Monday, May 21, 2007


تصفر بها وفيها الريح
- 3 -



لكن البنت الشقية التي تجيد الخيال والمغالاة في الخرافات والعلاقات الخيالية بأقوام من كواكب قصية والنبش في الكتب عن حكايات تسقط لها الأفواه فاغرة كانت ملاذنا للشطح والإغراق في الاقتراب من تخوم التمكن من اللاممكن . لم يكونوا ليجدوننا مهما علت نداءاتهم , مهما شط وعيدهم واستعرض أنواع العقاب المنتظرة . لو رفعوا أبصارهم فوق قليلا لكانوا رأوا ظلالنا تُسحبها شمس الظهيرة على الجدران المائلة من أسطح البيوت , نستلقي هناك نقرأ ما لذ وُمنع من الكتب الرهيبة الحاثة على المغامرات في الجزر المهجورة والسفن الجانحة والجياد الناطقة و الغيلان ذوات العين الواحدة والسندباد وسيف بن ذي يزن والأميرات النائمات والقصور المسحورة والمصابيح الملبيةلأصعب الأمنيات والفتيان الأشقياء والبنات الدلوعات الباكيات والفرسان الأربعة والجبابرة المحلقين المدافعين عن الخير
ظهرت عصارة كل قراءاتنا في صناعات شبه متقنة لسهام ونشابات من نخيل السانية ومقاليع واطواف من الجريد المجدول وتدريبات على صرخات طرزانية تخلع الفؤاد وفخاخ بدائية مبثوثة استأثرت بأصابع أقدام الكبار العائدين غافلين من العمل ينزون عرقا ويتضورون جوعا , ومزيدا من الثريد مسروق من مطابخ البيوت المتلاصقة المفتوحة على بعضها وشرا شف مختفية من الخزانات ومربوطة على أكتافنا الهزيلة وسلاسل من اكسسوارت الأمهات منفصلة عن بعضها ، مبتلعة بشهية لا تجيد الانحياز لزيت السمك الكريه ، كانت الشقية اوهمتنا انها تساعد على الطيران والتحلي بقوى جبارة ، وأرجل لايكفيها ما حل بها مكسورة من القفز من أعالي الخزانات في محاولات مستميتة للطيران كسوبرمانات خارقة
كلما جئنا كنت أتحفز في السيارة لا أطيق صبرا ، ما إن ندخل من الباب الكبير "الكانشيلو" أرهف سمعي واشحذ عيني باحثة عنهم أمام البيوت المتجاورة المفتوحة على بعضها ، كنت اجري قبل أن ينزل أهلي , إلى البيت المفتوح للجميع , الذي فيه اكبر عدد كراسي وأكثر صحون وأجمل الابتسامات واغلي حضن يضغط عليك كأنك أخر طفل في الكون ، يمطرك بالدعاء والقبلات الحانية ،

كنت ابحث عن البنت الشقية القادمة من كوكب الزهرة التي جنحت مركبتها اضطرارا في الوسعاية ذات يوم- ذلك لحسن حظها كما أتصور- تمضي يومها ترسل نداءات النجدة تخاطريا الى كوكبها من فوق أسطح البيوت المتلاصقة حين تمل من القراءة وحيدة قبل قدومنا , او في فترات العقاب الجماعي التي تطالنا حتى بيوتنا خارج الوسعاية وتباعد زياراتنا اليومية لها
كم استجديتها أن تعلمني لغة الزهرة , كم طالبناها أن ترينا حطام مركبتها , كانت تكتفي بابتسامة غامضة , فتأخذنا لنزحف تحت الهندي لنلتقط بيض اذكي الدجاجات القاطات , شريرة كانت تحمل جينات الدعابة الفضائية الشرسة , لكم يرتجف جسدي في الحلم من ذكرى مقلب الشوك ذاك
اجري إلى باب السانية الخشبي المتآكل , افتحه , أغمض عيناي , انزلق مع "الدردوحة" ترفرف الريح بشدقي , لايوقفني في انحداري اللذيذ شيء , لا أخشى أن اصطدم بشيء , تحفظ رجلاي الطريق الخال إلا من حشرات "حليمة الضراطة" غبراء الحمرة مرقشة بأسود كامد تتراكم على الأعشاب الزاحفة يميني ويساري
كنا لا نقترب منها إلا لنحاول أدراك مدى الشبه بينها وبين العمة الأخرى التي تسكن خارج الوسعاية و تتشابه معها اسميا , نخجل من الغوص عميقا في احتمالات الشبه الأخر ذو الرائحة , محرم علينا نطق اسمها في البيوت المفتوحة على بعضها , يأسرنا اسمها , يلتوي متمردا على ألسنتنا غصبا عنا كلما جمعنا مجلس مع العمة البيضاء البشرة الوديعة العينين , بملاءتها السوداء كلما حلت بالوسعاية ضيفة على أشقائها الخمسة المتجاورين, نقف فاغري الأفواه ننتظر اللحظة التي ترفع فيها خمارها لنبحث عن أوجه الشبه فيزل اغبانا بالاسم المحرم ليتلقي قرصة خفية موجعة وركلة واضحة تطوحه بعيدا ليغيب النعت المنفلت في ضجة الترحيب والأحضان والقبلات الكثيرة.
لم نكن يوما حفاة أو رثي الملابس , وما كانت تربة الوسعاية الرملية لتعلق بغير أقدامنا" تُحثرب " ما بينها وبين الأحذية أو الصنادل في هندامنا الصيفي الجزء الوحيد الذي يبلى بسرعة ركضنا . وعلى كثرتنا – بسلامتنا - كما تقول الأمهات ممصمصات شفاهن خوفا علينا من العين , كنا مثل الرز , أو الكراميللا ملونين بفرح التلاقي المتجدد , تلقى بنا السيارات وأبواب البيوت المفتوحة إلى جوف السانية , نبدأ بها نهارنا وننهي بها ليلنا , نتلمس فضولنا وخصابة خيالنا في ظلامها وظلال أشجارها وعتمة الجابية والاستراحة المهجورة التي نستشعر فيها صدى ضحكات وحكي آفل وخطوات تصعد الدرجات القليلة المتخلخلة المؤدية إليها , صوت حفيف ملابس على كراسيها الحجرية المبنية على استدارتها المصقولة من كثرة القاعدين عليها بعد ضياع طنافسها التي طالما سمعنا عن قماشها المجلوب من بر الترك والمخاط على يد العمات الطارزات , الحائكات الماهرات , مكتوب على جدرانها ذكريات الأجيال التي كانت ُترسل إليها من البيوت المفتوحة صحبة الأساتذة والأشقاء الكبار المتمكنين من المواد الدراسية للمذاكرة والتقوية . رسومات جادت بها أنامل الموهوبات في الرسم . معادلات رياضية عويصة سطرها الفخورون الذين دخلوا الفروع العلمية . حروف انجليزية وفرنسية زخرفتها المتنطعات الحالمات بالبلدان البعيدة . أبيات شعر من مقرارات المحفوظات , أخرى من الهام اللحظة . أسماء وقياسات اطوال قامات لأجيال من مستعجلو الطول وإنبات الشنبات والذقون . مخربشات غريبة تدرك مجموعتنا جيدا أنها مكتوبة بلغة الزهرة المحرمة علينا . نقيزات صينية وعربية مخطوطة بالطباشير والفحم على أرضيتها نقزت عليها أجيال متوالية من البنات وتعاركن وكسرنا إيقاع نقز بعضهن" بالشمبروخ والدجاجة العوراء التي تمشي وكراعها مكسورة" وكل التفوهات السحرية التي تجعل الاخري تخسر وتعفس على الخطوط الممنوعة فتخسر نقاطها ودورها , لتتقدم منافستها فيتعالى صياحها الحانق بالعبارة التي تقلب السحر اللفظي على صاحبته : "بار على السحار, بار على السحار " فتخرب اللعبة , تتطاير البرنجيات , تُثار زوابع الغبار , ينفض الجمع إلى حين تصفو النفوس بعد هنيهات قلائل ويعاود اللعب
كنا نمشي على حواف الاستراحة نوازن أجسادنا بأيدينا الممدودة , محاذرين السقوط في الجابية الجافة , أو نجلس متربعين على الكراسي الحجرية الصقيلة, نغرس ريش الدجاجات في رؤوسنا , النشابات والسهام في جعب على أكتافنا الهزيلة , نصيح صيحات الهنود الحمر , نزحف في طقوس سحرية لجلب المطر والتخفي عن الأعداء , أو نجلس في دائرة نمسك بأيدي بعضنا , نغمض أعيننا لنتخيل السانية في أيام عزها , الاستراحة حين كانت تغص بذوي الطرابيش يشربون الشاي باللوز , يتناقشون , يهزون رؤوسهم بوقار. أو نقف أمام البئر المردوم نحاول أن نلمح من خلال الثغرات بين الجريد والأحجار والصناديق المهشمة المرمية فيه ما رأته العجوز الرائية التي جاءوا بها زمان وقت ضاع العم في الصحراء التي يجوبها من شهر لشهر بشاحنته المحملة ببضائع التجار جيئة وذهابا من أم السباخ الى بر العبيد , وما بينهما , لتدلهم إن كان حيا أو ميتا , تصف لهم المكان الذي يستلقي فيه على كثيب الرمل في الرمضاء ينتظر رحمة الله وساعة الفرج وقطرات ماء , هكذا كما قيل تراءى لها على صفحة ماء البئر الذي كان بالنسبة لها شاشة رؤية في لحظة لا تخلو من سحر وطقوس محفوظة منذ أزمان غابرة , ليحلف الذين ذهبوا لنجدته إنهم وجدوه مثلما وصفته تماما!
وقد يتهور احدنا ويحاول النزول في البئر المخيف حيث تفح الغيلان والهامات ذوات السبع رؤوس ورميم الجنود من الحروب القديمة مثقوبي الصدور و منزوعي الأعين وهياكل حملان وجدت في بطون الخراف المذبوحة , ليعلو صراخنا مجتمعا يجلب الكبار راكضين صدورهم تعلو وتهبط , أنفاسهم متقطعة , أوداجهم منتفخة . هكذا نقف دائما عند حدود ما . نحافظ على بعضنا من شرور أنفسنا.
المقبرة من بعد بئر الفحيح , كانت اللغز الأعظم الذي يتحدى جرأتنا ومعارف البنت الشقية الزهراوية , مهما ركضنا بأسرع ما في أرجلنا المجللة بالجروح والقيوح من جهد , مهما أغمضنا أعيننا ودفعنا بعضنا قدما كانت أجسادنا تقف مفرملة مثيرة الغبار قبل سنتيمترا واحدا من حافة الباب المؤدي إلي دار الصحابة والجبانة
أقف عند أسماؤنا , اجد صعوبة في فصل مآثرنا عن بعضها , في كل بيت يتكرر اسم الجد والجدة , لكل بنت وولد اسمان مركبان , يحب احدهما ويكره أن ينادى بالأخر , تفاصيل كانت تميزنا عن الآخرين خارج سور الوسعاية , تثير الحرج والحسد أحيانا , لا تفرق بيننا غير أسماء ابأءنا , أمهاتنا أخوات وبنات عم وخالات و آباءنا وأمهاتنا أقارب من كل المستويات , لولا أسماؤنا نتشابه في لون العيون , ملاسة الشعر , نسبة الجمال في كل درجاته , لون بشرة عسير الوصف , درجة الشقاوة والحيوية الزائدة , يجمعنا الهزال , لكثرة ما نلعب ونركض طيلة اليوم , نتجاهل نداءات الأمهات ساعات الغذاء والترويقات , لانذكر أسماء الأكل وأنواعه نبتلع مايقدم لنا على عجالة لا ننتبه خلالها للطعم والنكهة , لا نسمع إلا ما نرغب به , نطير مثل سرب من غرانيق طويلة الرقاب حين نسمع بوق بائع الجيلاتي امام بوابة الوسعاية الحديدي المهيب , نجلس نلحسه ببطء شديد كي يدوم طويلا , كي نغيظ من تسرع وابتلعه وجلس يراقبنا متحسرا , ليسيل من مرافقنا , يجلب حولنا النحل يحوم مهددا فيما تتحفز أقدامنا للركض عند اشتداد أزيزه


