Sunday, June 15, 2008

هكذا انا - تهاني دربي



صدر للصديقة الشاعرة والصحافية تهاني دربي واخيرا مجموعتها الشعرية الاولى التي انتظرنا ان تقدم على نشرها طويلا حتى مللنا من امكانية ان يحدث ذلك ونحن مازلنا على قيد الحياة كما كنا نتندر على تهاني ، المجموعة التي حملت عنوان هكذا انا وحمل غلافها لوحة الرائية الليبية التي رسمها الفنان الايطالي الاشهر مايكل انجلو وهو الامر الذي نسى الناشر : مجلس الثقافة العام ادراجه في المجموعة وقد احزن الامر تهاني التي اصرت منذ البداية ان تكون السيبيل الليبية غلافا لمجموعتها اعتزازا بالمرأة الليبية حين تكون مختلفة ومبدعة بغض النظر عن ما يمكن ان يحمل الاخرون للرمز المستقى ، الاهم في الامر انه منذ قدم التاريخ كان للمرأة الليبية وجود ملموس بأشكال متعددة في المدونات التاريخية سواء كانت لوحة او حجر او خرافة او اي ايماءة

هاتفتني تهاني منذ ايام والقلق يعلو صوتها قائلة انها تمسك بيدها مجموعتها الاولى وهي طازجة من الناشر وانها لاتعرف ماذا تفعل بها وانها خائفة وقلقة وان الكتاب يكاد يحرق يدها مما فيه من حزن وكمد . قلت وصوتها غائم ي الهي ماذا فعلت ومال ها الكم الركامي من حزن السنين ! انا خائفة من كتابي الاول ولا ادري ماذا افعل به . فلت لها مطمئنة هاتيه ودعيني احكم على ما تسمينه فعلة . جائتني بالمجموعة الانيقة الغلاف متوسطة الحجم التي عدد صفحاتها 153 صفحة وقصائدها 105 اذا كنت احسنت عدها وهي تتراوح بين النص القصير والومضة والطويل بعض الشيئ في صور متلاحقة لتفاعل الشاعرة مع الحياة والخيارات الشخصية والتأمل والامكنة فقد عاشت الشاعرة بين مسة وطرابلس وبنغازي والاسكندرية وروما والهند مما اثرى تجربتها الشعرية يتنوع المشهد والمرائي هذا التامل الذي يذهب بنا بين الحالة الوجدانية لروح شفيفة حساسة محبة للجمال وللموسيقى المختلفةروح تضج بامومة فائقة وبقدرة فائقة على البوح بما يقلقها وما يجعلها تناور لتعيش وسط المنغصات بسلام بل بشاعرية مثالية


في قصيدة فراشة (1) تقول


جاسرة


ويغويها


ان تطير


ان تغازل ارتعاش الهالة


وان تموت


اخيرا في مهجع اللهب


لمن تلوح ياترى بجناحيها في الرمق الاخير


فهل للهب من مهجعا الا في تصور الشاعرة التي تمضي بالاشياء لغير اعتيادها ! تمضي تهاني في المزيد من الدفق الشعري الانساني المنحى فتحدثنا عن فلسفتها عن المدن من واقع معايشتها لعوالم مختلفة ومتباينة بل شديدة التناقض وما فعلته فيها هذه الاخلاط المشهدية


مدن تحوي اجسادنا/وتفزع منها ارواحنا/مدن رضابها علقم/مرارها وهن/ نريد منها فرحا/تبخل/ ولا نعرف مالذي يجعلنا نحبها/ مالذي يجعلها تنتشر حتى تضيع احلامنا


القصيدة طويلة فيها اسئلة وفيها اجابات خفية بين الحرف واعتماده على الذي يليه حيث تقول


نرحل كلما بان لنا طريق


افقها مبهم


والعمر يجري


في نص يحمل عنوان علمني تخاطب قائلة


ايها المكتفي بي وبدوني


علمني


كيف اصبر على ملامسة


البهاء من حولي


دون ان احتاجك


علمني


كيف اشم عطري


دون ان ترعبني


فكرة انك غائب


.............


علمني كيف انق اسمي


دون ان


تحتاج روحي


لرؤية انعكاسها


على مرآتك


هل تعمدت تهاني ان تقول انعكاس على بدل انعكاس في كي عطي للسوريالية المريرة ان تلعب برؤية تحمل في طياتها قصورا او لبس ما


قي قصيدة تعلمي ، تعلو لهجة الشاعرة ويشوبها عناد مستمد من قوة مفاجئة لعلها جاءت لكثرة ما يتعلم لانسان من الهفوات والكبوات ليقف بعدها اطول قامة وربما اطول لسانا تقول


تعلمي ان تديري موصد قلبك


كلنا اراد


لك الهوى


ان تفتحي


تعلمي ان تضربي بفرشاة الالوان


على وجهك حتى لا تعرف الذئاب حقيقتك


تعلمي ان تلفي بالكتان الابيض


ارجل من يستسهل الطريق الى قلبك


جميل التقاط تهاني الشعري لفرشاة الالوان كي ترسم بها وجها يصعب على العالم معرفة ماهيته واتجاهه هذه مناورة ذكية لأنثي تعيش في وسط يمضي القهقري نحو كل ما حاولت الاجيال السابقة تجاوزه


تعلمي سرقة العبارات المخادعة


من افواههم


قبل ان تصلك


وصايا مبنية على تجارب عادة ما يخرج منها المرء زاحفا مثخن بالجراح الخفية الموغلة في عمق ذاته


تعلمي الطيران حيثما شئت


دون ان تقدمي


مواعيد رحلاتك لرياح القبلي


جميلة هذه الوصية وجدير بنا ان نأخذ بها اذا كنا مازلنا بالسذاجة المزمنة ولم نعرف كيف نصل اليها قناعة من قبل


تمضي الشاعرة ايضا في ايضاح ما وصل اليه درعها الذي تتي به النائبات من صلابة فتقول في قصيدة صلابة


كل الدروب التي سرنا عليها


كانت تسحق اقدامنا


كلها علمتنا


كلها دعكتنا


كلها راكمتنا


ثم اختزلتنا معادن


تزداد صلابة


كلما اغدقت علينا ... المشاق


رعونتها


حس السخرية من افعال الحياة يتضح من استعمال الشاعرة لفعل اغدق الذي يرتبط في الذهن بالجود والوفرة والخير كأني بها تقول آه يادنيا انت تضحكيني يالكرمك فيما اغدقتي علي


تمضى القصائد ليأتي دور ان تحكي الشاعرة كيف ترى علاقتها بأبناءها وكيف تحاول ان تجنبهم الاعيب الحياة وماذا تستمد منهم في ساعات ضيق نفهسها


فتقول في قصيدة توجهها لصغيرها وقرة عينها اسامة




اسامة




تتقاذفني النوات


ويزفر البحر غضبه حولي


دوامات


ومع هذا


يفلح دائما حضنك


في ان يكون لي


طوق نجاة




وتقول لأبنتها يسار




دثري روحي بصدق بوحك


حتى اتعلم منك كيف يكون المد قدسيا


وان كان بدون ماء


جيل تعب يتعلم من جيل اكثر اقبالا وفهما للحياة متسلحا بأدوات عصرية وبأنفتاح على العالم


في مكان اخر تنعطف الشاعرة انعطافة مفاجئة لتصرح ان ثمة حلول وان كانت يشوبها شيء من اللاواقعية وغير محمودة العواقب


هواء


على ارجوحة التكرار


تشابهت الايام


سأوقف وتيرتها بقفزة عالية


في الهواء


قوي هذا القرار وهذا السأم من الرتابة والنمطية


في لوحة تقول


انا ما الفت هذا البياض


تترجل مني الكلمات


ارسم بها لوحة لا تنتهي


ولا اثر لألواني على الورق


النص يحكي نفسه والشكوى واضحة فكم مرعب ان لايكون لما نفعل ونحاول ونتصدى اثر ما، هذا العدم مثير لمزيد من القلق والسأم


وفي تواصلها لما يحدث في العالم من حولها من كوارث وحروب واحتلال وتطهير عرقي ونكبات تحل بالبشرية مجانا تقول




نزف


تعب قلبي من النزف


صباحه نشرات اخبار


وجع


ومساؤه صحف


تدمي


وليله ارق


لاينتهي


لك الله ولهذا العالم المجنون رحمة تحل من السماء , اليست هنا تصفنا وتصف مانعايشه يوميا من فرار غير مبرر للفرح وراحة البال، كل ما حولنا يقض مضجعنا ويدمي قلبنا لم يعد لدينا مؤشر حقيقي نتجه نحوه لم يعد لنا الا ان نستورد حكمة القرود ونستعير الاقنعة ونضيع داخل انفسنا نجتر المونولوجات الداخلية او ان نخرج للشوارع نحل مفام اشارات المرور ندل السيارات الى اتجاه بعضها ونضحك على كونها صدقت اننا اشارة مرور، السوريالية تحل مقام الواقع حين يعتريه القصور والجنون يظل حل مفضل لبالغي العقل


في مكان اخر قرب اخر صفحات المجموعة تسخر الشاعرة من صور معلقة في بيتها للحظات قديمة ذهب مافيها من موضوع اجاز التقاطها حينها وتتساءل ضمنا لماذا تظل على الجدران والطاولات الجانبية طالما مضى نصف من فيها


صور


الذي تبقى صورا زائفة


نعلقها على الجدران


لا تعزينا


تذكرنا بجرمنا


ابتساماتنا الكاذبة فيها تنتقم منا


مجموعة تهاني دربي الشعرية الاولى تختصر تجربة ابدا زاخرة بالاقبال ةالاحجام عن الكتابة وكذلك الاقبال ةالاحجام عن الحياة بين مد وجزر قد لا يستغربه الكثيرون ممن لهم حس شفيف يضببه ان لا تمضي الحياة كا رسم لها وان منته شفافية روحه سبل استشفاف حلول سلمية حينا وشرسة حين اخر للتعامل مع الحياة


يظل الشعر حديث الروح وعسل الاماكن الخبيئة في الذات الانسانية المتفاعلة مع الحياة الخارجة منها بأقل الاصابات الواقفة من كبواتها اقوى واكثر شفافية


ليلى النيهوم






No comments: