اقول عن المكان الذي كان
تُهجر البيوت القديمة , يرحل اهلها بين غياب دنيوي ورحيل نفوس مطمئنة الى ربها راضية مرضية , تغيب القلوب الخيرة واحضان الجدات الدافئة والحب الخالص لوجه الله ، تنبت الاعشاب على عتبات الابواب التي لم توصد يوما في وجه الحائرة والمشتاقة والباحث عن المشورة والصغار القادمون للعب وللقنديل والشواي ، يرحلون فتخلو الاماكن وتشيخ ،
تتساقط مصاريع النوافذ وتبهت الوان الجدران الباقية , تسقط السقوف ، تنهار السدة وتزحف العريشة على الارض وتنبت شجرة نم ضخمة في المربوعة مرتفعة الى حيث تحلق نوارس بحرية عاليا في السماء العصية الوانها على الوصف
ظلت النخلات ، ثلاث وبضع جذوع متساقطة بنى فيها النحل خلايا شهدها رحيق الغائبين من شجيرات ورد زرعوها لازالت تزهر بعدهم
حتى لا يقال بعد ربيع زاهي فيك تميتي خلا يا دارهم يلعب الصغار في الربيع الذي ينبت كل عام اينع واينع ، اكثر خضرة ، ، ضحكاتهم البريئة تحكي الكثير ولا تتوقف
تتشابك الافكار واستدعاءات المكان . تتشابك الصور فلا تعود تحكي مكانا بعينه . انما تحكي زمنا متغير
ليلى النيهوم - بنغازي - فبراير2008
**********************************************
ثم تقول سكينة المزيد عن ابواب المكان السبع
أبواب بيتنا الاول سبع، كلها مرصودة للحلم، وحين تكون علي عتباتها تتحول إلي لوحات شوق، وترحل بالقلب إلي أزمان وصل ما انتهى، ولما تولج مفاتيح الذكرى فيها تنغمر الروح بتوق ألفة تمحو عنك غربة الأيام
أبوابنا سبع وأولها باب العودة، المحمي بالشوق ، هو محروس بأماني الأهل وحين تدنو منه تشجيك لهفة الرجوع، فتسابق الأيام وتزاحمها كي تهزم أي نسيان
مفاتيحه تعويذة حلم، ورتاجه تميمة حظ في الترحال والحل، يمنح الخاطر وعدا بقرب الوصول، ويمني بالوصول، فيه تتزين الأيام بشذى الذكرى، وتتسع فرجته لتحضن الشوق، وتتزين فيه الأحلام انتظارا لأكف من يقرعها ويمسح عنها غربة السنين
ثانيها باب الولوج هو المدخل والمبتدأ وهو الأصل والأمل، بل هو الرجاء والفرح، محروس رتاجه بسحر الأماني، ومدخله مكلل بفوح من عبق مخبأ في شوق، عتباته تقود الخطو إلي خير، والجود مدسوس فيه للقلب، محظوظ هو من يستهويه بالولوج، فهو حتما سيحصنه من تشتت الدروب، فالخير فيه يمتد مبشرا بقرب العودة
ثالث الابواب باب الوصول الموصول بالألفة المحروسة برائحة الأهل، محفورة أيام العمر فيه، ومدخله يقود إلي مراتب عٌلى من ود، حوله تستلقي الألفة في انتظار حالم يغري بالانزلاق في البوح، وحين تدنو منه تحضنك الأشواق، وتواسيك مفاتيحه من كرب الأيام، من يدنو منه يملك الدنيا، ومن يخطو عبره يغنم بالأحلام
رابع هذه الابواب باب الرجاء المحروس برضا الرب، محمية عتبته ببركة الأهل، مشرع هو في كل آن، مفتوح للأمل لا يقفل، نقوشه من دعاء الأمهات ومفاتيحه ابتهالات الآباء التي تعبق بالفخار، علي عتبته تتزين المحبة، وتنفلت منه الأمنيات المأسورة فتمنح القلب براحا من فرح مزهو بالانعتاق
خامسها باب الكرم المرصود رتاجه للخير وللغير، الأهل منهم وللأصحاب، من يلج فرجته تنفرج كربته، ومن يطرق رتاجه تنجلي عنه الأحزان، هو باب واسع المدخل تتسع مساحته للمغفرة، وتتناثر منه درر من تسامح سمح، ويفيض منه عطر اطمئنان، فعلي عتبته يستجاب الدعاء
الباب السادس باب المرح الذي يتوسط الخاطر قبل المكان، محروس هو بأمنيات الوعد ومأسور بانتشاء العبث والانطلاق، يغوي مدخله بالانفلات، وتنعتق الروح فيه من رقابة المأسورين بالنواهي، وينطلق القلب منه صوب الأفق يطارد فرح مرح يستهوي بالانفلات إلي أكون من نور
سابع هذه الأبواب وآخرها باب السلام المرصود للنفوس المكللة بالتقوى، هو باب يقود إلي ذكري العبق وعبق الذكري، علي عتبة يتمهل القلب خشوعا يسترجع ذكري أهل مروا من فرجته مازالت ذكراهم باقية وهم مازالوا باقون في الذكرى، فيه تتزين حكايات الشوق، بحثا عن ألفة، ومن خلفه تنهمر الأشواق بلسما يحي القلب، و به تنفرج الكربات
أبواب بيتنا السبع أبواب أسيرة للهفة مدسوسة بين أحرف أحبابها، مجللة بوله الانتظار، مرصودة مفاتيحها كلها للانتظار، و في مداخلها تتمهل رائحة الأحباب تنتظر عمر العتق من لهفة الشوق، أبواب بيتنا كلها مرصودة للوعد، موصولة بالأمل، تتزين للرجاء في كل حين هي فقط تنتظر مثلي عودة الغائبين
سكينة بن عامر - بنغازي: 23/2/2008