يتبع

ليلى النيهوم

Sunday, May 20, 2007

A poem 4 them


To Moh in his Birthday & Tiggy who celebrated with him.

Bahia honeymooners

She is in Bahia, he is too
daughter of Sun, son of Moon
my dear honeymooners
strolling the ex-since days - virgin
Cajaoro white astonishing beach
shells in abundance scurrying about,
adorning their love story,
a mosaic calligraphic declaration.
The ukulele strings uttering
their gathering high emotions
Bahia drums echoing ecstatically
enough to blow out the candles
to set fire in ready veins.
She is posing as Marlin Monroe
Her hands "Arco Iris"
in the truest oceanic wave,
reflecting the sky azure,
aquamarine and turquoise,
mixed shades of their eyes' light
captured artistically with his camera.

laila Neihoum
19-5-2007

Saturday, May 19, 2007




-تصفربها وفيها الريح -2

ما أكثرها الأرواح القلقة التي كانت تجول المكان تبحث عن معنى لتيهها ومخرجاً من ضياعها , ساهمة عما حولها و ما حولها غير مناخ وعالم ووقت ومكان غريب عن ذاكرتها البعيدة بُعد مئات السنوات التي أمضتها تجوس الظلمة بحثا عن نور. ليس ذلك النور الدائم الذي تحمله العمة الأرملة المرتعدة , الوحيدة التي تحس بهم وتراهم, كانت تصف لنا أشكالهم وأسنانها تطقطق رعبا . كانت تقسم بكل المرابطين والأولياء الصالحين أنها ترى وإنها " يا ودودي " تعبت مما ترى . كانت تحت وطأة الجبروت تخشي أن ترفض الانصياع للأوامر القائلة بأن تحمل كذا وتجلب كذا من البيوت المجاورة الرابضة على حافة باب السانية قبل زحف الديجور
تمضي كريشة ترُجِفها ريح المهب . تغمض عينيها بشدة جلبت تجاعيد مبكرة لوجهها الصبوح , تصم أذنيها عن سماع لهاث الغيلان , أصوات الخطوات خلفها , لغط وهمس وأنفاس الأشباح على صفحة وجهها . تردد :
, هكذا أفضل , ان يظل شعوري بهم فقط عند حدود التوهم والتخيل
فيما رؤيتهم ترعبها تتركها في حالة هذاء لأيام تجلب لسمعها لوما وعتابا عنيفا لا يرحم المتوهمات والضعيفات , الخارجات عن الاسبار المتفق عليها
أين تمضي ذاكرتي بكل العفاريت , والهامات , والغوله التي انتزعت جميلة الأولى من بين يدي أمها وهي في المهد رضيعة . كم خفت وقتها من اسمي الذي يغري الذئاب . كنت أوهم الصغيرة التي تستمع لي فاغرة الفم عن قضمة الذئب التي اقتلعت لقمة من لحم ذراعي , أريها لها واستمتع برقرقة عينيها الواسعتين الصافيتين كبحيرة متلألئة , ورجفة أصابعها تتلمس آثار التطعيم الرديء اعلي ذراعي
العربة القديمة من مخلفات الجيش . أي جيش ؟ لست ادري - لكنها هناك منذ الأزل , تغطيها نبتة بهجة الصباح المتسلقة , ذات الزهور الزرقبنفسجية . نتسلقها ونتوهمنا من الجيوش الغازية - أو صاحبة الحق سيان- فلم نكن ندرك ذلك
كنا نطلق رصاصنا من بنادق في مخيلتنا , ُنمطر الأولاد الذين يجيدون الاختباء ولا نعثر عليهم بوابل من ذخيرة لا تنفد , ندك البيوت البيض وقنان الدجاج والسيارات المركونة وأشباح العمات وغسيل الخالة المرتب بعناية وكأنه دعاية من زمن قادم, والنخلات المثقلات بالبلح و بالرطب والجابية والبئر المرعب والأراجيح. ولا نطلق النار في اتجاه المقبرة المجاورة إطلاقا . هناك تتلاشى شجاعتنا وتتحول بنادقنا إلى وهمها الأكيد , تكفينا من الشجاعة قصص أشباح العمة الأرملة المكشوفة النظر: جنود قتلى من الحرب يسألون العمة كل ليلة عن سبب موتهم في زهرة شبابهم
هكذا كانت طمأنينتنا متكئة على تفسير الأهل بأنها من صنع اختلالات في مخيلتها , ونكتفي بقولهم لنا لاعفاريت سواكم , لنفر حين تفاجئنا غولة المسحان في نوبة دق وهرس مفاجئة لحبوب عشاءها .كانت الأرجل دالتنا ومفرنا , و"واحد وستين" المتعارف عليها تمضي بنا أسرع من الصوت
في الشوارع الترابية التي تحيق بالوسعاية وتلف كامل نصف استدارة السانية وتبتعد قليلا عن مرمى أشواك هنديها , مضت بنا اندفاعات فضولنا بعيدا وقريبا من ابعد ما نتصور. أراني واراهم نجري فيها بحثا عن الصغير الذي تجاوز حدود المكان فضولا . تجاوز عتبة الباب الكبير المهيب , مضى يغد الخطو الوئيد في الشوارع يبتسم للمارة , تتجنبه السيارات المسرعة , تتبعه دعوات الجدة وعناية الله . نجري ونسأل ورعب يوتر سيقاننا الرفيعة المليئة بالجروح المتقيحة والرضوض , تلسعنا الأرض وتهديدات العمات الجالسات جوار البصقات التي بصقنها في التراب , والويل إن جفت قبل أن نعود فستدود أقدامنا , الويل لنا إذا لم نعثر على الصغير الذي كان يجلس ساعتها في مركز الشرطة يرسم له الشرطي المناوب بالقلم الجاف ساعة على رسغه الصغير فيما يأكل بيده الأخرى حلوى ملونة ويبتسم لنا حين دخلنا معفرين بالخوف , بوهن السيقان , مثقلين بالذنب عندما دلنا الى مكانه الأهالي الذين سلموه للمركز حين عجزوا عن معرفة من يكون
من الباب الكبير ماقبل الديجور بسنوات قلائل كنا نمضي في الخميسيات إلى مابعد السور الغربي من الوسعاية, إلى حيث كان السابلة يردون الماء وحيث بيوت من صفيح , كنا نلوي أعناقنا ونحن نركض جوارها كي نرى ما بداخلها - لا يتصور ذهننا المتعود على رفاهية أماكن خُلقت بحس جمالي يبدع من اللاشئ شيئا في اشد حالات الفقر - إن ثمة من يستطيع العيش في مثل هكذا أمكنة وضيعة ,. كان من بعض تلك الأمكنة ينطلق صوبنا وابل من حجارة كلما مررنا , لم نر يوما من رمانا , لم يُظهر وجهه , نهز أكتافنا استهانة بعدو غير مرئي . نمضي نشتري البيض من بيوت أوصانا أهلنا أن لا ندخل غيرها , نتلكأ على أعتاب الدكاكين المرتفعة , نراقب البنات يلعبن حواشين بأشياء مجموعة من القمامة وخرق وعلب صفيح واعشاب , يختلقن بيوتا بائسة مصغرة لطموحات لاتتعدى في الخيال أدنى الحاجات," رابش" متمني لصغيرات يعشن في الرابش .
العقارب التي تظن أنها في مأمن من بطشنا , تستظل تحت ُذبال الأشجار وجريد النخلات وصفائح الحديد وركامات البناء وبقايا المصنع المهجور كنا نتوصل إليها مهما شطح بها تخفيها , كنا ننهال عليها بسل النخلات مهما تبعثرت في فرارها هنا وهناك , نرشقه في أجسادها المتلوية محاذرين كي لا تطالنا بسمها , كلها كانت صفراء . لم نتمكن يوما من معرفة مكان أخطرها : السوداء القاتلة آكلة الغمق التي حين نهمس بأسمها نتلفت تحسبا , التي نسج لنا الكبار حولها اساطير ومحاذير . كنا نمني النفس بالعثور عليها ونحن نقلب الأشياء ونحرك ارجلنا بسرعة خشية ما سيخرج راكضا مستثارا رافعا سلته أعلى ما يمكنه متحديا بأصفره المقشعر توقنا لأصطياد السوداء المثيرة
حتى اليوم الذي تجمعت لنا الصفراوات تحت مكان لم يخطر لنا على بال تحت" البانيوالمقلوب الذي يحلو لنا أن نستعمله محبة الحلت الراكضة وكرسيا لليالي السمر, نتحلق حوله بين جلوس وإقعاء ووقوف غافلين نتسامر في الليلة القمراء , نتبادل ادوار الدباخ والكريكما , لتتسلل غيلة وتبدأ بأصغرنا وأعلانا صراخا وصل حتى مشارف الكبار الذين لاترحم صفعاتهم , كان ركضنا اقرب إلى الطيران و العقارب في غلها تكاد تُجنح خلفنا , بعثرتنا وظلالنا . أرسلتنا إلى نوم مبكر بوجوه مبللة بدموع العقاب


