Sunday, September 16, 2007


5 تصفر بها وفيها الريح

مرت بضع سنوات قبل أن نتمكن من خلع جلد الشقاوة الخشن في وقت اكتسبنا جفاء الأولاد الذين ملوا انتظارنا رغم كل محاولاتهم المستميتة لإخراجنا من حالة الدعة المفاجئة التي تملكتنا فجعلتهم يتخبطون في حيرة فهم ما جرى لنا , ليكتشفوا في مللهم وتبرمهم أشياء عوضتهم عن قلة لعبنا معهم : الشارع , الرفاق الجدد ، السينما ، الباصة ، وسط البلاد ، المحلات ، الدراجات ، البحر كما بدأت تناط لهم مهام اضحت تتعب الكبار ، التسوق وجلب الخضروات و المؤونة واحتياجات العمات والأمهات والخالات المنزلية
غير إن البنت الشقية - أنا في اعقابها - وازنا التكبيلات الأنثوية الجديدة مع متطلبات الخيال وروح المغامرة فعرفت أرجلنا الطريق إلى الباب الكبير متأنقات نظيفات ملساوات المرافق والركب، ممسدات الشعر، وقورات متجهمات إزاء أي محاولة للحديث معنا خارج حدود حوارات البيع والشراء
حفظت وجوهنا غير المتأكدة من سيماءاتها الجديدة محلات الأقمشة ، محلات ادوات الخياطة والتطريزوالالوان المائية والزيتية والُفرش وكراسات الفابريانو واقلام الفحم ، ايضا أكشاك الصحف والمجلات ،
المكتبات العامة والمراكزالثقافية

اخذنا الملل والقلق من حالتنا الجديدة التي أماتت فوران الدم في عروقنا ، جعلتنا شبه مقعدات جسديا وصوتيا متحسرات على زمان الركض والريح تلعب بأشداقنا و ضحكنا الذي يجلجل كالمردة حين انطلاقهم من القماقم المفتوحة فرسمنا الريح ، الركض ، الاماكن القصية ، الاكواخ القرميدية في اعالي الجبال ، حواف الانهار المزهر وبورتريهات لوجوه مستمد بعضها من كوكبها وبعضها قصاصات خيال متراكبة من رؤى متواشجة في جيناتنا
عرفنا النزر القليل من التمرد في قراءة كتب الكبار الممنوعة في عتمة دار الخزين غير عابئات بصيحات الحلت والوابيس من الجيل الذي يلينا من الصغار المتربي على شقاواتنا وصيت مغامراتنا المحكية كنوادر عائلية في ليالي الإنس والسمر، مستغربات اسباب المنع ، فما كنا نقرأه كان ممتعا وكان سبيلا غير مدركا في لحظته لتقوية لغتنا وتفوقنا لاحقا في مواد الإنشاء والقراءة والإملاء ، وسهولة استيعاب البلاغة والنحو
نقرأ المزيد يصلنا تراكضهم للمحبة يعلنون عليها لثما تملصهم من الذين يبحثون عنهم ، تخلصهم من إغماض عيونهم و العد الى ما شاء الله ,، مشقة البحث عن المختفين في أماكن لا تخطر على بال ، الجري وراء المراوغين قبل أن يصلوا للمحبة فيندمج في خلفية ما نقرأ يربطنا بالواقع الجديد ، يعمق استغراقنا في العوالم الحكائية
اكتب هذا اجمعه من الحلم الذي ينعش ذاكرتي لأخبر الشقية التي هجرت المكان بحثا عن عوالم اخرى ونقطة سحرية تعيدها للزهرة ، لأخبرها عما عشناه معا ، بما حدث لنا ، وللوسعاية التي تحولت الى فيلم باطني نراه في شاشات ذاكرتنا ، تصفر بها ولها الريح ، وعنها ايضا ، الوسعاية التي لم تعد بعد الحريق الكبير الإ ضيقاية : بضع حجارة ونخلتان وبيتان متهالكان لمن بقى مجبرا ، ذهب بقيتها للريح ، ُشقت فوقها الطرق الدائرية مارة فوق امكنة مصنع الثلج والحديد , بيت الخال , الجزء الامامي من بيت الجد الاكبر ، حيث المضافة المهيبة الوحيدة من نوعها في زمنه ,،باب الكانشيللو مصد الغرباء والمتطفلين ومجانين المنطقة ، كراجات السيارات ، كلها باتت بعدا اخر يعيش فينا وبنا ، بقاؤه محكوم بما حيينا ، ان ذهبنا سيتلاشى معنا ، تجري اليوم فوقه السيارات المسرعة في جزيرة الدوران ترميها لكل اتجاهات المدينة ، تلف حول نفسها احيانا ، تصطدم ببعضها حين يتراىء لساقتها الغافلين شبح المكان الافتراضي حين كان يرفل في عزه وفتاتان جميلتان تقفان امام صف البيوت في خلفية الياسمين واللانتانا وبهجة الصباح ، احداهن كانت تفر من امامها العقارب والبطات والدجاجات الحمقاوات وتتضاءل سطوة جبانة الرعب فترخي لها الاشجار حبالا مجدولة لتؤرجح غضبها او فرحها حسبما الظروف
الاخرى تستعيد المكان حروفا تكتبها للناسيين ، للمتناسيين ، لنفسها وهي تجلس مترددة عن الذهاب الى ابعد مما وصلت اليه يصدها الكسل الذي عطل نصف حياتها في التأمل ، في رسم اللوحات السوريالية في الهواء وعقد صفقات مع الحياة على رمال البحار . تتحدى العالم في عكس ما يرغب وترغب عكس ما يحب . تمضي بعيدا في خيالاتها ، ليس ابعد من ان تجلس الأن في الليل الداجي ترقن الحروف وتزلق نظارتها السميكة من حين لأخر لأعلى أرنبة انفها لتنظر الى كوكب الزهرة يومض من بعيد وتبتسم

ليلى النيهوم
photo credit:Laila Neihoum

No comments: