Wednesday, June 27, 2007





روبن داريو : الشاعر المدرسة

قريباً من نهاية القرن ما قبل الماضي كان شعر العالم المتكلم بالإسبانية فاتراً وضعيفاً وأشبه بجثة . قد احتاج إلى حياة جديدة واتجاه آخر .احتاج إلى دماء في أوج فورانها وإلى حزن هائل وإلى تأمل دقيق في الحياة .كل هذا فعله فيلكس روبن غارسيا ساومينلو ( 1867 – 1916 م ) الشاعر النيكاراغوي الثوري الرائع الغريب ، لقد غيَّر مجرى الشعر الإسباني ، أدخله في الاتجاه السائر نحو حداثة القرن العشرين ليسمي نفسه روبن داريو

قال عنه لوركا (1) : " وضعنا في البحر مع فرقاطات ، الظلال في عيوننا , منحنا همس الغابة في صفة ، لكونه سيد اللغة مثل فراي لويس دي غرنادا ، اختلق أبراجاً فلكية من شجرة الليمون
ليعقب نيرودا بأسى : " آلام قلبه المبرحة , هبوط إلى مستشفيات الجحيم
في قصيدته " حتم " يقول روبن داريو



الشجرة سعيدة لقلة إحساسها
الصخرة الجلمود أكثر سعادة فهي لا تشعر بشيء
لا ألم أعظم من العيش
ولا حملاً أثقل من الحياة الواعية
أن تكون
أن لا تعرف شيئاً
أن تفتقد سبيلاً
الوجل مما كنت
ومن فظاعات المستقبل
الرعب الواثق من أنك ميت غداً
أن تعاني طيلة الحياة
عبر الظلام
عبر ما لا نعرفه
بالكاد يخامرنا
الجسد الذي يغوينا بعناقيد عنب باردة
اللحد الذي ينتظرنا بزهور الجنازة
أن لا نعرف إلى أين نمضي
ومن أين أتينا


يقول أوكتافيو بأن (2) : ( وفقاً للمراجع كان القرن السادس عشر والسابع عشر العصر الذهبي للشعر الإسباني ، ثم فجأةً خلى المسرح ، كأنما العرض بأكمله كان أوهاماً أكثر منه حقيقة تاريخية . لم يبق شيء ، أو لا شيء غير أطياف أشباح . ثم ، وقريباً من نهاية القرن ، كل شيء تغير مرة أخرى ، هكذا فجأةً ، هكذا عنيفاً . انما بعد سنوات قلائل لاحقة قامت اللغة الإسبانية على رجليها وعادت للحياة مجدداً. أقوى . أوضح . أكثر تحكماً .
كان روبن داريوالجسر الواصل بين السلف وجيل الحداثة الثاني . أسفاره المتعددة ونشاطه الوافر نيابة عن الآخرين جعلاه نقطة الوصل للعديد من الشعراء والجماعات الشعرية المبعثرة بين القارتين . كان أيضاً مراقباً وناقداً . إن تطور شعره ، من " بلو " إلى " قصيدة الخريف " يتوافق مع تطور الحركة الشعرية ، التي بدأت معه وانتهت معه . لكن شعره لم ينته مع الحداثة ، لقد ذهب أبعد منها ، أبعد من لغة هذه المدرسة وفي الحقيقة أبعد من أي مدرسة شعرية . لم يكن داريو فقط أغنى وأكثر شعراء الحداثة العظام غزارة ، كان أحد أعظم شعراء الحداثة . كان شاعر أمريكا اللاتينية ) .
يرى لوركا في رثائه لداريو : " كان صوته ماء ونترات في أثلام لغتنا الجميلة "
يتخيَّل نيرودا : " الليلة دعونا ننحت تمثاله من الهواء ، يتقاطع بالدخان والأصوات بالظروف وبالحياة ، مثل شعره العظيم يتقاطع بالصوت والأحلام لوركا :" ولكنني أريد أن يُظهر تمثال الهواء هذا دمه مثل فرع مرجان يتلاطمه المد والجزر ، أعصابه مثل صورة من برق خلب ؟ رأسه المينوتوري ، حيث لون الثلج الغنغوري سرب طيور طنانه ، وعيناه الغامضتان ، عينا مليونير ، ملايينه دموع ، وأيضاً قوام شعره العظيم الخصب يقف شامخاً خارج المعتاد والأشكال والمدارس