ليلى النيهوم
يتبع
photo credit:Sakina Ben Amer

Thursday, May 17, 2007


- تصفر بها وفيها الريح - 1
كانت السانية تعج بهم . كان أمامهم مهمة إنارة الظلام الذي حل فجأة واستمر دائما , الأفكار كثيرة وعديمة . الشموع الثماني
العملاقة المجاورة التي بنيت عليها أسطورة الوسعاية أصبحت وهما قديما وخرافة ترددها العجائز المخرفات . ليست تجدي في لحظات كهذه غير الأفكار المجنونة التي توقظ الشياطين والسحرة من سبات دخلوه عقابا على تطاولهم
ناصر فقط من تجرأ ونصب شمعة أو منصة إضاءة , لا فرق مادامت شيئا يضيء الديجور الذي حل على موطن النور . كل الذين حضروا بأفكارهم , جاءت بهم أيضا مآرب أخري لم يكونوا يدركونها في أنفسهم حتى حلت ساعة تمطت وتثاءبت وأطلت برأسها لحتى إلتوت رقابهم من جيشان أعماقهم السرية
المنصة الحريق التي نصبها ناصر شجاعة منه في عمق ديجور السانية في البؤرة حيث تتوالد دكنة الظلام, انكفأت لحظة رفعنا أيدينا لنصفق فرحا, انكفأت ونزلت وكأنها في فيلم بطيئ تجر معها قلوبنا الواجفة لتشعل حريقا في العشب اليابس الذي نبت لسنوات وجف واينع ثم يبس ثم جف ! وبقى هناك يختلس لحظات تجلب له شرارة ما ليشتعل ويشعل العالم من حوله وليضئ الديجور . ليس لكي تضاء قلوبنا ورؤانا . إنما لكي نرى الوحوش الكامنة هناك التي تشلها الظلمة عن أن تعرف إلينا طريقا
امتدت الحريق . ارتعد الصياح في الحناجر . ضج المكان بوجوه وخطوات وركض وتوجس ما كان له أن ينفد للوسعاية المنيعة لولا هذه النازلة ذات الشرر المتطاير , المتحين ريحا تدري أين تذره
كنت نائمة في سرير وثير احلم بما يحدث خارجا, اعرف في حلمي انه يحدث في الواقع . أرى انعكاسه في الحلم . أحس باقتراب ألسنة اللهب حيث اضطجع . كنت لا اكترث , كأنني اعرف إن ثمة ما سيحول بين أن تتعدى النار حدود السانية , ان تعلو الدردوحة . حدسي كان يطبطب لي مزيدا من الانهماك في نومي
وكنت أمعن في النوم وسط النازلة , كي امضي بالحلم إلى اللحظة التي تتحقق فيها التوهمات والاستيهامات. اللحظة التي تنبعج فيها الكرة الأرضية . تنطبق على بعضها, فتتقارب تضاريس ممعنة في البعد وتتباعد تضاريس ملت تجاورها
ليس لي إن أعلل هذا الهذيان وإنا أتنعم في وثارة ونعومة الوسادة اغرس وجهي فيها مثل اعمي في بلاد تقيم مهرجانات للبصيص . استرق منمنمات تفاصيل . كلعبة تركيب أنكب على لملمتها وصولا إلى الصورة المنفلتة أبدا في الزيغ , العصية عن المطال
تصل سيارات الإطفاء يقودها رهط من أناس يرتدون أزياء كرنفالية غريبة , يمشون فيها بارتياح المعتاد عليها . وسط الألوان التي تطلي الوجوه , والمزيد من الأشخاص الغريبين , تتضح الرؤية من زاوية تتيح إدراك كون غرابتهم ليست إلا نوعا من الهلاوس البصرية التي تسبق الاستيقاظ من وطأة كابوسي
السيدة تقود العازف الاعمى وتمشي على موطئ أقدامه المنطبعة على تربة الوسعاية الأقرب إلى الرمل البحري الذي كان يفرش قاع البركة قديما قبل أن تتحول مع الزمن الى أمكنة صالحة للبناء وخلق الأساطير , ينتق منها الخرز الملون في الأيام الماطرة , غير عابئة بنظراتي المستغربة تتابعها في الكابوس
في إطراف الديجور التي يضيئها امتدادات لهب الحريق أري فيما يري المستغرق في نوم لا فكاك منه , نساء يبحثن عن قطعة حلي سقطت من جدتهن في سنة من دهور ما قبل الديجور , ايام كانت السانية موئلا في أمسيات الصيف , وكانت استراحتها الصيفية تمتلئ برجال يزورون الجد الأكبر , يتقربون من مقامه الديني والمدني , تشنف أذانهم هدرزات تهدهد الروح مع نسيم يمر على إزهار نوار العشية ومسك الليل والياسمين الشامي . كانت الميدة المنيعة في النهار مركضا للصغار يهبطونها بغبطة تعلنها صرخات وبقبقة صوتهم يرجه انحدارهم المرح.
كانت النسوة منهمكات في استنباط الأطايب واستلهام الامالح التي لم يِسمع بها ولم تُعرف أشباه لمذاقها من قبل . كن يهمسن بالغناء خفرا. يداولنه فيما بينهن علي تتابعات ردود مموسقة مثل طقس سري . يطقطقن أكواب الشاي ببعضها على إيقاع لمتهن بين قدور ونفخ وتقطيع وحشو ولف وغسل ومسح يتجاوب مع خشخشة أساورهن ودمالجهن وتكاليلهن . يلقمن الأطفال في نفحات كرم مزهوة بعض مما يخترعن لوليمة الكبار.
كان يتوافد على المكان زنوج جلبهم الرق والفاقة من أعماق القارة المجهولة الى سواحل افريقيا حيث المدن الناشئة حول الملاحات والسباخ . يقفون على أبواب الكرام يتسولون بالغناء والرقص الغريب بريش ملون وعلب صفيح رنان إيقاع تلاطمها , وطبول لقرعها ارتفاع نبض السامعين وارتجاف غريب له بهرة شجن في دواخل النسوة الكامنات وراء الستر والفجوات السرية في الأبواب الموصدة في وجه الغرباء بسبعين ألف مفتاح ملقاة في سبع بحور تفصلها سبع مالا ادري ماذا.
كنت أتقلب من جنب لا أحب النوم عليه إلى جنب مريح , أتخيل في نفسي قصصا اتلوها في حلمي , يدي تجس إطراف السرير تلمساً لورقة وقلم . الأفكار تتراكض , عيناي تجريان تحت جفني قلقتين , تتسارعان مع نبض القلب لمواكبة الأصوات التي تملي علي الأشياء . في عمق وجداني صوت يأمرني أن لا استمع و لا اكتب ما أراه في الحلم . نفسي تائقة لأن استيقظ أو أن اصرخ . شيء أخر يهمس لي: لا توقظي الوحوش التي تقف حائرة على حافة الديجور المضاء حيث يستلقي النصب الضوئي تفح نيرانه تلتهم المسافات إلى باب السانية الخفي


ليلى النيهوم


يتبع

Saturday, May 12, 2007

A Singing tiger the Scorpio


You're like a dancing heron
a singing tiger
a snake spelling out words
by assuming different
letter-shaped poses.
You're a crazy-mirrored funhouse
full of tool-using ravens.
You're a convention of laughing hyenas
partying at a watering hole
on the other side of the tracks
from paradise.
In short,
you're as impossible to predict
as a drunk hummingbird,
as dangerously smart
as a shape-shifting fox from Japanese mythology.


*Rob Brezsny
City Pages Magazine
Rob is my favorite horoscope teller ever for I belive he is a poet of a kind , that is why I put here one of his readings , for he always astonishes me by his choice of words , Rob is my best poet , otherwise who would say something like this in his Free Will Astrology :
It'll be fine to eat ice cream with a fork this week.
It'll be kind of cool to enter through exits, too,
and you may generate good luck if you smash a mirror with a hammer
or talk about subjects you're normally too superstitious to broach.
You should also consider fixing things before they're broken,
and listen ravenously to what's not being said.
But please avoid trying to drink coffee with a sieve,
Scorpio. Refrain from saying what you don't mean.
And don't you dare try to fall up.
Then in Wikipedia, the free encyclopedia I found the coming info about him which adds to my point of view.

