Thursday, October 01, 2009

لغة الحلزون - مارسيا دوغلاس

Hit the road Jack
Photo: Laila Neihoum
مقتطف من رواية لغة الحلزون تأليف مارسيا دوغلاس
* ترجمة : ليلى النيهوم
كان مطر خفيف يهطل مضفيا ضبابا على كل شيئ، وكانت مادا تقف منتظرة قرب البوابة متقية البلل بورقة موز. كانت في اواخر الستين من عمرها ، قصيرة القامة ممتلئة البدن، ينزل كاحليها المتورمين على نعلها القماشي . كانت تعبق برائحة التراب المبلل والطحالب يوم وصولي، ولأن اسنانها الصناعية قد ارسلت لأصلاحها كانت شفتيها منكمشتان للداخل وكانت كلماتها تخرج ملثوغة. وصلت الاسنان لاحقا بعد اسبوعين ، ولكنها كانت تضغط على لثتها وبالرغم من عديد محاولات طبيب الاسنان تعديلها ظلت على حالها. ومادا شيلينغ التى اعرفها ظلت دائما بدون اسنانها السفلية، وكانت لثغتها ثا ثا ثا ثا من رحبت بي ملطفة كل شئ ومصححة ميلان العالم. مضيت اليها، اقدامي في العشب المبلل، ففتحت مادا البوابة الامامية، ببطء، مثل غلاف قصة، كان الفناء مكتضا بالزهور: زهور الكروتون وزر العازب وذيل القرد و بوق الملاك وقميص يوسف والكركدية والزنجبيل والليلك والانثوريوم وجهنميات متسلقات بيض ارجوانيات وقرنفليات فاقعات وشبه قرنفليات وبرتقالية كلون المساء و صفروات كقدوم الصباح الوشيك واصلب قلبي ان لم يكن حمروات فاقعات. وكانت سحليتين خضراوتين تتطاردان على البلاط فهشتهما مادا، " غايل وروبرت كفى!" بحركة يد سريعة. اختفت السحليتان خلف اصص السرخس فتساقطت زهرة ذات لون قرنفلي صارخ على الارض. كنت في الرابعة عشرة من عمري ومهمومة كعجوز، ولكن حالما قادتني مادا من يدي عبر الشجيرات واصص النباتات عدت طفلة صغيرة تلاحظ العالم لأول مرة. قادتني الي مؤخرة البيت حيث الغرفة التي جهزتها بفراش واغطية نظيفة. ومكتب من خشب الماهوغني ذو مرآة بيضاوية ومصباح كيروسين في احد اركان الغرفة وعلى الجدار المقابل روزنامة ذات خارطة قديمة لجامايكا على تاريخ وصولي يوم 30 نوفمبر دائرة بحبر ازرق. وعلى الطاولة الجانبية للفراش مفرش مخرم وفوقه صحن به ثمارمانجا ناضجة من نوع بومباي وعلى حافة الشباك جرة تحوي ماء وزهرتي كروتون صفراء وحمراء. حالما خلعت حذائي ووضعتهما جانبا، ربتت مادا ونفشت المخدة وهمست للهواء ، " المسكينة ، واضح انها تعبى" وغادرت الغرفة تاركة الباب مواربا بعض الشيء وصوت نعلها القماشي يتناهي مطقطقا على البلاط. التقطت صحن المانجا بالقرب من انفي وشممته، ووقفت انظر عبر النافذة الى حيث مادا في الخارج الان تقوم برش الذرة المكسرة للدجاج في الباحة الخلفية. استلقيت بعيد دخولها البيت واغلاقها الباب الخلفي في الفراش و المانجا على خدي. في الصباح اعدت مادا الفطائر المقلية وفتحت علبة سمك الاسقمري وغلت شاي الشكولاطة. اكلنا بشهية كبيرة واخذت مادا تسرد علي حلمها ليلة البارحة بالخنازير البرية ، حيث رأت في حلمها ذاك الخنازير تسرق انجيلا من رجل وتدفنه تحت اوراق التمرهندي، ولم يعثر عليه الا بعد اعصاري بام وشارون حيث وجد حافر خنزيرممدودا على مزمور الراعي. استمعت لماد بانتباه، اراقب كيف ارتعش انفها عندما ضحكت وشيئا فشيئا في نور الصباح انتبهت عيناي لبشرتها وللخنفساء الصغيرة على صدرها بنية وبالكاد تبين وسط البقع والنمش، واليراعة الساكنة المعتمة مثل شامة على صدغها. لاحقا بعد ان اطعمنا الكلاب واغلقنا الابواب، دهنت لها شعرها ولففته