في قصيدته : في الخريف يقول روبن داريو


أعرف أن ثمة من يسأل

لما لم يعد يغني بنفس الجموح القديم
لكنهم لم يروا جهد ساعة
منجز دقيقة
ضخامة عام

أنا شجرة هرمة

في يناعتي
صدحت بصوت عذب غامض

عندما داعبني النسيم
ولى زمن الابتسامات الفتية بعيدا

الان يلزم إعصاراً يعصف بقلبي ليغني

فعل داريو أكثر من الجميع ، في العروض وفي الأسلوب كما الحال في روح الشعر . نصر داريو لم يمر بدون عناصر مفاجئة وخصوصاً كونه ولد في العالم الجديد ، مؤدي به بشكل تام من قبل الجماعات المثقفة في البلد الأم ، في مدريد . إن احتضان الكتاب الأسبان لداريو كان عظيماً ومخلصاً , لكن ، بينما فعل كل ذلك ، لم يفقد أبداً قوته المحلية ، كان ، وكان يعرف من يكون – أمريكيا أسبانيا . لقد غنى لجنسه ، لقومه – بفيض من حب وحنو ، كان في أوقات طفولي المنحى . " (3

هدأة الليل .. هدأة ليلية حزينة
لم ترتجف روحي هكذا ؟
أسمع دبيب دمي
وتعبر عاصفة ناعمة دماغي
أرق

يجافيك النوم . تظل تحلم
أنا العينة الآلية للتشريح الروحي

هاملت الآتي لأخفف حزني
في خمر الليل
في بلور الظلام الرائع
أسأل نفسي : متى يحل الفجر؟
أحدهم أغلق باباً
أحدهم مر
الساعة دقت الثالثة
ليتها كانت هي

!
ولد روبن داريو في 18 يناير 1867 م في دولة نيكاراغوا وتوفي فيها في 6 فبراير 1916 م . تلقى تعليمه هناك عندما بلغ العشرين من عمره سافر للخارج ، زار تقريباً معظم البلدان الغربية وسافر بكثرة إلى أوروبا منذ 189 م . عاش لسنوات عديدة في سانتياغو بالتشيلي ، بوينس أيرس ، مدريد ، باريس . ترجمت العديد من أعماله الشعرية وبعض قصصه ومقالاته إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والبرتغالية والألمانية وبعض اللغات الاسكندنافية ليقول في قصيدة

أريد أن أعبر عن ألمي في أبيات تحكي
شبابي المتلاشي ، زمن الأحلام والورود

هذا ما عبر عنه في قصائد إضافة إلى شعريتها الفريدة مكتظة بالألم , برفرفة أجنحة جريحة في سماء الروح
ترجمة وعرض : ليلى النيهوم

-----------------------------------------------------

هوامش

(1)- مقطع من كلمة لوركا ونيرودا المشتركة في نادي القلم ببوينس أيرس 1933 م

(2)- أوكتافيو باث : ثناء أعمال روبن داريو . من مختارات شعرية لروبن داريو 1988 م
(3)- من إحدى عشر قصيدة لروبن داريو . بوتنانم سونز

