Thursday, May 17, 2007


- تصفر بها وفيها الريح - 1
كانت السانية تعج بهم . كان أمامهم مهمة إنارة الظلام الذي حل فجأة واستمر دائما , الأفكار كثيرة وعديمة . الشموع الثماني
العملاقة المجاورة التي بنيت عليها أسطورة الوسعاية أصبحت وهما قديما وخرافة ترددها العجائز المخرفات . ليست تجدي في لحظات كهذه غير الأفكار المجنونة التي توقظ الشياطين والسحرة من سبات دخلوه عقابا على تطاولهم
ناصر فقط من تجرأ ونصب شمعة أو منصة إضاءة , لا فرق مادامت شيئا يضيء الديجور الذي حل على موطن النور . كل الذين حضروا بأفكارهم , جاءت بهم أيضا مآرب أخري لم يكونوا يدركونها في أنفسهم حتى حلت ساعة تمطت وتثاءبت وأطلت برأسها لحتى إلتوت رقابهم من جيشان أعماقهم السرية
المنصة الحريق التي نصبها ناصر شجاعة منه في عمق ديجور السانية في البؤرة حيث تتوالد دكنة الظلام, انكفأت لحظة رفعنا أيدينا لنصفق فرحا, انكفأت ونزلت وكأنها في فيلم بطيئ تجر معها قلوبنا الواجفة لتشعل حريقا في العشب اليابس الذي نبت لسنوات وجف واينع ثم يبس ثم جف ! وبقى هناك يختلس لحظات تجلب له شرارة ما ليشتعل ويشعل العالم من حوله وليضئ الديجور . ليس لكي تضاء قلوبنا ورؤانا . إنما لكي نرى الوحوش الكامنة هناك التي تشلها الظلمة عن أن تعرف إلينا طريقا
امتدت الحريق . ارتعد الصياح في الحناجر . ضج المكان بوجوه وخطوات وركض وتوجس ما كان له أن ينفد للوسعاية المنيعة لولا هذه النازلة ذات الشرر المتطاير , المتحين ريحا تدري أين تذره
كنت نائمة في سرير وثير احلم بما يحدث خارجا, اعرف في حلمي انه يحدث في الواقع . أرى انعكاسه في الحلم . أحس باقتراب ألسنة اللهب حيث اضطجع . كنت لا اكترث , كأنني اعرف إن ثمة ما سيحول بين أن تتعدى النار حدود السانية , ان تعلو الدردوحة . حدسي كان يطبطب لي مزيدا من الانهماك في نومي
وكنت أمعن في النوم وسط النازلة , كي امضي بالحلم إلى اللحظة التي تتحقق فيها التوهمات والاستيهامات. اللحظة التي تنبعج فيها الكرة الأرضية . تنطبق على بعضها, فتتقارب تضاريس ممعنة في البعد وتتباعد تضاريس ملت تجاورها
ليس لي إن أعلل هذا الهذيان وإنا أتنعم في وثارة ونعومة الوسادة اغرس وجهي فيها مثل اعمي في بلاد تقيم مهرجانات للبصيص . استرق منمنمات تفاصيل . كلعبة تركيب أنكب على لملمتها وصولا إلى الصورة المنفلتة أبدا في الزيغ , العصية عن المطال
تصل سيارات الإطفاء يقودها رهط من أناس يرتدون أزياء كرنفالية غريبة , يمشون فيها بارتياح المعتاد عليها . وسط الألوان التي تطلي الوجوه , والمزيد من الأشخاص الغريبين , تتضح الرؤية من زاوية تتيح إدراك كون غرابتهم ليست إلا نوعا من الهلاوس البصرية التي تسبق الاستيقاظ من وطأة كابوسي
السيدة تقود العازف الاعمى وتمشي على موطئ أقدامه المنطبعة على تربة الوسعاية الأقرب إلى الرمل البحري الذي كان يفرش قاع البركة قديما قبل أن تتحول مع الزمن الى أمكنة صالحة للبناء وخلق الأساطير , ينتق منها الخرز الملون في الأيام الماطرة , غير عابئة بنظراتي المستغربة تتابعها في الكابوس
في إطراف الديجور التي يضيئها امتدادات لهب الحريق أري فيما يري المستغرق في نوم لا فكاك منه , نساء يبحثن عن قطعة حلي سقطت من جدتهن في سنة من دهور ما قبل الديجور , ايام كانت السانية موئلا في أمسيات الصيف , وكانت استراحتها الصيفية تمتلئ برجال يزورون الجد الأكبر , يتقربون من مقامه الديني والمدني , تشنف أذانهم هدرزات تهدهد الروح مع نسيم يمر على إزهار نوار العشية ومسك الليل والياسمين الشامي . كانت الميدة المنيعة في النهار مركضا للصغار يهبطونها بغبطة تعلنها صرخات وبقبقة صوتهم يرجه انحدارهم المرح.
كانت النسوة منهمكات في استنباط الأطايب واستلهام الامالح التي لم يِسمع بها ولم تُعرف أشباه لمذاقها من قبل . كن يهمسن بالغناء خفرا. يداولنه فيما بينهن علي تتابعات ردود مموسقة مثل طقس سري . يطقطقن أكواب الشاي ببعضها على إيقاع لمتهن بين قدور ونفخ وتقطيع وحشو ولف وغسل ومسح يتجاوب مع خشخشة أساورهن ودمالجهن وتكاليلهن . يلقمن الأطفال في نفحات كرم مزهوة بعض مما يخترعن لوليمة الكبار.
كان يتوافد على المكان زنوج جلبهم الرق والفاقة من أعماق القارة المجهولة الى سواحل افريقيا حيث المدن الناشئة حول الملاحات والسباخ . يقفون على أبواب الكرام يتسولون بالغناء والرقص الغريب بريش ملون وعلب صفيح رنان إيقاع تلاطمها , وطبول لقرعها ارتفاع نبض السامعين وارتجاف غريب له بهرة شجن في دواخل النسوة الكامنات وراء الستر والفجوات السرية في الأبواب الموصدة في وجه الغرباء بسبعين ألف مفتاح ملقاة في سبع بحور تفصلها سبع مالا ادري ماذا.
كنت أتقلب من جنب لا أحب النوم عليه إلى جنب مريح , أتخيل في نفسي قصصا اتلوها في حلمي , يدي تجس إطراف السرير تلمساً لورقة وقلم . الأفكار تتراكض , عيناي تجريان تحت جفني قلقتين , تتسارعان مع نبض القلب لمواكبة الأصوات التي تملي علي الأشياء . في عمق وجداني صوت يأمرني أن لا استمع و لا اكتب ما أراه في الحلم . نفسي تائقة لأن استيقظ أو أن اصرخ . شيء أخر يهمس لي: لا توقظي الوحوش التي تقف حائرة على حافة الديجور المضاء حيث يستلقي النصب الضوئي تفح نيرانه تلتهم المسافات إلى باب السانية الخفي


ليلى النيهوم


يتبع