"Rob Brezsny is an American astrologer, writer, and musician. Currently his weekly horoscope column Free Will Astrology, published for more than 25 years, runs in 120 periodicals.
Brezsny has been one of the most influential astrology writers in some generations. His horoscopes broke the mold on the dry predictions of most writers, bringing a literate quality to the work, engaging readers in narrative, and taking a more creative approach to astrology writing than nearly anyone before him. He is the first well-known horoscope writer to enter the column in the first person, giving personal impressions of both astrology and life, telling stories and quoting many other writers. He encourages reader participation and has fierce loyalty of both his readers and the editors who publish him. This combination of factors -- in addition to offering many surprisingly accurate, astute forecasts -- has made him an enduring institution among horoscope writers.
Many have attempted to imitate him, but it rarely comes off.
He reveals nothing about his astrological chart except that he was born under the sign Cancer."

Sunday, April 22, 2007

Lake Macbride
















Lake Macbride

drowsing on grass
My hand searching
for a 4 leafed ,
homesikness
weighing my eyes
confusing cedar trees
for Garyunis palms
The swimmers shouting
The boats gliding
At lake Macbride

Laila Neihoum
Septermber2005

عندما كنت بنغازية


صقع

الصغير الكعبورة اللي يدوب باين علي وجه الوطا قاللي

ياعميمة صقع عليك
ليش ياقصيرونة؟
موبايل ماما خير من امتاعك الشين .. غيريه

كنه متاعي ليش مش عاجبك؟
شين .. عندك كاميرا؟
لا
أي ار؟
لا
بلوتوث؟

لا
معناها صقع عليك
ومرة نفس القصيرونة جاني وانا مروحة مشفشفتني شمس القايلة ، ريقي شايط ، لا نحق ولا نسمع ، قاللي
صقع عليك ياعميمة سيارة بابا احسن من سيارتك القرباجة
وكنها سيارتي ياقصيرونة ، ياشبر وطال ياصغير؟
عندك مكيف؟
لا
عندك سي دي؟
لا
تعرفي تمتعيها؟
يالا تمشي
معناته صقع عليك
بهتت فيه ، طبست بيش نحقه كويس ، عويناته يبهتنللي بثقة ،لبسته رويجل مسخوط ، جمته لاحسها بالجل ،وسنيناته يتبسمن من فويمه في سنة كم ياقصيرونة ؟
كنك ياعميمة ؟ مانقراش
ولا روضة؟
صقع عليك ياعميمة ، موبايلك شين وسيارتك جربة، ونساية
باهي هذي شنو؟
بمبورة؟
بمبورة ياكليب؟ شنو فيها؟
ككا
معقولة يا قصيرونة

شمرته ونطرته فوق ، بعدين نزلته وحطيت يدي علي فويمه من فوق وهو فرحان يضحك
وهذين شنو؟
شنابات
صقع عليك ياقصيرونة ، عندك شنابات و مازلت ادير في الككا في البمبر؟
صقع عليك انت
تعال هنا , جيــــــتك

وقعد يجري وقرقرته واصلة للسما
وفعلا صقع ، نساني حموة القايلة ، واللي شفته في الطريق من حرق دم



عمياء : لوحة واثر

ماذا يعني ان تتكئ كأميرة من الزمن الباهت , يختال شعرك على الوسادة المتنهدة
ماذا يعني ان تحتشد من حولك صرخات الالوان المتنافرة المتداخلة , فلا ترى عينيك غير بياض كراسك , غائبة عما يدور في مدارك المحرم
ماذا يعني ان تكوني جارية في حريم المألوف محاطة باللازم , ممنوعة من الامنيات , يقرأ جدارك الورق الكاذب , ويشير اصبعك الى حروف شفافة لا تراها المشعوذات
ماذا يعني إطراقك , واغماضة عينيك .. يهمس لك الجوكر الساخر
ماذا يعني تلمس اناملك لحروف تظنينها بارزة على اوراق عمرك المتلاشي

لوحة (الحظ) للفنان التشكيلي الليبي عادل جربوع متأثرة بالاسلوب الصيني ومزادة عليه
اللوحة زيتية على كانفاس بمقاس

Painting 'Fortune' : Canvas 100x150 Oil
Libyan Painter : Adel Jarbou

Monday, April 09, 2007

الرحلة العفوية - نجوى بن شتوان - The Spontaneous Journey

الرحلة العفوية

خطر في بالي وأنا خارج قريتي الصحراوية لقضاء أسابيع بحرية في (بوهريشيمه)[1] أن أكتب لك رسالة أجمع فيها كل مشاعري نحوك وأرميها لأمواج المتوسط تخبر العالم بها ثم ترجعها في قنينة حملت رائحة شفتي إليك، بالرغم من أنني خلفت ذكرياتنا ورائي في مدينة العجاج، تلك التي تعنى بتصدير التراب للعالم، ويعمل نصف الألف مواطن الذين يسكنونها في كنس أزقتها من التراب وجرف الرمال عن الدروب المحدودة المؤدية إليها لإخراجها للوجود

ومع ذلك القدر الهائل من الغبار استطعت أن اكتشفك وأحبك فيها، وأسكنك فسيح بلاغتي رغم ما ارتفع في وجهي من عصي، لتخترق من ثم غربتي وتحفظات رب العائلة الذي كلفته الدولة بشؤون بلدية هذه المنطقة المغبرة ونصف المرئية دائماً، فإذ أنت تجتاز المسافة العرقية بين عائلتينا وتؤسس لدم جديد وتخترقني كبحر يغمر يابسة

كانت المقشات والمكانس تسيطر على حياة هذه القرية التي بكت أمي يوم قرر أبي أخذنا إليها من مدينة تركض نحو التمدن، وكان مقدراً لي أن التقيك فيها مع أن مهنتك لم ترتبط بالكنس، فقد وجدت هناك قبلي لتنتظرني، أي وجدت لي بطريقة مختلفة بعيداً عن قدر اعتناق المكانس

دعني أقول لك أيها الأقرب إليَّ من وريدي والأبعد لعيني من غيب، إن أنقى مياه مالحة هي التي يحتجزها هذا المعتزل الأشبه بفضاء عبادة، والذي يقتسم روحه البحر والصحراء معاً، ويقطنه عدد ضئيل من بدو لم نرهم حتى اليوم، رغم إننا رأينا كرومهم الزاحفة المثمرة تستجدي القطاف، أي إننا لمسنا وجودهم من بعيد فقط، إن بحر هذه الناحية نظيف من الناس، والهدوء كبير ومخيف، يبعث على اتساع التفكير في الأزل إن أطلت البقاء فيه، ولا يوجد معنا إلا حشرات صغيرة غريبة استطاعت أن تقاوم الحر والفقر وتبقى بشكل ما أو إنها نفس تلك التي تعيش في القرى والمدن لكن حاجتها للتكيف هي التي حورت أشكالها وأحجامها على مدى طويل

ذهبت أمي تعجن الخبز داخل الخيمة، وتناول أبي الفأس ليجمع لها الحطب ويسجر تنور(الطابونة) المحفور في الرمال، أخذ معه أخي الأصغر ليعلمه كيف يقطع الأغصان الجافة دون إيذاء الأجزاء الحية من أشجار السدر القصيرة، فيما ذهب الأخرون للسباحة والبحث عن الأصداف الغريبة لتكوين مجموعة من الآثار المائية سيزينون بها صالون المنزل، لقد صحبوا معهم الصالون لأنهم لم يخلصوا أذهانهم للحياة البرية

أنا الآن لست بعيدة عنهم وهم يتقافزون في الماء ويعلو صراخهم في سماء بوهريشيمه الساخنة، حيث لا صوت إلا صوت الأمواج التي تتحرك منذ القديم وأصواتنا المؤقتة، وصوت حنيني الدائم إليك، وحركة مثيرة صامتة في أحشائي تشبهك وأنت على السرير بجواري، بدأت أحس بها في مكان لم يعرفنا من قبل ولم نعرفه، لا يشبهنا ولا نشبهه إلا في التصنيف الجغرافي الموحد لنا، لا اعتقد إننا مهما عايشنا هذا المناخ الصعب نستطيع أن نكون بصدق أهل له

أحد أخوتي يناديني الآن سأذهب وأترك أوراقي وقنينتي هنا كيلا يرونها فيعبثون بها، أقبلك حتى أعود، أقبلك حتى الفناء

وصلتنا رائحة الحطب في النار، لاشك بأن أبي أنهى مهمته وسيلحق بنا للسباحة ريثما تنهي أمي تنضيج الخبز، حينها ستنادينا لنأكل شيئاً ربما سيكون شكشوكة بالقديد، وربما شرمولة وجبن، والمؤكد أن الشاي الأحمر المنعنع سيكون حاضراً، أمي تطلب منا الابتعاد عنها خلال خبز الخبز لكيلا تثير حركة أقدامنا الرمال فتلتصق بالعجين، كانت تجثو على ركبتيها أمام الفرن الأرضي لتلصق الخبز بسطح التنور ثم تغطيه بمسطح حديدي عليه جمرات فتؤمن له استواءً تاماً

طيلة بقائنا هنا تهتم أمي بإطعامنا حتى أنها لا تنزل إلى البحر إلا لقضاء الحاجة أو الوضوء للصلاة، إنها تخصني دون إخوتي بالكثير من الطعام، فأنت لم تترك لي أحشاءً ضامرة، هناك فم غير مفتوح بعد ولا يلتقط صاحبه طعامه سوى مني، وأمي تعلم جيداً ما يحتاجه لذا كلما كنت بجوارها ناولتني شيئاً للأكل وكلما ابتعدت عنها خبأت لصاحب الفم شيئاً دون أخوتي

كان ثمة بئر صغيرة قريبة وغير عميقة من مخيمنا، فمن طبيعة هذه الأرض أن الماء المالح والعذب يتجاوران، وماء الشرب يمكن الوصول إليه على مد ذراع ونصف تقريباً، كان أخوتي في أوقات الفراغ يتشاغلون بالحفر للوصول إلى الماء العذب وكانوا يصلونه لكن أبى ينهى عن العبث بنعمة الله، أحد الذين اكتشفوا (بوهريشيمه) قبلنا وضع إطارات شاحنة كبيرة على فوهة البئر كي لا تواريها الرمال عندما تتحرك الرياح الرجيمة، ولأن للإطارات طبيعة مقاومة لقسوة الشمس الحارقة