(4)- القصائد من مختارات شعرية لروبن داريو . 1988 م . جامعة تكساس (5

المادة القائمة عليها القراءة والترجمة من : دريانا كوم




مـــاذا ترى


قصة : بيـــــري كمر
ترجمة: ليلى النيهوم




ماذا ترى؟
صمت
ماذا ترى يا جيري؟
استفاق فيما عبرت وجهه لمحة الم ، ربما لم تكن الما بل خوفا . سال العرق فجأة على جبهته . على ان اتوقف
جيري
عندما اعد الى ثلاثة وأفرقع إصبعي سوف تستيقظ
واحد- اثنان - ثلاثة
فرقعة
انشرعت عينا جيري على وسعهما بقوة . كان العرق غزيرا على جبهته . اعلمتني عيناه كم كان سعيدا لاستيقاظه وان لم يكن مدركا من يكون , أو كيف أتى الى هنا
رويدك جيري . خذ نفسان عميقان
فعل ما أمرته به . تنشق نفسا ، ثم الثاني
ماذا رأيت؟
مرايا نوافذ مرتبة مثل القبور. كم هي مرعبة يا دكتور . الآلاف والآلاف منها
هل كان ثمة أسماء على القبور؟
تراءت لمحة من جيري القديم عندما أجاب غاضبا
لا يا دكتور , لم تكن قبورا , لا شيء الا مرايا ونوافذ مرتبة كأنها قبور , كم كان مشهدا مرعبا
تأملت في إجابته محاولا تصور المشهد
هل كان ثمة شيئا أخر رأيته ، شخصا ما ؟ هل تكلمت مع احد؟
تنهد بعمق وسهم بعيدا عني فيما كان يركز فكره في الصورة التي في ذهنه
لا لم يكن ثمة أناس
توقف برهة
اتعرف كان ثمة وجه , وجه رجل أو لعله طفل يعتريه الم فائق
أثارني الأمر، سألته
هل تكلم الوجه؟
هذا هو الجزء المخيف فعلا. كان الوجه محاطا بسحب أو دخان ومتيبسا في صرخة صامتة
توقف جيري غارقا في أفكاره
انتظر ، أظنها لم تكن صرخة ، بل صيحة لالا
وماذا حدث عندها ؟
لا شيء ، كان هناك الوجه فقط معلقا فوق مقبرة النوافذ والمرايا ، مجمدا في صرخته تلك
شيء ما حيرني , لذا سألته
تقول إن هناك مرايا ونوافذ ، كيف أمكنك أن تميز المرآة عن النافذة ؟
رأيت تعبير وجهه يتغير ، كان متفاجئا ، ومن ثم متسائلا ، وأخيرا بان الخوف على وجهه
ما الأمر يا جيري ؟ ماذا رأيت أيضا؟
لم يرد بشيء , انتظرته مراقبا وجهه المتيبس خوفا ، وكأنه هناك في حالة نوام مغناطيسي
جيري أين أنت؟
سألته
ولا من إجابة
جيري أين أنت ؟
سألته موقنا انه لا يسمعني ، أضحى جيري في مكان أخر غير أريكتي حيث يستلقي . مكان مكتظ بالرعب . عرفت أين ذهب . لقد اقتنصته المرآة . أغلقت عيناي وركزت ذهني . انزاح الضباب ببطء ، رأيته في المقدمة ، سجينا جديدا في المرآة . لم اكبح ابتسامتي ، كنت مسرورا لما آلت إليه جهودي . هاهي روح مسروقة أخرى تنتظرني لألهو بها في أوقات فراغي . لا يبدو أبدا أنهم يعلمون أن العقل مدخلا للروح . فليصرخوا وليصيحوا ما شاءوا ،
فليس ثمة غير الصمت في مقبرة أرواحي الضائعة
Photo credit:Rebekka Guðleifsdóttir

