة وتتحول الى مجرد بلدة تعوزها مقومات بنية المدينة
لا يهم طالما منحتنا فيئا خفف من وطأة الصيف لترتاح تحته وتقف لحظات عجائزنا الطيبات الماضيات في الصبح لشراء الخضروات او مراجعة العيادات والمصالح الادارية
لا يهم وان اقتلعت الارصفة بعد عشرون سنة من الان على الاقل تكون ذريعة كي تتجدد الارصفة فتمنح للمدينة تغييرا يزيل الملل ويبعث الحيوية في نفس السابلة التي ترمض اعينها من الرتابة
الجميل ايضا انني بالتنقل في النت بحثا عن معلومات اكثر عن البونسيانا ، جاء في موسوعة النباتات فلور يداتا
ان شجرة البونسيانا من اجمل اشجار العالم وان المرء لا يملك الا ان يقع في حبها وانها محبوبة جدا في ميامي لدرجة انهم يقيمون مهرجانا لزهورها هناك ! هل ثمة توارد افكار بيني وبينهم وان اليوم هذا احتفي بزهرتها!! ام ان الجمال يفرض نفسه ويفرض مقتضيات التعامل معها
وجدت في نفس الموقع ان قرون البونسيانا التي يستعملونها وقودا تسمى لدى اهل الكاريبي" لسان المرأة " فهي تطقطق حين تهزها الرياح، اضحكتني التسمية واثار التشبيه في ذهني ردودا ليس اقلها انه لسان المرأة الكاريبية فقط ولا يطالنا نحن - باقي نساء العالم - بأي شكل من الاشكال من قريب او بعيد
ايضا سميت الشجرة في القرن الثامن عشر على دو بوينسي وهو الحاكم الفرنسي لجزر الهند الغربية الفرنسية انذاك
البحث في النت عن قصائد تتغني بالبونسيانا النارية قادني الى حيث لا اتوقع الى شعراء الكاريبي وبورتو ريكو . ولماذا لم اتوقع ذلك وهم يستقون الهام شعرهم من اليناعة واشتعال اللون في الطبيعة من حولهم
ليلى النيهوم