-تصفربها وفيها الريح -2
ما أكثرها الأرواح القلقة التي كانت تجول المكان تبحث عن معنى لتيهها ومخرجاً من ضياعها , ساهمة عما حولها و ما حولها غير مناخ وعالم ووقت ومكان غريب عن ذاكرتها البعيدة بُعد مئات السنوات التي أمضتها تجوس الظلمة بحثا عن نور. ليس ذلك النور الدائم الذي تحمله العمة الأرملة المرتعدة , الوحيدة التي تحس بهم وتراهم, كانت تصف لنا أشكالهم وأسنانها تطقطق رعبا . كانت تقسم بكل المرابطين والأولياء الصالحين أنها ترى وإنها " يا ودودي " تعبت مما ترى . كانت تحت وطأة الجبروت تخشي أن ترفض الانصياع للأوامر القائلة بأن تحمل كذا وتجلب كذا من البيوت المجاورة الرابضة على حافة باب السانية قبل زحف الديجور
تمضي كريشة ترُجِفها ريح المهب . تغمض عينيها بشدة جلبت تجاعيد مبكرة لوجهها الصبوح , تصم أذنيها عن سماع لهاث الغيلان , أصوات الخطوات خلفها , لغط وهمس وأنفاس الأشباح على صفحة وجهها . تردد :
, هكذا أفضل , ان يظل شعوري بهم فقط عند حدود التوهم والتخيل
فيما رؤيتهم ترعبها تتركها في حالة هذاء لأيام تجلب لسمعها لوما وعتابا عنيفا لا يرحم المتوهمات والضعيفات , الخارجات عن الاسبار المتفق عليها
أين تمضي ذاكرتي بكل العفاريت , والهامات , والغوله التي انتزعت جميلة الأولى من بين يدي أمها وهي في المهد رضيعة . كم خفت وقتها من اسمي الذي يغري الذئاب . كنت أوهم الصغيرة التي تستمع لي فاغرة الفم عن قضمة الذئب التي اقتلعت لقمة من لحم ذراعي , أريها لها واستمتع برقرقة عينيها الواسعتين الصافيتين كبحيرة متلألئة , ورجفة أصابعها تتلمس آثار التطعيم الرديء اعلي ذراعي
العربة القديمة من مخلفات الجيش . أي جيش ؟ لست ادري - لكنها هناك منذ الأزل , تغطيها نبتة بهجة الصباح المتسلقة , ذات الزهور الزرقبنفسجية . نتسلقها ونتوهمنا من الجيوش الغازية - أو صاحبة الحق سيان- فلم نكن ندرك ذلك
كنا نطلق رصاصنا من بنادق في مخيلتنا , ُنمطر الأولاد الذين يجيدون الاختباء ولا نعثر عليهم بوابل من ذخيرة لا تنفد , ندك البيوت البيض وقنان الدجاج والسيارات المركونة وأشباح العمات وغسيل الخالة المرتب بعناية وكأنه دعاية من زمن قادم, والنخلات المثقلات بالبلح و بالرطب والجابية والبئر المرعب والأراجيح. ولا نطلق النار في اتجاه المقبرة المجاورة إطلاقا . هناك تتلاشى شجاعتنا وتتحول بنادقنا إلى وهمها الأكيد , تكفينا من الشجاعة قصص أشباح العمة الأرملة المكشوفة النظر: جنود قتلى من الحرب يسألون العمة كل ليلة عن سبب موتهم في زهرة شبابهم
هكذا كانت طمأنينتنا متكئة على تفسير الأهل بأنها من صنع اختلالات في مخيلتها , ونكتفي بقولهم لنا لاعفاريت سواكم , لنفر حين تفاجئنا غولة المسحان في نوبة دق وهرس مفاجئة لحبوب عشاءها .كانت الأرجل دالتنا ومفرنا , و"واحد وستين" المتعارف عليها تمضي بنا أسرع من الصوت
في الشوارع الترابية التي تحيق بالوسعاية وتلف كامل نصف استدارة السانية وتبتعد قليلا عن مرمى أشواك هنديها , مضت بنا اندفاعات فضولنا بعيدا وقريبا من ابعد ما نتصور. أراني واراهم نجري فيها بحثا عن الصغير الذي تجاوز حدود المكان فضولا . تجاوز عتبة الباب الكبير المهيب , مضى يغد الخطو الوئيد في الشوارع يبتسم للمارة , تتجنبه السيارات المسرعة , تتبعه دعوات الجدة وعناية الله . نجري ونسأل ورعب يوتر سيقاننا الرفيعة المليئة بالجروح المتقيحة والرضوض , تلسعنا الأرض وتهديدات العمات الجالسات جوار البصقات التي بصقنها في التراب , والويل إن جفت قبل أن نعود فستدود أقدامنا , الويل لنا إذا لم نعثر على الصغير الذي كان يجلس ساعتها في مركز الشرطة يرسم له الشرطي المناوب بالقلم الجاف ساعة على رسغه الصغير فيما يأكل بيده الأخرى حلوى ملونة ويبتسم لنا حين دخلنا معفرين بالخوف , بوهن السيقان , مثقلين بالذنب عندما دلنا الى مكانه الأهالي الذين سلموه للمركز حين عجزوا عن معرفة من يكون
من الباب الكبير ماقبل الديجور بسنوات قلائل كنا نمضي في الخميسيات إلى مابعد السور الغربي من الوسعاية, إلى حيث كان السابلة يردون الماء وحيث بيوت من صفيح , كنا نلوي أعناقنا ونحن نركض جوارها كي نرى ما بداخلها - لا يتصور ذهننا المتعود على رفاهية أماكن خُلقت بحس جمالي يبدع من اللاشئ شيئا في اشد حالات الفقر - إن ثمة من يستطيع العيش في مثل هكذا أمكنة وضيعة ,. كان من بعض تلك الأمكنة ينطلق صوبنا وابل من حجارة كلما مررنا , لم نر يوما من رمانا , لم يُظهر وجهه , نهز أكتافنا استهانة بعدو غير مرئي . نمضي نشتري البيض من بيوت أوصانا أهلنا أن لا ندخل غيرها , نتلكأ على أعتاب الدكاكين المرتفعة , نراقب البنات يلعبن حواشين بأشياء مجموعة من القمامة وخرق وعلب صفيح واعشاب , يختلقن بيوتا بائسة مصغرة لطموحات لاتتعدى في الخيال أدنى الحاجات," رابش" متمني لصغيرات يعشن في الرابش .
العقارب التي تظن أنها في مأمن من بطشنا , تستظل تحت ُذبال الأشجار وجريد النخلات وصفائح الحديد وركامات البناء وبقايا المصنع المهجور كنا نتوصل إليها مهما شطح بها تخفيها , كنا ننهال عليها بسل النخلات مهما تبعثرت في فرارها هنا وهناك , نرشقه في أجسادها المتلوية محاذرين كي لا تطالنا بسمها , كلها كانت صفراء . لم نتمكن يوما من معرفة مكان أخطرها : السوداء القاتلة آكلة الغمق التي حين نهمس بأسمها نتلفت تحسبا , التي نسج لنا الكبار حولها اساطير ومحاذير . كنا نمني النفس بالعثور عليها ونحن نقلب الأشياء ونحرك ارجلنا بسرعة خشية ما سيخرج راكضا مستثارا رافعا سلته أعلى ما يمكنه متحديا بأصفره المقشعر توقنا لأصطياد السوداء المثيرة
حتى اليوم الذي تجمعت لنا الصفراوات تحت مكان لم يخطر لنا على بال تحت" البانيوالمقلوب الذي يحلو لنا أن نستعمله محبة الحلت الراكضة وكرسيا لليالي السمر, نتحلق حوله بين جلوس وإقعاء ووقوف غافلين نتسامر في الليلة القمراء , نتبادل ادوار الدباخ والكريكما , لتتسلل غيلة وتبدأ بأصغرنا وأعلانا صراخا وصل حتى مشارف الكبار الذين لاترحم صفعاتهم , كان ركضنا اقرب إلى الطيران و العقارب في غلها تكاد تُجنح خلفنا , بعثرتنا وظلالنا . أرسلتنا إلى نوم مبكر بوجوه مبللة بدموع العقاب