Monday, June 11, 2007

اذواق


العاب الزمن
قصة : ادواردو غاليانو
ترجمة : صالح عالماني

يقال عن القائلين ان صديقين كانا يتأملان , ذات مرة ,لوحة رسم, وكان الرسم – من يدري لماذا – آتيا من الصين .رسمُ حقل ازهار في موسم الحصاد
احد الصديقين – من يدري لماذا- كان يصوب نظره الى إمراة .. واحدة من نساء كثيرات في اللوحة , يجمعن زهور البرقوق في سلالهن
كان شعرها المنفلت يهطل مطرا على كتفيها
واخيرا , بادلته هي النظرة , ثم افلتت سلتها , ومدت ذراعيها – من يدري كيف – واخذته اليها
استسلم هو للذهاب – من يدري الى اين - وامضى مع تلك المراة الليالي والايام – من يدري كم منها – الى ان انتزعته ريح قوية من هناك , واعادته الى القاعة , حيث لايزال صديقه واقفا قبالة اللوحة
كانت قصيرة جدا تلك الابدية , حتى ان الصديق لم ينتبه لغيابه , حتى ان الصديق لم ينتبه لغيابه . ولم ينتبه كذلك الى ان تلك المرأة , واحدة من نساء كثيرات في اللوحة , يجمعن البرقوق في سلالهن , صار شعرها الأن , مربوطا فوق رقبتها

Tuesday, June 05, 2007



U F -o- I

The hyena – skyclad witch
the fake gipsy
of guilt – surfed seed
of low clay
the ultimate frog of imitation
the hissing envy machine
not caring for our
blind allays of tolerance
starving after our shakras,
pure shapes,
serenity of high descend
our belonging to the dense texture
she coiled , evoking
thought - deep in hate


Laila Neihoum

Benghazi 2-6-2007

تصفر بها وفيها الريح
- 5 -

ما الذي لم نفعله وفعلته هذه النار المندلعة في هشيم ذكرياتنا , الراكضة شررا في بقايا ضحكنا ورذالات طفولتنا , الماحية مخربشاتنا عن الجدران , حروفنا عن جذوع الأشجار , شعاراتنا عن كل نخلة زرعت يوم مولد احدنا وُسميت له ودُست فيها أول خصلة شعر مقصوصة منا لكي ننمو طوال شامخين كرام مثلها؟
عندما ا استطالت قاماتنا قليلا واشتدت سواعدنا لحتى نرمي الحجر فيساقط لنا البلح الأحمر" البرلسي" من النخلة العالية التي نجمع على تفضيلها عن كل النخيل الاخر بشتى صنوفه, نتزاحم لجمع البلح والرطب السليم مما سقط تحتها محاذرين العقارب التي لها مثل ذوقنا تجذبها رائحة الغمق
بدأنا نحس بالفروقات بيننا في الملبس وفي الشكل وفي اختلاف الأسماء ودرجات القرابة , في ما اذا كنا من سكان الوسعاية أم نحُل ضيوفا معتادين عليها صحبة امهاتنا المتزوجات خارجها , في كوننا بنات وكونهم أولاد , في تبرمنا الجديد من لعبة الهنديان والكاوبوي والبنديتي والحلت والوابيس والسوبرمان , بدأنا نخجل من ركبنا المشوهة , مرافقنا المتقرحة بعد أن كنا نتسابق في نكأ الجروح وتقشير البثور والاستمتاع بذلك لحتى نتعمد السقطات والاصطدام بالاشياء لننال جروحا ننتظر يباسها بفارغ الصبر لنجلس في العشيات بعد ان يهدنا التعب نقشرها او نختبر درجة يباسها , نتوقف حين يخرج الدم متيقنين انها لازالت تحتاج يوما او يومان على الارجح لتطيب
بدأنا ننظر بنصف عين شاكة لقفزنا فوق الأسطح المشتركة , التسابق في اعلي البلاعيم والحناجر بيننا , اقوي صرخة طرزان دويا لحتى تهج لوقعها الطيور واليمام من الأشجار, ابتلاع قطع الحديد , عواء الذئاب في الليالي المقمرة تقليدا للمذؤب في الفيلم الذي عرضه لنا الخال في الغرفة المظلمة على شرشف الجدة الأبيض الذي علق على الجدار وتطلب الأمر لحظات ارتباك لتوجيه الصورة المنبعثة من جهاز السينما الذي اشتراه الخال براتبه المجزي , ذلك المذؤوب الذي تمنينا أن ينبت لنا مثله شعر علي أجسادنا الهزيلة وأنياب حاولنا تقليدها بباطن قشور البرتقال التي نحتناها بدقة , بإجادتنا قلب جفوننا , جرينا بهيئاتنا الجديدة وراء الصغار الخرعين
جاء وقت النظر في المرايا - إطالة الشعر بعد أن كان صبيانيا قصيرا , الصبر تحت وطأة امشاط الكبيرات والجدات , تحمل شدات التضفير على مضض فيما عقولنا التي مازالت تحن للشقاوات تحضنا على الفكاك , حان زمن مداواة الركب والأرجل والمرافق من آثار السقوط , خمش الجدران , وخز سل الجريد , جروح أغصان الأشجار , احتكاك الارجل والمؤخرات بالتراب الخشن حين التعلق الخفيض بالعربات القادمة والراحلة في غفلة عن سائقيها , تقشير البثور الممتع , محاذفة الأولاد الغرباء بالحجارة من فوق سور السانية المحمي بكسارات القناني المهشمة , المزنر بالهندي العدواني الأشواك , متلقين الكدمات التي نتأت بسببها جباهنا – نستنطق المرايا أشكالنا وما تحمله من إمكانيات تحول الضفادع الخضراء الناقة بلا هوادة إلى أميرات جميلات , والشعر المُصفر المقصف جراء الشمس إلى جدائل حريرية صقيلة ,و الوجوه الملوحة سمرة وخدوشا إلى بياض الثلج ,و أرجل الجراد إلى سيقان بضة ,و الإقدام الملتوية الأظافر إلى أقدام سندريللات رقيقات , والأصوات المتضخمة إلى همس ناعم
