Wednesday, October 21, 2009

مطر نيازك

البارحة امطرت السماء قرب الفجر نيازك من اعطاف مذنب هالي عند مروره علي مقربة من الارض

دون إسيدرو


دون إ سيدرو

Gardening spree
Photo: Laila Neihoum
قصة : بروس هولاند روجرز
ترجمة : ليلى النيهوم
في الليلة الاخيرة تلك، كل من اتي لزيارتي ادرك انني كنت احتضر. ادركت ذلك بنفسي. كأنما كان لدي قطن في اذني، تناهي الي صوت دون ليناردو يقول لزوجتي، "دونا سوزانا، اظن الوقت حان لأستدعاء الكاهن،" وفكرت ، اجل الوقت حان. لم يكن لدينا كاهن خاص بنا ولا حتى كنيسة، لذا اضطر احدهم ان يقود شاحنة تحميل ليحضر الكاهن من ايل بوينتاثيتو. ولكن لا يغرنكم ما قد يقال في مالاباسا او بالبن دي براندا فنحن هنا نظل كاثوليك. نحن فعلا نصنع الجرار على الطريقة القديمة. لذلك ياتي السائحون الى هنا. وحقيقي ما يهمس به احيانا عن كوننا اعدنا احياء ممارسات اخرى معينة من الماضي. ولكن ليس مثلما كانت تنفذ حينذاك. تلك كانت ازمانا دموية مريعة، ازمان الميهيكا*. يقال ان قرابين الدم انذاك قد غطت معبد الشمس من ادناه الى قمته. حمدا للعذراء، لم نعد نقترف مثل تلك الافعال
بعد وقت قصير من مجيئ الكاهن وذهابه متُ. انتشر الخبر. اسرع القوم الى بيتنا. طلب اهلي اولا الاشياء التي يرغبونها من حاجياتي.ومن بعدهم طلب الجيران. وقف دون فرانثيسكو قرب جسدي وقال،" دون إسيدرو، اتسمح لي بمجرفتك؟ احتاج واحدة، ويمكن لأصهارك ان يستخرجوا صلصالا جديدا لسوزانا." قلت، " خذها حلال عليك
قالت سوزانا، " قال لك خذها
التالية كانت دونيا اوستاثيا. طلبت واحدة من السيقيتاس* خاصتي لكشط الجرار
قلت، " بالطبع. خذيها مباركة عليك
فقالت سوزانا، " يقول لك خذيها."
عندما جاء دون توماس، طلب حذائي عالي الرقبة، ذا الجلد الاحمر وزخارف الديكة المخاطة عليه.
قلت، " توماس، ايها السارق الوغد! اعرف جيدا انك سرقت اثنتان من دجاجاتي تلك الليل لسبع سنوات مضت لتطعم غانيتك في بويبلا. وها انت لا تأتي طالبا سيقيتا او بعض الاسلاك، انما حذائي الجيد عالي الرقبة !"
وسوزانا قالت، "قال خذه." بالطبع لأنها لا تستطيع سماعي. على اي حال، كنت سمحت لتوماس بأخذه. اردت فقط ان اراه يتورد خجلا ولو لمرة
جاؤوا وطلبوا كل شيئ سوزانا ليست في حاجته. طلبوا حتى اشياء لم يكن من الضروري طلبها. طلبوا اشياء كنت قد وعدتهم بها
حتى انهم طلبوا اذنا لإستخراج الصلصال الابيض من المكان الذي احببت العثور عليه فيه. طلبوا، ووافقت، مع بركاتي. فلسنا اللا اناس مهذبين
اخر المطاف، طلبوا خصلات قلال من شعري ليصنعوا منها فُرش لطلاء الجرار. قصوا الخصلات الباقية بأمقاصهم. وطلبوا يداي وبتروهما بسكين لذبح الماعز
قالوا، " دون إسيدرو، نريد وجهك." وافقت فسلخوا جلد وجهي بعناية وحنو
وضعوا يداي في برميل معدني واحرقوهما. جففوا وجهي في الشمس. وفي الاثناء، كفنوا باقي جسدي ودفنوه في مدفن الكنيسة وفقا لتقاليد الكنيسة
بقيت لبعض الوقت بعد ذلك في فراغ، في اللامكان. لا اسمع. لا ارى. ولم استطع الكلام. لم اكن في مكان ما، ولم اكن في بيتي، ولا في لحدي تحت الارض. لامكان. غير ان الوضع سيتغير
طيلة حياتي، علمت اناس اخرون بقريتي كيف يصنعوا الجرار كما اصنعها. ولم يكن امرا ذي بال. كلنا نقوم بذلك. كنت اصنع جرار دون اسيدرو خاصتي، فيما عدا حين علمتني دونا ايزابيلا كيف اصنع مثل جرارها المنمنمة، او عندما شرح لي دون ماركوس كيف يطلي جراره. حينها ولوقت، كنت اصنع جرارا منمنمة مثل دونا ايزابيللا او جرارا مطلية بأسلوب دون ماركوس. عندما ذهبت دونا هنيفرا الى العاصمة لترى الطيور والحيوانات على الجرار الاثرية وقامت من بعد بمحاكاة تلك الزخارف، ارتها لنا، وسرعان ما تعلمنا كيف نرسمها. عدا ذلك كنت اصنع جرارا على طريقتي الخاصة، وان غشتها بعض الاحيان لمسة بسيطة من لمسات ايزابيللا او ماركوس او هنيفرا التي تعلمتها منهم وجعلتها لمساتي
اليوم بعد اسبوع من موتي اصبح جميع من بالقرية يصنعون جرارا كما كنت افعل. حتى الاطفال ان كانوا كبارا كفاية ليصنعوا جرارهم. قام الجميع بأستخراج الصلصال الابيض من بقعتي المفضلة ونقعوه ثم صفوه وتركوه ليرشح بعدها تخلصوا من الماء الزائد عن الملاط. عندما جف الصلصال كفاية، خلطوا معه رماد يداي. ثم صنعوا تورتيات* صلصالية وكبسوها قاعدة لقوالب جصية كبيرة، مثل تلك التي اعتدت استعمالها. واستعملوا في بعض الاحيان قوالبي. صنعوا ثعابين من الصلصال الصقوها على تلك القواعد ولفوها على استدارة القوالب من الاسفل الى الاعلى. وحيث ليس لجراري اعناق لذلك ليس لهذه ايضا
قام القوم--- اسرتي وباقى من بالبلدة--- بكشط الجرار حد النعومة وفركها لتلمع، ومن ثم طلوها بطلاء اسود مستعملين فرش من شعري وبالنسبة للزخارف لو كنت مكانهم لرسمت عليها سحالي وارانب بظهور مقسمة مربعات، او غيرها مربعات فقط تبدأ كبيرة حول وسط الجرة وتزداد صغرا عند حافتها. تلك بالفعل جرار على طراز دون اسيدرو
ثم قاموا بحرقها وحملوا التي لم تكسرها النار الى بيتي. وضعت سوزانا الجرار في جميع ارجاء الغرفة الامامية، وحتى في الفراش حيث كنت مسجى
ولكنني لم اشهد كل ذلك. عرفت فقط بحدوثه
تُركت تلك الجرار في بيتي لا يمسها احد. احرق القوم الُفرش المصنوعة من شعري
في اليوم الثالث اقاموا مآدبة في بيتي. على الارجح كان ثمة كل انواع التماليس* وبعض الزيتون واللحم، وبعض القلوبات والفاصولياء.احتسى الرجال والنساء شراب البولكي، ولعله كان ثمة عصير البطيخ للأطفال. غربت الشمس. اوقدت الشموع. ونار في مدفأتي
عند منتصف الليل، فتح دون لينادرو صندوقا واخرج منه القناع المصنوع من جلدي. وضع وجهي على وجهه، ففتحتُ اعيننا. لقد حضرت من اللامكان. امسيت في الغرفة. نظرت الى الوجوه، لعيون الاحياء المشرعة، لسوزانا واضعة يدها على فمها. ابصرت احفادي، كارلوس وخاليا، آنا وكينيتو. وللمرة الاولى، استطعت رؤية الجرار في غرفة المعيشة. كانت تتوهج على ضؤ الشموع. معا، مشيت انا ودون لينادرو الى غرفة النوم ورأيت الجرار هناك على السرير. عدنا الى غرفة المعيشة، وقلت بفمنا، " ارى انني لم اعد ميتا
" لا، لا، دون اسيدرو،" اكدوا لي. " لست ميتا
ضحكت فذاك ما ترغب في آتيانه عندما تدرك انك لست ميتا
عندها قام دون لينادرو برمي القناع في النار، فلم اعد موجودا في القناع. امسيت في الجرار. في تلك الجرار المستديرة المجبولة بأيدي اصدقائي ومنافسي واسرتي وجيراني. كنت هناك، في كل واحدة منها. اخذني الناس من بيتي، جرة اثر جرة، فدخلت بيوتهم معهم. وفي بيتي السابق، تركوا واحدة صنعتها سوزانا على طرازي
من تلك الليلة فصاعدا، كنت في كل القرية. خزن الناس الذرة داخلي، او الارز، او الفاصولياء. استعملوني لجلب الماء. وانتشرت بعيدا من هناك، فاذا جاء السواح لشراء جرار وحدث ان اعجبو بي، سيقول البائع، " اوه. هذا دون اسيدرو وسيهز السائح رأسه ولربما يشتري الجرة التي ظن انها من صنع دون اسيدرو
لازلت في قريتي الصغيرة، ولكنني موجود في ستوكهولم ايضا وفي سياتل. انا في تورنتو وفي بوينس ايرس. بعض مني في العاصمة مكسيكو، رغم انني في الاغلب لازلت في البيت هنا في القرية حيث ترعرعت، وطعنت في السن ومت. اقف على رف سوزانا حيث بامكاني مراقبتها تعجن تورتيات عادية لافطارها او تورتيات صلصالية لجرارها. لقد طعنت في السن، لكن يداها لازالتا سريعتان مثل العصفور. احيانا تدرك انني اراقبها، فتنظر خلف كتفها وتضحك. سواء ارد بضحكة سمعتها ام لا لكنها عميقة وممتلئة ومستديرة مثل جرة كبيرة عظيمة على طراز دون اسيدرو