ما أكثرها الأرواح القلقة التي كانت تجول المكان تبحث عن معنى لتيهها ومخرجاً من ضياعها , ساهمة عما حولها و ما حولها غير مناخ وعالم ووقت ومكان غريب عن ذاكرتها البعيدة بُعد مئات السنوات التي أمضتها تجوس الظلمة بحثا عن نور. ليس ذلك النور الدائم الذي تحمله العمة الأرملة المرتعدة , الوحيدة التي تحس بهم وتراهم, كانت تصف لنا أشكالهم وأسنانها تطقطق رعبا . كانت تقسم بكل المرابطين والأولياء الصالحين أنها ترى وإنها " يا ودودي " تعبت مما ترى . كانت تحت وطأة الجبروت تخشي أن ترفض الانصياع للأوامر القائلة بأن تحمل كذا وتجلب كذا من البيوت المجاورة الرابضة على حافة باب السانية قبل زحف الديجور
تمضي كريشة ترُجِفها ريح المهب . تغمض عينيها بشدة جلبت تجاعيد مبكرة لوجهها الصبوح , تصم أذنيها عن سماع لهاث الغيلان , أصوات الخطوات خلفها , لغط وهمس وأنفاس الأشباح على صفحة وجهها . تردد :
, هكذا أفضل , ان يظل شعوري بهم فقط عند حدود التوهم والتخيل
فيما رؤيتهم ترعبها تتركها في حالة هذاء لأيام تجلب لسمعها لوما وعتابا عنيفا لا يرحم المتوهمات والضعيفات , الخارجات عن الاسبار المتفق عليها
أين تمضي ذاكرتي بكل العفاريت , والهامات , والغوله التي انتزعت جميلة الأولى من بين يدي أمها وهي في المهد رضيعة . كم خفت وقتها من اسمي الذي يغري الذئاب . كنت أوهم الصغيرة التي تستمع لي فاغرة الفم عن قضمة الذئب التي اقتلعت لقمة من لحم ذراعي , أريها لها واستمتع برقرقة عينيها الواسعتين الصافيتين كبحيرة متلألئة , ورجفة أصابعها تتلمس آثار التطعيم الرديء اعلي ذراعي
العربة القديمة من مخلفات الجيش . أي جيش ؟ لست ادري - لكنها هناك منذ الأزل , تغطيها نبتة بهجة الصباح المتسلقة , ذات الزهور الزرقبنفسجية . نتسلقها ونتوهمنا من الجيوش الغازية - أو صاحبة الحق سيان- فلم نكن ندرك ذلك
كنا نطلق رصاصنا من بنادق في مخيلتنا , ُنمطر الأولاد الذين يجيدون الاختباء ولا نعثر عليهم بوابل من ذخيرة لا تنفد , ندك البيوت البيض وقنان الدجاج والسيارات المركونة وأشباح العمات وغسيل الخالة المرتب بعناية وكأنه دعاية من زمن قادم, والنخلات المثقلات بالبلح و بالرطب والجابية والبئر المرعب والأراجيح. ولا نطلق النار في اتجاه المقبرة المجاورة إطلاقا . هناك تتلاشى شجاعتنا وتتحول بنادقنا إلى وهمها الأكيد , تكفينا من الشجاعة قصص أشباح العمة الأرملة المكشوفة النظر: جنود قتلى من الحرب يسألون العمة كل ليلة عن سبب موتهم في زهرة شبابهم
هكذا كانت طمأنينتنا متكئة على تفسير الأهل بأنها من صنع اختلالات في مخيلتها , ونكتفي بقولهم لنا لاعفاريت سواكم , لنفر حين تفاجئنا غولة المسحان في نوبة دق وهرس مفاجئة لحبوب عشاءها .كانت الأرجل دالتنا ومفرنا , و"واحد وستين" المتعارف عليها تمضي بنا أسرع من الصوت