استخدمت تنكة صدئة من تنكات شحوم السيارات كدلو لمتح الماء من البئر، كانت تحمل رسم صدفة ويغلب عليها اللون الأحمر، فتحت من أعلى وربط بها حبل، كما وضعت بالقرب من البئر بعض الصخور التي جلبت للجلوس عليها خلال غسل الأشياء أو الاستحمام

التقط أخي صدفات نحتها الملح والماء بشكل خارق، اجتمعنا نتأملها بإعجاب، لو إنك معنا ربما كنت لتعبر بشكل مميز عما فيها من فن رباني، تناولت إحدى القواقع وهمست فيها اسمي واسمك واسم طفلنا المنتظر، أحببت أن أفعل ذلك بشيء لم يلمسه مخلوق قبلنا، لكي تعرفنا روحه كما عرفتنا روح هذا المكان وأصررت أن تعرفك وإن لم تطأه معي

قال جامع الأصداف
ماذا تفعلين بصدفاتي؟
- جدتي كانت تهمس في الأشياء الجديدة دائماً وأحياناً تتنفس داخلها لتصنع معها علاقة مباركة فقط

جمع أخي أصدافه لصدره العاري وابتعد بها ليكلمها كلاماً لا يريد لأحد منا سماعه، عند الأصيل مشى أخوتي مسافات طويلة على الشط يبحثون عن بقايا المراكب العاثرة الحظ التي سمعوا عنها أو قرأوها في الكتب أو نسجها خيالهم، اختفوا عن الأنظار حتى شعرت أمي بالخوف والقلق وحاول أبي تهدأتها مستعملاً المنظار في تقصيهم، تركتهما يتحاوران وذهبت إلى البحر، قالت لي أمي وأنا أغادر الخيمة وفي يدي الورقة والقلم وقنينة ماء فارغة وكيس به فضلات الطعام

لا تبتعدي أنت أيضاً فالوحدة مخيفة، كونوا مجموعين

لكني ذهبت لأخلو بك واكتب مناجاتي اليومية لك قبل نزول الظلام، كانت الأمواج مرتفعة كأن شيئاً حدث للبحر هيج غضبه، رأيت الكثير من عقارب الماء الكبيرة تخرج للبحث عن الطعام، رميت لها بقايا البطيخ الأحمر والخبز المبلل، فالتقطته فرحة وركبت الأمواج، كانت سريعة وخائفة رغم شكلها المخيف عندما يتخيلها المرء تدب قريباً من فراشه بينما دياجير (بوهريشيمه) تبتلعه، كانت عقارباً بيضاء أو ذات صفرة وأحداق بلورية، لا تحمل بشرة هذه الأرض كأن طول مكثها في الماء سلخ عنها اللون الأسمر، لون ترابنا ومائنا وجلدنا، وكان قرص الشمس سبيكة أرهقت الباحثين عن الذهب، لامعة على نحو غير متخيل، وعرائس البحر يمشطن شعورهن لزفاف حورية متوسطية إلى سلطان الأوقيانوس العظيم

في القنينة وضعت ما كتبته وجعلت معه عنوانك، لعل إنساناً يلتقطها ويوصلها إليك، فيخبرك بغيرما لساني كم أحبك وكم اشتاقك في هذا المعتزل البكر الذي لم يتدخل فيه الإنسان، حتى لكأن زمن سابق استقطعه من أرضنا فحضر بجلال ورهبة

إنني أحبك أيضاً داخل هذا الزمن الغابر

كانت (بوهريشيمه) في الليل منطقة أخرى ليست هي التي نصرخ فيها وحدنا في النهار وتصمت في وجهنا وتدفن حلقها وتغرق وجهها المخيف كوجه ربان عثماني مخرها طيلة قرون وعبأها بالرعب والبول والدماء والفضلات، (بوهريشيمه) في الليل هي صمت مطبق يشف حتى يوشك أن يسمعنا ما وراء الصوت، وسفن شراعية تمخر ليل المتوسط وتتحطم وتغرق وتختفي بما تحمله من سبايا ورقيق وذهب وتوابل ومعادن وقصص واستغاثات يائسة وأسماك هامشية تمضغ على المدى حمولة تلك السفن، وتلتهي عن قنينتي السابحة أبداً باتجاهك

في بعض المساءات التي قضيناها هنا كنا نبتعد عن المخيم لكي لا يسمعنا أبي ونحن نغني أو نتنافس في الصراخ، ذات مرة غنى شقيقي فلكلوراً جعلني انتبه لجمال صوته في سرد تجربة حزينة تركت أثارها بقلبه الفتي
وكان القمر مذهلاً كطرف سيف فضة أسطوري .... بل إنه هبط بالفعل كمرآة عظيمة واغتسل في البحر على مشهد منا، عندما سمع الغناء


لو كان نشكى
للبحر بأسراري
تنشف أمواجه
من لهايب ناري
لو كان نشكى
يا عيني ياداي
***
آه لو كان نشكيله
بهموم قلبي
كلها نحكيله
تنشف أمواجه
بين يوم وليله
تبقا حماده خاليه وسحايب
لوكان نشكي
آه ياعين
***
ليش ليش
ليش الحيرة
يا قلبي لا تندم
واللي بدلك بالغير
بكره تلقا غيره
***
واللي بدلك خليه
بينه وبين الله لا تكافيه
لا ادوره ولا عاد تشقا بيه
الغالي رحل مخدوع في تفكيره
يا قلبي لا تندم.
***

هذه الليلة نتسامر طويلاً حول النار، أمي تعد الشاي وأبي يتكيء بجوارها وإخوتي يتحدثون في أمور متفرقة، وأنا يذهب تفكيري إليك، أمي بعد جلسة السمر والشاي تتلو تمائمها وادعيتها الليلية لتبعد عنا عقارب وهوام ولوام هذه الأرض غير المرئية وشر ما يخرج منها بالليل والنهار، تمرر سبابتها في التراب حول مراقدنا ثم حول الخيمة كلها، تالية آيات القرآن التي تحفظنا ونحن نيام، أما أبي فيمارس مهام حراسته الليلية، يأخذ مسدس 9ملي معه وينام في الجزء الخلفي للسيارة نصف النقل، بعدما يضعها أمام مدخل الخيمة، إنه يحمينا لآخر لحظة من أي خطر قد يسقط علينا من الأرض أو من السماء، يواجه (بوهريشيمه) كلها بما احتوت لأننا أولاده ولن يسمح لغموض هذه الأرض أن يأخذنا إلى باطنها منه، كذلك نحن أولاد هذه المرأة التي لا تنتهي أبداً من الاستنجاد بالله وبالأنبياء والرسل وصلاح البر والبحر، حتى ونحن نقضي عطلة نريدها مختلفة عن حياتنا اليومية، بل نزعم أننا نريدها وأنها ستكون مختلفة

في الليلة الأخيرة من مخيمنا، يهتم أخوتي بحصر ما جمعوه من أصداف وقواقع، وما وضعوه في علب المشروب من عقارب بحرية مختلفة الحجم ليرونها لأصدقائهم، بينما يتأكد أبي من معدات تخييمه ويتفحص اطلاقاته وأمي تؤكد لتارك الصلاة من أخوتي أن الله يراه هنا وهناك لذا فإن عدم معرفته بالقبلة ليست سبباً منطقياً لترك الصلاة، وأنه لو كان خالص النية لسأل أو تبع من رآهم يصلون، يتدخل أبي في الحديث بشكل مغاير للغة أمي قائلاً

- إن جعلت البحر في ظهرك لكنت مباشرة في اتجاه مكة، لكنك تعرف اتجاه مكة في بيتنا، لذا سترد ديونك هناك

كبير أخوتي كثيراً ما يخترق خطوط الحماية المتعرجة التي تضعها أمي، يخرج لسبب لا نعرفه ولا يخبر هو عنه، يذهب إلى البحر وحيدا،ً يغيب ملياً ثم يعود ويدخل فراشه وينام، الليلة قام باختراقه المعتاد غاب قليلاً ثم عاد يحمل قنينة في يده شدتني عندما لحظتها، قال لي

انظري وجدت هذه على الشط، يبدو أن الأمواج جلبتها

وكان يعرف العلاقة التي تكونت بيني وبين القنينات الفارغة هنا

أخذتها منه وفتحتها في الظلام فإذ بها ورقة، قفزت في فراشي أتلمس ضوءاً لمعرفة ما فيها، لكن قمر هذه الليلة يكتنفه السواد والرؤية ضعيفة، ونار أمي احتكر بقايا جمرها بخور الجاوي الذي خصت به سلاطين البر والبحر وصلاح المكان وهي تسألهم المناشدة والمؤازرة في جميع الأحوال، إيمان أمي بعدم وجودنا وحدنا في هذا العالم يدفعنا للإيمان بما تتصوره وهو غير مرئي حتى نتيقن مثلها إن للبحر والبر والسماء سلاطين ومخلوقات من غير جلدتنا لايمكن الهزء بها

لايمكن في هذه الحالة مزاحمة جاوي الملائكة والسلاطين وإشراك الصالحين في أمور ليست من مستواهم كقراءة ورقة في قنينة عابرة، لذلك لجأنا لسيجارة أبي نتلمس عندها فض المضمون

لم تكن الورقة الباحثة عن الضوء، سوى أولى الرسائل التي كتبتها لك منذ خمسة عشر يوماً في هذا المكان، لم تمسسها يد عندما لم تجد يدك، سأحملها إليك برائحتي وحرارتي وروحي الموجودة فيها، مثلما سيحمل أخوتي أشياءهم المأخوذة من شاطيء (بوهريشيمه) الرائع، ومثلما تتفانى أمي في كسب رضا الصالحين، وكأني وهم نلخص روح هذا المكان البكر كل ٍعلى طريقته لكي يسهل حملها وتحملها