----------------------------------------------------------------------------------------------
ملاحظة المترجمة : تركت الكلمات المكسيكية كما هي مثلما تركها مؤلف القصة في النص الانجليزي اتباعا لدقة ومصداقية الترجمة
ميهيكا : المقصود بها حضارة المكسيك القديمة وما كانت تمارس فيها من شعائر وطقوس دينية تخصها
السيقيتاس : اداة دقيقة لكشط الصلصال وتنعيمه
تورتيا : نوع شهير مكسيكي من الخبز الدائري المسطح
تمالي: نوع من الفطائر المستديرة المحشوة والمطبوخة في لفائف اوراق كوز الذرة
البولكي نوع من شراب الصبار المخمر

Tuesday, October 20, 2009

الحب يبدا في الشتاء



الحب يبدأ في الشتاء



الحب يبدأ في الشتاء مجموعة قصصية للقاص والصحفي الويلزي سيمون فان بووي صادرة في يونية 2009 عن دار نشر بيوتيفل بوكس تقع في 352 صفحة . تحكي قصص المجموعة الخمس حكايا شفيفة عن الحب والفقد والتوق و الحالات العصبية والنفسية التي عادة ما تترافق مع حالة الوقوع في الحب خاصة ان كانت احدي شخصيات القصة هشة نفسيا او ممسوسة عصبيا. ففي لحظة اليأس المطلق والتعلق بالاحلام التي لاتتحقق، وبالاشخاص الذين اختفوا من حياتهم منذ زمن. تمضي شخصيات المجموعة في شوارع القصص الفائقة الجمال حتى تصادف غرباء يجعلونها تواجه مسئولياتها تجاه اقرب الناس لها، اولئك الذين اعتقدت الشخصيات انها استأنفت حياتها بدونهم
يملك سيمون فان بووي معرفة ثاقبة في حالات التوق المعقد التكوين والمخرجات في ثنايا قلوب البشر، فهو يسردبشفافية ورشاقة اسلوب، تأملاته القصصية تلك،نرى ذلك القصة الرائعة" التماثيل المفقودة" حين اجهش الدبلوماسي الشاب" ماكس" بالبكاء على حافة ساحة سانت بيترس في روما عندما انهالت عليه ذكرياتطفولته في لاس فيغاس. كذلك قصة "مجيئ ورحيل الغرباء" وهي قصة اجيال متعددة تحكي البطولة والمآساة والحب والعائلة التي تعثر على جذورها في شخص والتر الغجري الروماني الايرلندي الذيوقع في حب فتاة كندية يتيمة. تبدا القصة عندما يخاطر الغجري بحياته من اجل انقاذ طفل من الغرق ، ليرث منه ابنه خصاله النبيلة تلك بعد عقدين من الزمن، لندرك انليس توم ليس فقط ذاك المتلصص الذي يمضي الوقت ممسوسا بالتجسس على البنت التي يهواها
كما ينحو سيمون فان بووي الى مزج اشد اللحظات الانسانية رهافة مع اعنفها حين تشتد الانفعالات الانسانية في لحظات الفقد حتى حافة الجنون، مثلما حدث في القصة التي تحمل عنوان المجموعة القصصية " الحب يبدأ في الشتاء " عندما قطع والد حنا يده اثر وفاة ابنه