في الشوارع الترابية التي تحيق بالوسعاية وتلف كامل نصف استدارة السانية وتبتعد قليلا عن مرمى أشواك هنديها , مضت بنا اندفاعات فضولنا بعيدا وقريبا من ابعد ما نتصور. أراني واراهم نجري فيها بحثا عن الصغير الذي تجاوز حدود المكان فضولا . تجاوز عتبة الباب الكبير المهيب , مضى يغد الخطو الوئيد في الشوارع يبتسم للمارة , تتجنبه السيارات المسرعة , تتبعه دعوات الجدة وعناية الله . نجري ونسأل ورعب يوتر سيقاننا الرفيعة المليئة بالجروح المتقيحة والرضوض , تلسعنا الأرض وتهديدات العمات الجالسات جوار البصقات التي بصقنها في التراب , والويل إن جفت قبل أن نعود فستدود أقدامنا , الويل لنا إذا لم نعثر على الصغير الذي كان يجلس ساعتها في مركز الشرطة يرسم له الشرطي المناوب بالقلم الجاف ساعة على رسغه الصغير فيما يأكل بيده الأخرى حلوى ملونة ويبتسم لنا حين دخلنا معفرين بالخوف , بوهن السيقان , مثقلين بالذنب عندما دلنا الى مكانه الأهالي الذين سلموه للمركز حين عجزوا عن معرفة من يكون
من الباب الكبير ماقبل الديجور بسنوات قلائل كنا نمضي في الخميسيات إلى مابعد السور الغربي من الوسعاية, إلى حيث كان السابلة يردون الماء وحيث بيوت من صفيح , كنا نلوي أعناقنا ونحن نركض جوارها كي نرى ما بداخلها - لا يتصور ذهننا المتعود على رفاهية أماكن خُلقت بحس جمالي يبدع من اللاشئ شيئا في اشد حالات الفقر - إن ثمة من يستطيع العيش في مثل هكذا أمكنة وضيعة ,. كان من بعض تلك الأمكنة ينطلق صوبنا وابل من حجارة كلما مررنا , لم نر يوما من رمانا , لم يُظهر وجهه , نهز أكتافنا استهانة بعدو غير مرئي . نمضي نشتري البيض من بيوت أوصانا أهلنا أن لا ندخل غيرها , نتلكأ على أعتاب الدكاكين المرتفعة , نراقب البنات يلعبن حواشين بأشياء مجموعة من القمامة وخرق وعلب صفيح واعشاب , يختلقن بيوتا بائسة مصغرة لطموحات لاتتعدى في الخيال أدنى الحاجات," رابش" متمني لصغيرات يعشن في الرابش .
العقارب التي تظن أنها في مأمن من بطشنا , تستظل تحت ُذبال الأشجار وجريد النخلات وصفائح الحديد وركامات البناء وبقايا المصنع المهجور كنا نتوصل إليها مهما شطح بها تخفيها , كنا ننهال عليها بسل النخلات مهما تبعثرت في فرارها هنا وهناك , نرشقه في أجسادها المتلوية محاذرين كي لا تطالنا بسمها , كلها كانت صفراء . لم نتمكن يوما من معرفة مكان أخطرها : السوداء القاتلة آكلة الغمق التي حين نهمس بأسمها نتلفت تحسبا , التي نسج لنا الكبار حولها اساطير ومحاذير . كنا نمني النفس بالعثور عليها ونحن نقلب الأشياء ونحرك ارجلنا بسرعة خشية ما سيخرج راكضا مستثارا رافعا سلته أعلى ما يمكنه متحديا بأصفره المقشعر توقنا لأصطياد السوداء المثيرة
حتى اليوم الذي تجمعت لنا الصفراوات تحت مكان لم يخطر لنا على بال تحت" البانيوالمقلوب الذي يحلو لنا أن نستعمله محبة الحلت الراكضة وكرسيا لليالي السمر, نتحلق حوله بين جلوس وإقعاء ووقوف غافلين نتسامر في الليلة القمراء , نتبادل ادوار الدباخ والكريكما , لتتسلل غيلة وتبدأ بأصغرنا وأعلانا صراخا وصل حتى مشارف الكبار الذين لاترحم صفعاتهم , كان ركضنا اقرب إلى الطيران و العقارب في غلها تكاد تُجنح خلفنا , بعثرتنا وظلالنا . أرسلتنا إلى نوم مبكر بوجوه مبللة بدموع العقاب
ليلى النيهوم
يتبع
photo credit:Sakina Ben Amer
يتبع
photo credit:Sakina Ben Amer
No comments:
Post a Comment