نجوى بن شتوان
بنغازي13 /6/2006


[1] بوهريشيمة منطقة بحرية صغيرة تقع على الساحل الليبي وتبعد عن مدينة بنغازي حوالي 130كم



Sunday, April 08, 2007

اللامتعزي ومجاز الهيولى


اللامُتعزي أول رواية لكازو ايشيغورو منذ رائعته العالمية .." بقايا اليوم "1989 ، وهي بدورها عمل مفاجيء ومذهل لهذا الروائي الياباني إذ تتمطى في سردية لا توحى بشيء أكثر من كونها اضغاث أحلام فيها خلق المؤلف بورتريه لفنان أصبح قاصراً عن قياس المسافة بين حياته العامة والأخرى الخاصة
رايدر راوي الرواية ، عازف بيانو شهير يصل إلى مدينة أوروبية صغيرة غير مسماة ليقيم حفلة مهمة ، ولكن فيما تتواتر الرواية يصُبح جلياً أن رايدر لم يعَد يتذكر إلا النذر القليل عن أسباب زيارته ، وعلى ذلك ليس متوقعاً منه أن يقيم حفلة فحسب بل ومعجزة أيضاً . ليس أقل من إحياء كيان المدينة الروحي والجمالي
خلال الثلاثة أيام التي تسبق ليلة الذروة يقع رايدر في شراك حيوات ، ومطالب متوالية لغرباء ( كما يبدو ) لا يحصون : مدير فندق وعائلته المختلة ، بواب وابنته البعيدة وحفيده ، قائد او ركسترا ثمل وزوجته المنبوذة ، مواطنون مرموقون كثر، وآخرون بلا نهاية ، بما فيهم شخصيات غير لائقة من ماضيه ، جميعهم يظهرون ويختفون مثل أشباح غرائبية مزعجة في كرنفال لهو
في هذه الملاقاة والتجارب السوريالية ،يقدم ايشيغورو حياة الفنان العامة بتشابكها الميؤس في نسيج الحلم ، وفي غضون الإطار الزمني الممطوط بصعوبة ( ودائماً على عجلة مُلحة ) يجتاز رايدر خزانات مكانس تنفتح على حفلات كوكتيل ، غابات معتمة على أوساط مدن ، أزقة مدن خلفية تتحول إلى أفنية مزارع مهجورة
كما يحضر مأدبة عشاء فقط ليكتشف أنه لا يرتدي سوى مئزر حمام ، كما تحمل غرفته بالفندق شبهاً غامضاً مربكاً نوم طفولته ، ليصادف حطام سيارة عائلته الصدئ من أيام صباه في موقف سيارات أحد المعارض الفنية بالمدينة ! كما يخضع الأشخاص المشوهين والحمقى والمتضارين والسخفاء أذنا رايدر لأحاديث منومة تكشف حميميات حياتهم : أمانيهم - يأسهم - وشعورهم بأنهم منسيون أو متروكون في مدينة فقدت موضع روحها
ولكن في موضع ما في هذه الرواية القوية ، بين سطورها ، في هامشها ، بل في عمق نسيج أوراقها تكمن رواية أخرى تنتظر أن تروى ، أخرى عادية جداً ، ومخفتة في واقعيتها : حكاية ولد غير محبوب ومهمل فشل في الإيفاء بتطلعات وتوقعات والديه
في عملية تكثيف سحرية ، تتحول شخصيات اللامُتعزي تدريجياً لتُشابه صور مسلاطية مشوهة لرايدر نفسه ولوالده ووالدته ، ولمخاوف ورغائب طفولته ، فيما توحي مشهدية متاهة المدينة والأحساس الزِلق للمكان بتلافيف العقل اللاوعي الخفية لرايدر نفسه ، وأن هؤلاء الغرباء المقيتين هم بكل غرابة أطياف نفسية رايدر ، وأن روح المدينة التي يريدون منه انقاذها هي كما نتأكد لاحقاً روح رايدر نفسه
مهما بدت الأحلام غرائيبية في تخريجاتها فهي دلالة شعورية حين تحلمها . وكتابة إيشيغورو المكتلة تخلق هذا التأثير الضروري ، ربما لدى أي كاتب آخر قد تنزلق هذه الرواية النفسية الصعبة عن الحافة لكن إيشيغورو الذي إجترح فيها الكثير من لحظات الكوميديا والرثاء ، السخرية الجامدة الإعجازية وجعل نثره أعجوبة قاطعة وكتابته راقية ومضبوطة ودقيقة تسدل ستراً عقلانياً هفهافاً على تجربة القراءة العميقة المؤثرة خرج باللامتعزي إلى مقام الأعمال الجديدة المهمة
من جهة أخرى يمر أي مشهد مباشر من صفحات رواية اللامتعزي رايدر حين يأتي للمدينة ليقيم حفل حياته ليجد أن كل شيء في المدينة بل وكل شخص مربوط بحفل رايدر المرتقب وبكل التزاماته الاجتماعية العديدة الطارئة ، وأيضاً بمحتويات حديث برمج رايدر لإلقائه حول مدينة بالكاد يذكرها
والمشكلة أن رايدر أضاع برنامجه ، ومواعيده ، وأصبح مشوشاً محاولاً تخمين أهمية كل شخص يلقُاه . كل هذا القى رايدر في كوميديا أخطاء مثيرة
فقد نسى أهله حتى ساورته نفخة تمييز ، شيء ما أفاقه بلاشك ودلّه إلى الاتجاه الصحيح نحو ربكة أبعد ونحو موعد تالي ( مزعوم )
تحافظ الرواية على هذا التوازن المتقلقل للسرد الملتبس طوال المسافة إلى صفحة 424 عندما وبدون مقدمات يلوح الأمل في المستقبل ،فحفلة رايدر مقدمة بلا هوادة على حل مشاكل الجميع الحياتية المتراكمة وبكل رشاقة وإحكام الكواكب المتراتبة إصطفافاً لتخسف الماضي
ويقول الصحافي والروائي بيتر اوليفا في مقدمة حوار له مع ايشيغورو " إنها تلك اللحظة المخصوصة التي رغبت مناقشتها مع إيشيغورو ، هذه اللحظة الرائعة حين يجمع إيشيغورو كل استطرادت وانحرافات وخروجات السرد معاً في قبضة واحدة لكي يلكم بها كل تلك التوقعات المتفائلة بسخرية مميزة سوداوية ، للوصول إلى هذه اللحظة أدركت أنه علينا أن نخوض غمار تحولات ومكائد مدارك رايدر ، ولو لأجل أن تمنح للرواية سياقاً وخلفية ومنظومة قواعد . وقد يكون المكان في الرواية حزيناً ومضحكاً ولكنني مصر على إكتشاف كيف عنّ لإيشيغورو وواتته الجرأة أن يهشم الكثير من التوقعات السردية بكل تقصد واستخفاف ؟ "
وإجابة لهذا يقول ايشيغورو :" إن الرواية يفترض أن تكون مجازاً للكيفية التي يتخبط فيها معظمنا عبر حياتنا ، متظاهرون بأننا ندرك وجهتنا ، ولكننا حقيقة نجهل إلى أين نمضي . إن ذاكرة رايدر ، لا تعمل

بالطريقة المعتادة ، لقد حاولت فعل شيء غريب هنا ، حاولت أن أكثف الطريق التي يسير فيها بعضنا حياته في أيام قلائل . إذا أنها أشبه قليلاً بتجربة الوصول إلى نقاط معينة في حياتك لتجد فجأة عدة أشخاص ملتصقون بك ، متسائلاً وغير عارف كيف تورطت في هذا الموقف . أنه ذلك النوع ، بإستثناء أنه يحدث هنا حرفياً . أعني : أن الحدث صار هكذا . أردت أن استخدم ذلك النوع من عالم الحلم لأعبر عنه ، وأردت استخدام بعض الأشياء التي تحدث في الأحلام ، التي ظننت أن معظم الناس - في مستوى معين - متعارفين عليها .. لأنهم تفاعلوا في عالم الحلم لذا تحدث أشياء غريبة مثل تلك . "
ويضيف عن رايدر :" وهو أيضاً راوي كليّ المعرفة لدرجة غير موثوقة ، أنه كليّ في بعض الأوجه ، ولكنه محدد بلا معقولية في أخرى ، قد يكون متسرباً في ذاكرة أناس آخرين ، ولكنه لا يتذكر أدنى الأشياء وأبسطها ، أن تحدي كتابة هذه الرواية الحقيقي كان إستخلاص فعلي لمنظومة القواعد التي تحكم العالم الذي تقع فيه الرواية ، الأحكام التي تسري على الزمان وعلى السلوك الإنساني والاجتماعي في عالم هذه الرواية ، والتى تختلف عن تلك المنطبعة عن عالمنا الحقيقي . إن الذاكرة تنتهج طريقاً مختلفاً ، ولكن من المهم جداً لي وجوب وجود قواعد يريد القاريء أن يؤقلمها مع هذا العالم الجديد
يجب وجود هيكلية أو بُنية . لايجب أن يكون مجرد مكان بريّ يمكن أن يحدث فيه أي شيء
وعن الخروجات الاستطرادت التي تقاطع السرد : ذكريات الطفولة والاستطراد عند رايدر يقول :
إنها نوع من الاستطراد ، لكن الكلمة التي كنت استعملها في بريطانيا حين كنت أتكلم عن الرواية هي كلمة " إنتحال " لأنها ليست مجرد شحطات ، إنها أشبه بحلم ، عندما ترى شخص ما .. بائع الحليب مثلاً أو أي كان .. بائع الخضار ، شخص ما ينبثق في حلمك ولكن في الواقع يحل هذا الشخص بدلاً عن شخص أخر أكثر أهمية من ماضيك ، بمعنى آخر أنك تنتحل أشخاصاً تلاقيهم في الحاضر ليكونوا بدل شخص آخر متعمق في ذاتك في ماضيك وفي تاريخك الشخصي
هذا جزئياً ما يحدث هنا ، هؤلاء الأشخاص الذين يلتقيهم ، يوجدون في الواقع في هذه المدينة إلى درجة ما ، ولكنه يستعملهم بتلك الطريقة الغريبة ليخبروك القصةعن حياته لتتعرف عليه فعلياً وعلى والديه وطفولته وبالتالي ما يخشى أن يصبح
إنه لا متعزي ، ولديه هذه الفكرة بأنه إذا أصبح عازف بيانو عظيم لدرجة كافية وإذا قدم أعظم الحفلات على الإطلاق يوماً ما ، كل شيء خذله في الماضي سيصطلح ، لديه هذه الفكرة اللامنطقية ، وأعتقد أن الوقت كفيل بكشف أنه لايمكن العودة لإصلاح الأخطاء وإن الذي ينكسر يظل مكسوراً إلى الأبد
ليلى النيهوم

Tuesday, April 03, 2007

5 poems


-1-
In a jelly bustling city ground
Would bean foliage dot com
Create a skywards
Concealed shelter!

-2-
My eyes milking crowds softly
Yearing till grew numb
Whims bundled with summer's end
Hot – hand sown- burned snow

-3-
Soon mist emerged
Trillion passing hot
Heavenly shapes
searching for
Love's averted face

-4-
And in summer's silky
Sun crysalized windows
Nature's art bids
New sparkling jade,
Artist's chameleon maps
highlighting my dimpled laugh

-5-
Northern lights float
Much to break nerves
Strike land's tingling curves
Look at hopes crossed well
For nothing seems on time!



Laila Neihoum

Thursday, March 29, 2007

ابنة الطائر الطنان


Jeff Mihalyo"Hummingbird Boat"5.75" X 5.75"oil on pine2004
استغرقت كتابة رواية (ابنة الطائر الطنان)الحائزة على جائزة كيرياما للكتاب عام2006 م وهى الجائزة التى تستهدف كُتاب نطاق االمحيط الهادىء- ، استغرقت من مؤلفها الكاتب والروائى والشاعر والقاص المكسيكى حوالى 20 عاما ً من البحث التاريخي والثقافى والروحى لتكون جاهزة للنشر . وهى رواية تمتد لعدة اجيال لتعانق في مجملها روح تاريخ المكسيك الشديد الثراء والاضطراب ايضا.
ويقول مؤلفها لويس البرتو اوريا في حوار اجراه معه لاورو فلوريس استاذ الكرسى بقسم الدراسات العرقية بجامعة واشنطن لمجلة ووتر بريدج عن سبب كل هذا الوقت الطويل لينشرها قائلا : لعلها استغرقته اربعين سنة ، لو حسب الزمن الذى سمع فيه لاول مرة قصص تيخوانا هذه عندما كان في العاشرة من عمره ، غير ان ابحاث الرواية بدأت فعليا ً في عام 1985 م ، ولايمكنه الجزم بأنه قد بحث ونقب يوميا او كل اسبوع او كل شهر او كل سنة ابدا ً ، فقد كان ديدنه ان يبحث عن نصوص ومواد، ولطالما مضى به البحث بعيدا ً، حيث كانت تؤدى عملية البحث الى بحث آ خر وهكذا . ولوقت احس كأنما تلك النصوص تتوالد بصورة سحرية ، معلومات عن تيريستا التى طالما لفها الغموض والخفاء في الماضى ، كما كان من الصعب في اوقات اخرى العثور على اثر لها ، ولقد كان بصورة او اخرى كانه عمل تحريات ، إذ يقود مصدر خفى الى مصدر آخر اكثر خفاء ً وكان عليه في كل ذلك لملمة الخيوط المتبعثرة والخفية والمُتشابكة .
وقصة تيريستا تقع احداثها قبل وبعد القرن العشرين في المكسيك ، تلك البلاد المفعمة بالحياة والمحتقنة وغير المروضة التى كان يقطنها دونات اغنياء متعلمون وجنود مكسيكيون و ثوار بواسل وعمال مغبرون وهنود الياكى والمايو الفقراء ومطببون روحانيون وساسة فاسدون. مع الكثير من التفاصيل والمرح الممتع .في خضم كل هذا وفى خضم هذه الجوقة من الشخصيات المنتظمة في سير حثيث نحو ذروة روائية هائلة يقدم لنا اوريا" تيريستا" ، لب الحكاية والشخصية الرئيسية ، تلك البنت الهندية التى ولدت لأم من هنود الياكى ، تبلغ الرابعة عشر من عمرها تدعوها قبيلتها الطائر الطنان
بعد ولادتها نفرتها امها لتربيها خالة سيئة الخلق ، فتنشأ تيريستا في مزرعة الثرى – الدون توماس أوريا- الجد الاكبر للروائى في ولاية سينولا المكسيكية ، تقوم القابلة والشافية هولا بالاعتناء بالبُنية ، هولا التى يخشى الجميع ويعجبون في آن بقواها السحرية بمن فيهم الدون توماس الذى تعمل لديه ليتضح مع الوقت ان البنت تتمتع بالقدرة على الشفاء ، وهى هبة ورثتها عن جدتها
- ((كانت جدتك مضحكة ورثت مقدرتها من امها)).
- ((أية مقدرة ؟ )).
- ((المقدرة الوحيدة ، ايتها الطفلة، التوليد ، وفن النباتات، تلك الهبة)).
هولا المُطلعة على الاسرار وعلى سر تيريستا ، تعرف ان قدرا ًاعظم ينتظر البنت ، إذ حا لما بدأ شبه البنت بعائلة اوريا يفتضح ، تحمل الدون توماس - الشهير بعبثه- مسؤلياته كونه والدها فأحتضن تيريستا في قلبه ومنزله . وكانت هولا التى تـُعلم تيريستا اسرار النباتات والسحر ، تراقب قواها الشافية العظيمة آخذة في التزايد والتركيز ، حيث كانت الحرارة الشافية تنبعث من كفيها ، فيما تنحنى لتتعلم الاحساس بحياة النباتات وان تحلم حلماً ليس حلماً وأن تدخل فيه . تتعرض تيريستا في السادسة عشر من عمرها للإغتصاب ولضرب مُبرح تموت إثره مُباشرة ، ثم تنهض فجاة من موتها اثناء السهر على جثمانها كما جرت عادة قومها على ذلك ، لتعم انباء معجزة عودتها للحياة وقواها الخاصة ويصل إ نبعاثها الاعجازي وقواها الخارقة الى ذرى جديدة فيتقاطرآلاف الحجاج على المزرعة لرؤية الشافية المُعجزة عن كثب، البنت الميتة الحية، وللتبرك بها والتعالج على يديها، كُلٌ مدفوع برغائبه الدينية والسياسية والشخصية
وفى عمق الخط الروائى اثناء دعوة تيريستا الروحانية ، يرسم اوريا بلا قصد إضطراب ذلك الزمن والازمان التى تليه ، فقد ارسلت الحكومة المكسيكية التى يرأسها دياز قوات لقتل الهنود المتمردين فيما باع الوطن لاجل ذهب الياكى وطمعا ً في اموال الاوروبيين ، ولمعرفته ان الدون توماس يعارضه ويحكم قبضته على الولايات المحيطة بسينولا يحاصرها مما يضطرالدون توماس الى التراجع من مزرعة الى اخرى ، في الوقت الذى يضع فيه الناس قوى تيريستا في مرتبة قدسية ، لتصبح تعرف بالقديسة كابورا فتكون حافزا ً لتغيير مصير بلدها بالرغم من عداء الكنيسة الكاثوليكية لها. كما يستغلها الثوار لاغراضهم السياسيةفتنتهي مقتولة على يد دياز وحكومته
يقول اوريا الذى كتب قصة عمته الكبرى تيريستا انه ذهب الى اريزونا عام 1995 م ليكون من جانب اقرب الى شعب الياكى ومن جانب آخر ليُتاح له الدخول في تاريخ مجتمع اريزونا ، لينفتح له عالم الكوراندريون والشافيون ، فيتأكد له ان المادة التى تعنيه كثيرا في هذه الرواية ليس بالامكان تعلمها من كتاب او لفات ميكروفيلم مطلقا ، فقد تطلب الامر منه سنوات ليفقه كيف يكتب هذه الرواية ، فلم يكن حينها متعمقا في مهنة الرواية او معروفا، ولكنه ايضا وحسب كلام الكوراندى هو ابن القديسة ، وكان السؤال : كيف يمكنه قص سيرتها؟ وان يلملم تاريخ اسرته ويتحلى بالكبرياء اللازمة لإدعائه وترجمته في واقع روائى ؟ وكيف يمكنه ان يمثل شعب المايو؟ وكيف يتعلم التاريخ المكسيكي وهو الذى عاش بعيدا عنه في امريكا ومن ثم جعله تاريخه؟
لقد امضى اوريا وقتاً كافيا مع الشامانات السحرة الشافيين ليصدق ان تيريستا لاتزال موجودة في مكان لا يُرى ولايُحس ، فكيف يروى قصتها بأمانة؟ وصدق؟ وإعتناء؟ هل عبر نص تاريخى ، ام ادبى ؟ ، كانت الاجابة المطلقة بالنسبة له ان الادب يكون اصدق من ناحية عمق الروح ، اكثر من انواع الكتابة الاخرى ، فبمقدور الادب وحده ان يضع القراء في الحلم
وكانت امامه مُشكلة الخوف من الانغماس في الذاتية والخوف من ان يؤذى اسرته وهو الخلوق الاصيل ، وليس بسبب البوح بالاسرار الاسرية الخفية وانما بسبب انه اقدم على كتابة هذه القصة بالذات وهو ما يعده جسارة لايُحسد عليها
وهو يقول ان القراءة ثم القراءة ومن ثم ايضا ً القراءة هى المنفذ الى اين يجب ان يبدأ أى بحث ، فقد افادته في تمييز الحقائق من الاخطاء التاريخية والتلفيقات المتعمدة في الكتب المهمة كما بدأ فعلا يتعلم كيف يدرك الاشياء التى تتعلق بالموضوع الذى يشبعه بحثاً ، كما ان اللجوء الى الاسرة وذاكرتها امر ساعده كثيرا في كتابة روايته هذه ، ألم يحتسى في سبيل ذلك كميات هائلة من القهوة واكل الكثير من التامالا الخضراء والمينودو حد التخمة وجلس في الكثير من المطابخ رابتا ً على كلاب الاقارب ومستمعاً لسيل الحكايات؟