بدأنا ننتبه للبنات الهادئات اللاتي لم يشاركننا لعبنا قط , كن يقبعن وراء الأبواب المفتوحة في البيوت المتداخلة , يعشن حيوات وأوهام تختلف عنا , يطعمن الدجاجات والبطات , يجمعن التين والبلح , ينقين الزيتون الأسود المفضل يغسلنه , يغمرنه بالملح الخشن , يضعنه في زكائب الخيش , يثقلنه بالحجارة فوق الأمكنة المائلة لينزف مرارته , يساعدن الأمهات في صنع الخبز وتثقيبه بشعارات العائلة المتوارثة قبل إرساله معنا الى الكوشة - المهمة التي بدأت تسند لنا في عمرنا الوسيط الغامض المشاعر والأوهام - غسل الصحون , تنقية الرز , تعلم تبويخ الكسكسو مبدئيا في قدور فخارية من دورين بأحجام طفولية , الكيك في قوالب مصغرة صنعت له خصيصا في مصنع الحديد العائلي المتوقف في السانية الذي يشتغل بين الحين والأخر حسب نزوات الحس الفني لدى الأجيال المتعاقبة , لملابسهن المزركشة بالشرائط الملونة وغرزة عش النحل والخرابل , الأكمام المنفوشة , الشباشب اللامعة , الشعر الصقيل المجعدة اطرافه , السوالف التي تنزل حلزونية فوق الأذان الرقيقة ورائحة الصابون المعطر المنبعثة منهن أينما تحركن وأصواتهن الهامسة , ضحكاتهن المكتومة
. كانت البنت الهادئة أول اكتشافات تحولنا الجديد , بقينا في البيوت نراقبها , تعود كل يوم من المدرسة يصلنا سيل دموعها منحدرا من الباب الكبير مارا بالبيوت المفتوحة على بعضها , حتى بيت الطيب وصاحبة الحضن الحنون . نجري لنستطلع أخر تطورات رفضها لأسمها الثاني , إصرار المعلمين والمعلمات على مناداتها به يوميا وقت تسجيل الحضور والغياب , طقس كانت تعتبره تعذيبا لا يطاق , وهو السيل الذي لا يمكن ان يراه احد غيرنا بخيالنا الجامح , فيما يكتفي الكبار ذوي النظر المحدود برؤية دمعتان على خدها الجميل . كنا نحزن لأجلها ثم نناديها به نكاية حين تتنصل من اللعب معنا
كنا نراقبها دائما , نرى فيها مخلوقا غريبا يخشى الخروج والاختلاط , يكره أن تتوسخ قدماه بحبات التراب التي كانت تثير فيها الرعب . كم تمنينا ونحن في أوج شقاواتنا وأصواتنا المبلعمة أن نراها ولو في الحلم تختلس النظر إلينا من خصاص سور البيت الخشبي المشبك الذي تتسلقه الياسمينة الشامية وتجمم فيه نبتة اللنتانا بزهورها الشبيهة بمفارش الدانتيل التي تحبكها العمات لتتنازل ولو قليلا عن ملكوتها المختلف
كانت هاجسنا , أول بذور شكنا في حالنا المائص , في ألعابنا الصبيانية , تقف ظلا حائلا بيننا وبين استمتاعنا بحالنا . لم نجد لها شبها في كل قصص المغامرين والمغامرات التي قرأنا , ولا بين جميع البنات ما بين البيوت وباحة الوسعاية ودروب السانية
تجلس لساعات ترسم بالألوان المائية لوحات جداريه على أفراخ الورق الكبيرة الموصولة الى بعضها البعض بغراء مصنوع من الماء والنشا المطبوخ قليلا على النار- الوصفة التي سنجيدها مستقبلا وننتج من وراءها إشغالا يدوية ستنال استحسان معلماتنا وحسد زميلاتنا وغيرتهن - ترسم بلا ملل وجوه تشبه مغنيين يحملون أشجارا كثة على رؤؤسهم يسمون الخنافس , نساء شعورهن طويلة غجريات الملابس مكتظات الأساور والسلاسل , نوتات موسيقية , مفاتيح صول , كانت تلصقها على جدران الغرفة المتشققة
كانت تنهمك أيضا في أوقات أخرى في أقامة أعياد ميلاد لعرائسها , تحضر قوالب الحلواء المصغرة تزينها بالمربى , تخرج مبتعدة عن المطبخ , كأنها تعرف أننا سنعقبها لنلحس عوالق العجينة عن وعاء الخلط , لنخرج بعد قليل تفوح منا زفرة البيض المخفف ببشر الليمون ونقاط الفانيليا , لنراها جالسة في وسط الحوش تصفف شعر العرائس بعد أن البستها ملابس جديدة خاطتها بمساعدة الحنون من بقايا الأقمشة الزاهية الألوان التي كان الطيب يجلبها بشق الانفس , بالتقتير هنا وهناك في عوائد حلقات كتابه في الجريدة اليومية , لتخاط ملابس عيد للشقية والهادئة وأخواتها , من موديلات مأخوذة من مجلات الماني دي فاتا والبوردا
نقف في عتمة العريشة تنقرشنا ظلال ورق العنب , ترتسم على وجوهنا بين ضؤ وظل زخارف انعكاساتها ندعو الله أن لا تفطن لنا وهي تهمس لعرائسها التي اكتشفنا بينها عرائس لنا كنا قد مزقنا أوصالها وجعدنا ملابسها ونفشنا شعورها الصناعية لحتى تعجز أيما فرشاة عن تمسيدها تُسندر بين العرائس الأخريات مرممة , ترتدي ملابس جديدة , ينتظم شعرها في جدائل مُسرحة تزينها شرائط البارا الملونة , تبتسم من وجوه نظفت جيدا
تلتفت , ترانا كأنما عرائسنا المتحولات وشينا بنا انتقاما ., لم ينسين ما فعلنا بهن ونحن نلعب بهن بخشونة إرضاءً للكبار الذين أقحموهن في حياتنا الراكضة الرافضة لألعاب تقتضي الجلوس والصبر والمناغاة , محاولة منهم لإلهاءنا عن شقاواتنا المريعة , تقترب منا ونحن أقدام تتحين الإقلاع , ممتقعات ندرك ان الدخول الى عالمها يعني التخلي عن كل ما نحب وتكره هي , يجمدنا الإغراء في عتمتنا المنرقشة , يدوخنا عبق الياسمينة , يحمل ذنب تلكؤنا وعدم فرارنا من أمام تقدمها القدري نحونا
نحاول اللعب معها متحملات أوامرها لنا بأن نغسل إقدامنا ووجوهنا وأيدينا لتجلسنا بالدور أمامها تسرح شعرنا وتعقده – يا للهول - في تسريحات معقدة عالية , تجعد سوالفنا بمفك البراغي المحمي على نار الفرن لُتشم في أرجاء الوسعاية والسانية رائحة شياط سالف الشقية الأيسر, التي تحفزت في أخر لحظة للفرار من هكذا مصير ناعم قبل فوات الأوان راكلة سالفها المحروق ملتصقا بمفك البراغي الذي سخن أكثر من قدرة شعرها المقصف على الاحتمال. مطلقة صرخة طرزانية مروعة كانت وسيلتنا الوحيدة للتعبير عن غضبنا , كانت دموعنا الصوتية.
لم تتركنا الهادئة في حالنا , عششتنا في دماغها الذي يعمل على غير شاكلتنا وكأنها تتحالف مع الكبار او تنتقم منا ومن طفولتنا المشبعة الى اخر قطرة حيوية فيها , او لتعلن حين تدجننا سقوط معاقل شقاوتنا , انتصار منهجها الراكن للبيوت والمنصاع لباترون التقاليد
ظلت الشقية لأيام تنفش شعرها , تقربه من وجهها لتغطى الخصلات المحروقة , ُتلمح تجوب الوسعاية التي أصبحت تخلو في ساعات اللعب من باقي العصابة يلهيهم الشارع عنها او يلعبون في الزوايا القصية البعيدة عن البيوت قريبا من مجالس الرجال مع اولاد جيران سمح لهم لأول مرة دخول الوسعاية في محاولة من الكبار لابعاد اولادهم عن الشارع ومخاطره اخذا بسنة الجد . تعفر رجليها عميقا في التراب لحتى يكاد يصل ركبتيها , تتسلق شجرة المشمش في الجنان الملحق ببيتهم مطلة من بعيد بجوار الحرباوات الساكنات الشجرة على وسط الحوش البراني تراقب الهادئة من بعيد , تقلب الأفكار الشيطانية والخيرة معا , مرهقة الوجدان ووحيدة حتى تُعتم , ويحل المساء ,فيأتي الأولاد صغارا وكبار ليلعبوا الحلت والوابيس وال الآبيبا
لم يفطن لحالها احد غيري , ساءني ما تعانيه , أخافتني رجلاي الخائنتين اللتين أصبحتا تمضيان بي بعيدا عنها
واقرب مما يصح من الهادئة وتسريحاتها التي استهوتني وعكست عني وجها أحببته في المرايا

Photo credit:Bettina Hansen


First
There was only me
amateur flutter,
throes unsure
Then was You,
heart-borne soar,
overloaded light.
A sea of colors true.
Now all is you,
the Jazz,
the String, the
hums of Blue.

30th.May.07
‘sequel’



There is only Me.
but if you want
I can be two,
and if you must
then count me three,
for all they are
is You;
these pieces of Me.

‘prequel’

Tiggy Ibrahim