على نحو قبب صغيرة، وغادرتها تواجه النافذة المفتوحة. انذاك اتت الفراشة الضخمة مرفرفة بجناحيهاعلى كتفيها العاريتين ، ثم فردتهما بلونيهما الذهبي والاسود الخلابين على قفا رقبتها، راقبت مادا من ثقب بالباب وهي تطعم الفراشة السكر البني من كفها ورايت كيف فركت الفراشة ساقيها معا ومادا جالسة على جانب الفراش تنظر للقمر. عملت طيلة شهر يوليو مع مادا خارجا في باحة الزهور اتعلم عن جيرمايا كروتون واوركيد رجل الثور والبلاب والكركدية النائمة وطنين الانثوروميم . وراقبنا الخيزران ينمو وفحصنا تحت الصخور بحثا عن الدود واشارت مادا الى الحلزونات النادرة على حافة الطريق وهي التي امضت عمرها رفقة الحلزونات تعرف ان العديد منها لسن غير ربات بيوت مرهقات استنبطن طريقة يسترحن فيها من الطبخ والتنظيف وكل الاشياء التى تقصم ضهرهن وارواحهن في العالم ولم يعدنا يحتملن المزيد منها، في كل يوم في هذه الجزيرة ثمة نسوة لم يعدن يحتملن المزيد ، فيرفعن اصبعهن عاليا ويقلن "تمسكي به" ويخرجن من البيت ويأخذن نفسا عميقا ويغصن بقوة في قوقعة حلزونية جميلة كانت مخفية بعناية تحت شعرهن. زمن الحلزونات زمن بطيئ فلدى الحلزونات اذن يسمح لهن بالترفيه عن انفسهن فقط ، فاللحظة العابرة عند الاخرين بحساب ساعة كاملة عندهن. وعندما تأخذ المراة الحلزون كفايتها من الراحة تزحف الى حافة الطريق وتعود الى طبيعتها البشرية متنفسة الصعداء ثم تتجه الى البيت لتهدئة الاطفال او لانهاء الحديث مع الزوج المتروك جالسا الى طاولة المطبخ او لتنسل الى المقعد الكنيسة الخلفي لتستمع الى الواعظ وحماقاته. ولهذا ترين الكثير جدا من النسوة الريفيات يمشين لصيقات حافة الطريق، ولهذا عليك ان تكوني حذرة حين تنعطفين من زوايا ذاك الطريق. المرة القادمة حين ترين حلزونا راقبيه في ضؤ جديد. لاحظي اي بقع صفراء وسوادء تزحف في الجوار وتلتف عكس اتجاه الساعة ملتفة ارتدادا في الزمن. كوني واثقة ان لا تشيحي ببصرك عنها لتعقدي خيط حذاءك مثلا حينها لن تجديها، ستكون قد رحلت واختفت بين الاحجار. تمعني في جزء من لحاء الشجرة يلمع بأثر لزوجة زحفها، وان تحليت بالصبر قد تتعلمين لغتها. ذكرتني مادا ان فن الحلزنة شيئ يُتعلم وليست متاحة لأي احد. فأخر شيئ ترغب فيه إمراة ان تاخذها الضواري مثل تلك المرأة التي وقعت في زجاجة باحث ونقلت الى مختبر في بنسلفانيا، وطفلها متروك يبكي في مهده. حيث انتهى بها المطاف في عارضة زجاجية في متحف جامعي. ولكي تحيا اضطرت الى ان تدخل في سبات في التلافيف الوردية العميقة لقوقعتها المنقطة. بلغ اهلها في جامايكا الشرطة، مفترضين مقتلها او غرقها في نهر ثوماس. لقد كانت امراة عاقلة تحب اسرتها وليست من اللاتي حين يعن لهن يجمعن حاجياتهن ويهربن. لقد كونوا فرق بحث وجابوا كامل بلدة براون، وجدوا نعلها المطاطي على صخرة قرب النهر ولكن لا اثر لثيابها او ما شابه. مرت سنة كاملة قبل يفتح مساعد باحث العارضة الزجاجية لتلميعها مانحا المرأة الحلزون فرصة للزحف والفرار. وحالما خرج من الغرفة حولت نفسها الى شكلها الادمي وخرجت من الباب. كانت المطر تهطل خارجا وكانت حافية القدمين. مشت الى الشارع محاولة تذكر اسمها و المطر يملأ فمها و ثدياها يثقلان فجأة بالحليب. يكفي القول ان حكومة الولايات المتحدة ليست ذكية كفاية واراهنك انهم سيتفاجأون لو علموا كيف يدخل بالفعل بعض المهاجرين الى البلاد

15 comments:

غيووووووووود said...

لولو تسلمي على الترجمة الرائعة استمتعت جدا بالقراءة


محبتي

Unknown said...

يارب تكونين دائما اليوم افضل من أمس
من جهتي سأنتظر هذه الرواية في كتاي
وثقتي فيك دائما لا تخيب
أطالعك عبر هنا واجدك كالعادة اليوم افضل من أمس
لك السلام مع كل اشراقة صبح
أحمد الفيتوري

naohama said...

غيووووووود
زعمك كم واو؟
يشرح صدري ان تكوني استمتعتي بترجمتي
كوني هنا دائما

naohama said...

مرحبا اخي احمد
سعيدةوبس بمرورك
لم اكن اعرف ان لديك مدونة في البلوقسبوت؟
دائما اتابع سريب - في مكتوب - جريدتنا الالكترونية المفضلة بفضل جهودك الصحفية المتميزة
ففيها اجد ما يفوتني هنا وهناك
لك الريادة في الصحافة التدوينية
ثابر كما دائما
شكرا لمرورك الكريم

Anonymous said...

عزيزتي الرائعة المبدعة ليلي....فن الترجمة هو فن تبليغ الكلمة المكتوبة أو المنطوقة من لغة إلى أخرى بإستخدام كلمات تكون منتقاه بدقة وعناية حتى تبدو الترجمة وكأنها كتبت بيد المترجم نفسه، مفعمة بالأصالة والحيوية، أعجبني جداً أسلوبك في الترجمة ...تملكين أدوات فنانة موهوبة ومتمكنة في التعبير، بنفس موهبة وروعة أناملكِ في الرسم، وأكثر مايعجبني في تراجمك التي قرأتها أنها تشعرني ليس فقط بتمكنكِ وإجادة كلا اللغتين ولكن أيضاً الإلمام بثقافة اللغة الأخرى، وهذا في إعتقادي شرط أساسي لنجاح الترجمة والمترجم...أشكركِ جزيل الشكر على تواصلكِ الدائم معي من خلال نهومتكِ الرائعة، توقعي إتصالي بك في القريب العاجل بإذن الله. حفظكِ الله ياليلى، صديقتك سناء

naohama said...

عزيزتي الباشمهندسة والرسامة المتميزة سناء
سعيدة والله بمرورك وبكلماتك الطيبة حول جهودي المتواضعة في الترجمة
اعشق الترجمة مثلما اعشق الشعر والرواية
هاجسي الدائم ان اكون وفقت في نقل روح النص من لغته الى لغتنا العربية
اتعب كثيرا قبل ان ارضي على عملي
احتاج الى المراجعة وقراءة النص بصوت عال حتى احس بما قد يعتوره من ثقل او تكلف في اللغة
احب ان اغوص في ما وراء النص لأتقمص الكاتبة / الكاتب ومنهجه ومزاجه في اختيار المفردات وفي اسلوبه
اتمنى اتمنى ان اكون -ولو قليلا - اوصلت صوت الكاتب
فأكثر ما يقتل نص ما ، ضياعه اثناء الترجمة
شكرا لمواصلتك ومكالمتك اثلجت صدري واسعدتني كثيرا
تحياتي وتقديري

Anonymous said...

ترجمة ممتعة استمتعت بها كثيرا وفقك الله ليلى العزيزة
E Black Nagga

naohama said...

عزيزتي
E .....
سعيدة انا انك استمتعتي بترجمتي
ياريت ادهورينا ف البلاد
البلاد اللي انا وانت مرايفين عليها
سبحانه من قال

ابوليلى said...

حتى الدولة العظمى لا تعرف كيف يدخل الناس إليها أحياناً وليس بلدان العالم الثالث فقط التي يشكون من عدم اهتمامها بالهجرات غير الشرعية..المهم شدني الأسلوب فعلا ..وهذه ميزتك..أن تضيفي من أجواءك على النص فيستسيغه المُتلقي ويتعاطى معه ويعيش فيه ..ولك في هذا الكثير من الترجمات المُبهرة..كذلك تشدك النصوص المفتوحة مثلما هذا الجزء من الرواية التي تلهو بالذهن لكي يسرح للبحث عن بواقيها..صنعة أدب وإعلام وترجمة حقيقية..شدتني جزئية ذلك الشعور الذي يتملك الإنسان وهو في مقتبل عمره لكنه مهموم كأنه عاش قرناً..تلك محاكاة أحيانا تقولنا أو تقول البعض...حييت ليلى كعادتك دائماً تزدادين ألقاً ..شكرا لك.

Anonymous said...

ليلى سيري على الدرب والله الموفق
كروس ايز

naohama said...

ابا ليلى شكرا دائما تثرى التدوينات بتعليقاتك
وفقك الله واسرتك الكريمة

naohama said...

عزيزتي كروس ايز
ياه امازالت العيون حولاء حتى وقتنا هذا!
الم تعتدلا! كل تلك السنين التي مضت بكل مافيهامن ذكريات دراسة جميلة راسخة في الذهن لا تتحول
استمتعت بمكالمتك والحديث معك
كوي عزيزتي هنا دائما وتابعي ما اكتب
فقد تنثال الذكريات تلك يوما في احدي تدويناتي بشكل او اخر
وقد تتحول الى مجلد روائي

أحمد القصير said...

مدونة ثريا منصور لم ينجح احد

on the edge said...

Just stopped by to say hello !

naohama said...

Thank you my dear (On edge of something)
I really apprecite your visit.
How are you coping with the flu!
Wish you are well now.