وصلت هذه المجموعة القصصية المتميزة الى القائمة النهائية لجائزة فرانك اوكونورالايرلندية الدولية للقصة القصيرة لعام 2009 وكادت تنالها ، الامر الذي اعطاها دفعة دعائية كبيرة تنضاف الى اسلوبها الانيق ومافيها من فيض عواطف جياشة ومفاجآت غير متوقعة ، فالكاتب فذ في الامساك بعنان قصصه وانفاس القراء لحتى يصل بهم الى النهايات اللامتوقعة التى اشتهر بها حتى اصبحت متوقعوجودها في نهايات قصصه
. كما يخالجنا احيانا الشعور أن القاص بدا قصته في ذهنه وما ان انساقالى تدوينها حتى انقلبت الى قصيدة بدون ان تفقد قوتها السردية ، فمجموعته الحب يبدا في الشتاء هذه عرض شائق شديد الوضوح لقواه الابداعية وهي بالاخص تركيز سردي حول الاحساس بالشيئ اكثر منه حول حدوثه
تعد موضوعة الحب بكل تمظهراته لدى البشر تيمة اساسية في كل اعمال الكاتب فقد سبق وان صدر له مجموعة قصصية اخرى تحمل عنوان" الحيوات السرية لإناس واقعين في الحب" وكذلك كتاب تحليلي تحت عنوان "لماذا نقع في الحب"
ولد سيمون فان بووي في لندن ونشأ في ريف ويلزوفي اكسفورد. لعب كرة القدم في كنتاكي ، وعاش في باريس واثينا. تحصل عام 2002 على درجة ماجستير في الفنون الجميلة وعلى جائزة هـ . ر هيس للشعر. ظهرت مقالاته الصحفية في عديد الصحف والمجلات منها النيويورك تايمز ونيويورك بوست حيث يعيش الان في نيوييورك سيتي ويحاضر جزء من وقته في مدرسة الفنون البصرية وفي جامعة لونغ ايلاند
ترجمت اعماله الى عديد اللغات . وفي النهاية يظل اجمل ما قيل في حق هذه المجموعة الرائعة ما جاء في عرض لوس انجلوس تايمز لها : "ينتابنا القلق الان ، فبعد قراءتنا للمجموعة وتعلقنا بها ما الذي سيقدمه سيمون بعد! أيكتب شيئا اطول؟ أيتبنى كتابة شعر الهايكو؟ ايرتحل في العالم مثل اي صوفي "سادهو" لعقود مرسلا لنا كتبا اخرى في منتهى البهاء كأنها بطاقات بريدي
ة مرسلة من جنة عدن؟
ليلى النيهوم

Sunday, October 18, 2009

مارك ستراند مرة اخرى في الحفلة الطويلة الحزينة


في الحفلة الطويلة الحزينة

sepia


شعر /مارك ستراند
ترجمة/ ليلى النيهوم

احدهم كان يقول
شيئا ما عن ظلال تغطي الحقل
عن كيف تنتهي الاشياء
وكيف ينام المرء نحو الصباح
والصبح يرحل

احدهم كان يقول
كيف تموت الريح ثم تعود
كيف ان القواقع توابيت الريح
ولكن الطقس يستمر

كانت ليلة طويلة
وكان احدهم يقول شيئا عن ان القمر يلقي بضؤه الابيض على الحقل البارد
وان لا شيء سيأتي
الا المزيد من نفس الشئ

احداهم ذكرت مدينة زارتها قبل الحرب
وغرفة ذات شمعتين
على الحائط
واحد يرقص
اخر يتفرج
وبدأنا نصدقها

الليلة لا تميل للأنتهاء
احدهم كان يقول ان الموسيقى توقفت ولم يفطن لها احد
ثم احدهم قال شيئا عن الكواكب
عن النجوم
كم هي صغيرة
كم هي قصية

Thursday, October 01, 2009

لغة الحلزون - مارسيا دوغلاس

Hit the road Jack
Photo: Laila Neihoum
مقتطف من رواية لغة الحلزون تأليف مارسيا دوغلاس
* ترجمة : ليلى النيهوم
كان مطر خفيف يهطل مضفيا ضبابا على كل شيئ، وكانت مادا تقف منتظرة قرب البوابة متقية البلل بورقة موز. كانت في اواخر الستين من عمرها ، قصيرة القامة ممتلئة البدن، ينزل كاحليها المتورمين على نعلها القماشي . كانت تعبق برائحة التراب المبلل والطحالب يوم وصولي، ولأن اسنانها الصناعية قد ارسلت لأصلاحها كانت شفتيها منكمشتان للداخل وكانت كلماتها تخرج ملثوغة. وصلت الاسنان لاحقا بعد اسبوعين ، ولكنها كانت تضغط على لثتها وبالرغم من عديد محاولات طبيب الاسنان تعديلها ظلت على حالها. ومادا شيلينغ التى اعرفها ظلت دائما بدون اسنانها السفلية، وكانت لثغتها ثا ثا ثا ثا من رحبت بي ملطفة كل شئ ومصححة ميلان العالم. مضيت اليها، اقدامي في العشب المبلل، ففتحت مادا البوابة الامامية، ببطء، مثل غلاف قصة، كان الفناء مكتضا بالزهور: زهور الكروتون وزر العازب وذيل القرد و بوق الملاك وقميص يوسف والكركدية والزنجبيل والليلك والانثوريوم وجهنميات متسلقات بيض ارجوانيات وقرنفليات فاقعات وشبه قرنفليات وبرتقالية كلون المساء و صفروات كقدوم الصباح الوشيك واصلب قلبي ان لم يكن حمروات فاقعات. وكانت سحليتين خضراوتين تتطاردان على البلاط فهشتهما مادا، " غايل وروبرت كفى!" بحركة يد سريعة. اختفت السحليتان خلف اصص السرخس فتساقطت زهرة ذات لون قرنفلي صارخ على الارض. كنت في الرابعة عشرة من عمري ومهمومة كعجوز، ولكن حالما قادتني مادا من يدي عبر الشجيرات واصص النباتات عدت طفلة صغيرة تلاحظ العالم لأول مرة. قادتني الي مؤخرة البيت حيث الغرفة التي جهزتها بفراش واغطية نظيفة. ومكتب من خشب الماهوغني ذو مرآة بيضاوية ومصباح كيروسين في احد اركان الغرفة وعلى الجدار المقابل روزنامة ذات خارطة قديمة لجامايكا على تاريخ وصولي يوم 30 نوفمبر دائرة بحبر ازرق. وعلى الطاولة الجانبية للفراش مفرش مخرم وفوقه صحن به ثمارمانجا ناضجة من نوع بومباي وعلى حافة الشباك جرة تحوي ماء وزهرتي كروتون صفراء وحمراء. حالما خلعت حذائي ووضعتهما جانبا، ربتت مادا ونفشت المخدة وهمست للهواء ، " المسكينة ، واضح انها تعبى" وغادرت الغرفة تاركة الباب مواربا بعض الشيء وصوت نعلها القماشي يتناهي مطقطقا على البلاط. التقطت صحن المانجا بالقرب من انفي وشممته، ووقفت انظر عبر النافذة الى حيث مادا في الخارج الان تقوم برش الذرة المكسرة للدجاج في الباحة الخلفية. استلقيت بعيد دخولها البيت واغلاقها الباب الخلفي في الفراش و المانجا على خدي. في الصباح اعدت مادا الفطائر المقلية وفتحت علبة سمك الاسقمري وغلت شاي الشكولاطة. اكلنا بشهية كبيرة واخذت مادا تسرد علي حلمها ليلة البارحة بالخنازير البرية ، حيث رأت في حلمها ذاك الخنازير تسرق انجيلا من رجل وتدفنه تحت اوراق التمرهندي، ولم يعثر عليه الا بعد اعصاري بام وشارون حيث وجد حافر خنزيرممدودا على مزمور الراعي. استمعت لماد بانتباه، اراقب كيف ارتعش انفها عندما ضحكت وشيئا فشيئا في نور الصباح انتبهت عيناي لبشرتها وللخنفساء الصغيرة على صدرها بنية وبالكاد تبين وسط البقع والنمش، واليراعة الساكنة المعتمة مثل شامة على صدغها. لاحقا بعد ان اطعمنا الكلاب واغلقنا الابواب، دهنت لها شعرها ولففته على نحو قبب صغيرة، وغادرتها تواجه النافذة المفتوحة. انذاك اتت الفراشة الضخمة مرفرفة بجناحيهاعلى كتفيها العاريتين ، ثم فردتهما بلونيهما الذهبي والاسود الخلابين على قفا رقبتها، راقبت مادا من ثقب بالباب وهي تطعم الفراشة السكر البني من كفها ورايت كيف فركت الفراشة ساقيها معا ومادا جالسة على جانب الفراش تنظر للقمر. عملت طيلة شهر يوليو مع مادا خارجا في باحة الزهور اتعلم عن جيرمايا كروتون واوركيد رجل الثور والبلاب والكركدية النائمة وطنين الانثوروميم . وراقبنا الخيزران ينمو وفحصنا تحت الصخور بحثا عن الدود واشارت مادا الى الحلزونات النادرة على حافة الطريق وهي التي امضت عمرها رفقة الحلزونات تعرف ان العديد منها لسن غير ربات بيوت مرهقات استنبطن طريقة يسترحن فيها من الطبخ والتنظيف وكل الاشياء التى تقصم ضهرهن وارواحهن في العالم ولم يعدنا يحتملن المزيد منها، في كل يوم في هذه الجزيرة ثمة نسوة لم يعدن يحتملن المزيد ، فيرفعن اصبعهن عاليا ويقلن "تمسكي به" ويخرجن من البيت ويأخذن نفسا عميقا ويغصن بقوة في قوقعة حلزونية جميلة كانت مخفية بعناية تحت شعرهن. زمن الحلزونات زمن بطيئ فلدى الحلزونات اذن يسمح لهن بالترفيه عن انفسهن فقط ، فاللحظة العابرة عند الاخرين بحساب ساعة كاملة عندهن. وعندما تأخذ المراة الحلزون كفايتها من الراحة تزحف الى حافة الطريق وتعود الى طبيعتها البشرية متنفسة الصعداء ثم تتجه الى البيت لتهدئة الاطفال او لانهاء الحديث مع الزوج المتروك جالسا الى طاولة المطبخ او لتنسل الى المقعد الكنيسة الخلفي لتستمع الى الواعظ وحماقاته. ولهذا ترين الكثير جدا من النسوة الريفيات يمشين لصيقات حافة الطريق، ولهذا عليك ان تكوني حذرة حين تنعطفين من زوايا ذاك الطريق. المرة القادمة حين ترين حلزونا راقبيه في ضؤ جديد. لاحظي اي بقع صفراء وسوادء تزحف في الجوار وتلتف عكس اتجاه الساعة ملتفة ارتدادا في الزمن. كوني واثقة ان لا تشيحي ببصرك عنها لتعقدي خيط حذاءك مثلا حينها لن تجديها، ستكون قد رحلت واختفت بين الاحجار. تمعني في جزء من لحاء الشجرة يلمع بأثر لزوجة زحفها، وان تحليت بالصبر قد تتعلمين لغتها. ذكرتني مادا ان فن الحلزنة شيئ يُتعلم وليست متاحة لأي احد. فأخر شيئ ترغب فيه إمراة ان تاخذها الضواري مثل تلك المرأة التي وقعت في زجاجة باحث ونقلت الى مختبر في بنسلفانيا، وطفلها متروك يبكي في مهده. حيث انتهى بها المطاف في عارضة زجاجية في متحف جامعي. ولكي تحيا اضطرت الى ان تدخل في سبات في التلافيف الوردية العميقة لقوقعتها المنقطة. بلغ اهلها في جامايكا الشرطة، مفترضين مقتلها او غرقها في نهر ثوماس. لقد كانت امراة عاقلة تحب اسرتها وليست من اللاتي حين يعن لهن يجمعن حاجياتهن ويهربن. لقد كونوا فرق بحث وجابوا كامل بلدة براون، وجدوا نعلها المطاطي على صخرة قرب النهر ولكن لا اثر لثيابها او ما شابه. مرت سنة كاملة قبل يفتح مساعد باحث العارضة الزجاجية لتلميعها مانحا المرأة الحلزون فرصة للزحف والفرار. وحالما خرج من الغرفة حولت نفسها الى شكلها الادمي وخرجت من الباب. كانت المطر تهطل خارجا وكانت حافية القدمين. مشت الى الشارع محاولة تذكر اسمها و المطر يملأ فمها و ثدياها يثقلان فجأة بالحليب. يكفي القول ان حكومة الولايات المتحدة ليست ذكية كفاية واراهنك انهم سيتفاجأون لو علموا كيف يدخل بالفعل بعض المهاجرين الى البلاد