وإذ يرى بعض النقاد ان روايته إمتداداً للواقعية السحرية اللاتينية ، يحس اوريا بالفخر والشرف ، فقد بالغ النقاد حسب قوله- اذ قالوا انه اعاد احياء الواقعية السحرية - كما ولدهشته العميقة عده بعضهم وريثا لغابرييل غارسيا ماركيز!! ، فإن يقارن بماركيز العظيم ، ذلك شرف عظيم لدرجة انه من الافضل الا يتحدث عنه
ويحكى عن التغيير الكبير الذى حدث له في سنه الثامنة عشر عند إكتشافه لعالم الكُتاب اللاتينيين العظام السحرى ، غابو - ماركيز بالطبع- وبورخيس ونيرودا وكورتا ثار وفارغاس للوسا وغيرهم كما كان مصدوما في ذات الوقت ، كان الامر مربكا فقد اراد ان يسافر عبر الزمن ويتزوج الفونسينا ستورينى وان يفطر مع غابرييلا ميسترال ، كان مرعوبا من خوان رولفو لدرجة الا يجرؤ على حلم الالتقاء به لذلك ان يتم ربطه بعمالقة الادب اللاتينى هؤلاء كان شيئاً رائعا في نظره
والغريب كما يقول انه لم يفكر حين بدأ الكتابة ، ان يكتب رواية((واقعسحرية)) الاسلوب ، بل كان آملا فقط في ارضاء شبح مالكولم لاورى ، وكان خائفا ان يتفطن الناس الى انه حاول سرقة روح رواية (( تحت البركان)) ، وهو يعتقد ان ((السحر)) في روايته حقيقى مائة بالمائة ، وهو حقيقة تاريخية ، إن كل معجزات تيريستا عمته وبطلة روايته موثقة بالكامل ، وثمة حقيقة تاريخية اخرى ان تعاليم هولا ومانوليتو مؤسسة على تعاليم اطباء قبيلة حقيقيين واخيرا فإن المقاطع في روايته عن الاحلام الغريبة هى في الواقع اعمال سحرية قام بها الشامانات السحرة له وعليه، وباقى الخيال الروائى في كتابه يتمثل في ماذا أكلوا على الإفطار مثلا
ويقول قد يُلاحظ تداخل العنصر الاسيوى بشكل ما في الرواية ، فإذا دققنا النظر فيما حدث لتيريستا نجد انه كان ثمة تدريب أشبه بالتاي- تشي ، بل بما يشبه ما يحدث في أديرة الزِن ، فيبدو وكأنه نوع ذو نشأة تعبدية فيما الطاقة تهمهم عبر هذه المادة ، ويمكن فقط في المطلق الاعتقاد بأن قوى تيريستا ذات علاقة بقوى التشى ، وكان قد ذكر سابقا مالكوكم لوري ، ولكن أكثر الحضور في هذه الرواية هم أسياد الهايكو إيسا وبوزون واونيسورا
ولان معظم وليس كل رواياته تقع في الحدود الأمريكية - المكسيكية حيث ولد في تيخوانا وعاش على جانبي تلك الحدود مما أثر في كتابته ، ويقول لو أن احدهم اخبره كيف يتخطى الحدود سيفعل ، فإن يشب المرء منقسما إلى اثنين بسبب سور من أسلاك شائكة يجعله يرى الحدود أينما ولي وجهه ، فثمة حدود كثيرة قائمة بين الذكر والأنثى وبين اليسار واليمين وبين الأسود والأبيض وبين الحنطى والأبيض وبين الحنطى والأسود ، لذا فهو لا يحب الحدود ، بينما يحب الجسور ، لذلك لا يعد نفسه كاتبا حدوديا ً بل بناء جسور ، ويعتقد أن الحدود مهما كانت تسعى لان توضح نفسها عبره ، فلديها روح هائلة معذبة ولديها وسطاء بمكنتهم أن يجعلوها تحكى بصدق
وبالحديث عن تيخوانا حيث ان معظم الامريكيين ينظرون الى تيخوانا كونها نكتة ، فيما يشعر المكسيكيون بالحرج من تيخوانا ، فهم يقولون ان تيخوانا لا تمثل المكسيك ، فيما يرى أوريا انه يحب تيخوانا فرغم انها سيئة السمعة ومدمنة للمال الامريكى ومدمنة للإثارة الامريكية ومدمنة للصراع المشين القائم على طول سورها ، وهى بكل خوفها ويأسها وبؤسها هى ايضا مجتمع الصداقة والامل والروح المتماسكة ، وسيتعلم المرء لو عاش سنة او اكثر فيها وسط جامعى القمامة الذين يعيشون في المقلب ، سيتعلم عن النعمة والروح الانسانية اكثر مما سيتعلمه طيلة ثلاثين عاما من اللعب في ملاعب الغولف والتنس
ومثله مثل الكتاب من اصل مكسيكى ((التشيكانو)) يوظف التبادل الللغوى بين الانجليزية والاسبانية ، ورغم انه كان ممنوعا في صغره من الاتجاهين ومن تلفظ كلمة (( تشيكانو )) فقد كان في نظر والده مكسيكيا ومولود في المكسيك وليس تشيكانو وكان عليه ان يتكلم اسبانية قحة ، فيما كان بالنسبة لوالدته امريكيا وان ولد بالخطأ في المكسيك وبالتالى عليه ان يتكلم انجليزية قحة! وكان يمكنه التحول بين اللغتين بإضافة القليل من الكلمات المكسيكية على سبيل المزاح ، ولكن اذا سمح للغة الانجليزية التدخل في لغته الاسبانية فسيكون هذا علامة على فشل مكسيكيته وكونه مكسيكيا ودلالة على عدوى هيبية وانه اصبح دخيلا
ثم اكتشف ادب التشيكانو بعد تخرجه من الجامعة ، غارسيا ماركيز ونيرودا ، كانا الاولين ، وتخيلوا حجم إندهاشه عندما اكتشف الوريستا ورودى انايا وريكاردو سانشيز ، كل تلك الثلة! كانت رواية (( بلوروخا إبنة الامة)) لالوريستا كعاصفة لغوية نارية ، فهاهنا كاتب ذكى جدا ، متعلم جدا وخطر الى اقصى حد وهو ليس مثلهم فقد كان مخلوقا فذا لامعاً ، وكانت لغته او لغاته مثل موسيقى الجاز وهل تصدقوا لقد كان مكسيكيا ومولوداً في المكسيك
مع الوقت لم يعد يرى في ذلك هوى تشيكانونيا او لاتينيا، إذ يعتقد انهم مباركون ليكون لديهم نظام لغوى هائل وعليهم ان يستعملوه ، وان كانت قضية محاكاة للواقع ، فلم لا؟ الناس يتكلمون كيفما يتكلمون وعلينا ايجاد الوسائل لتثمين ذلك
يكتب اوريا الشعر والمذكرات والقصص القصيرة والمقالة، والشكل الادبى الذى يفضله، غير تجارى وهو مزيج من النثر والمقاطع الوصفية والهايكو او الهيبون ، ولقد تخفى هذا الاسلوب كثيراً في اعماله وافصح عن وجهه في احد كتبه بالكامل ، ويرى انه اذا كانت الكتابة من الاشياء الجالبة للغبطة العميقة والاشباع الاعمق والمتعة ايضا ، فهى من وجه آخر ليست تلك التجربة المبهجة في كل الاوقات
وهو قد دُرب نظريا ونقديا على التحليل والنقد وخلق الادب وذاك ما تعلمه في الجامعة وهو ايضا ما يقوم بتعليمه في هارفارد. ويرى ان اجناس الكتابة الثلاث ، الشعر والرواية والمقالة لديه تنبع من نفس البئر داخله والتحدى الاكبر فيها ان يخبر الحقيقة المطلقة حتى وإن كان يكذب
ليلى النيهوم

Wednesday, March 28, 2007

مولد نبوي مبارك - قناديل بنغازية











قناديل الوسعاية . قناديل بنغازية تقليدية تشتهر بها( وسعاية عيت جدي) وتوارثناها جيلا بعد جيل . قبل الميلود قل بأسبوع ... زمااان .. كان الجميع يتجمعوا للبدء في التجهيز للموسم , يقطعوا الجريد من نخلات السانية السامقات فيختاروا اكثره استقامة يكشطوا عنه السعف ويساووا طوله ويشقوه من فوق الى اربع حتى مسافة معينة ثم يلفوا هذه المسافة بدائرة من (تل) سلك معدني ويحوطوا بها الاربع تفرعات لكي يبنوا بيت القنديل حيث ستوضع الشمعة وعادة هذه المرحلة الاولية تكون من نصيب فتيان العائلة لتوفر القوة البدنية لتسلق النخلة واستعمال الساطور ومن ثم شق الجريد وتدوير التل بالبينسة وتثبيته
ثم تأتي المرحلة الثانية وهي تنقسم الى اثنين : الاولى : لف الورق علي شكل (طربوش ) بمقاسات مناسبة ولصقه وتكون عادة من نصيب البنات وبعدها تأتي مرحلة الرسم حيث يتفنن ذوي موهبة الرسم برسم لوحات دينية ومن البيئة وجوامع وزهور بألوان رائعة وزاهية لتكون اجمل حين يضاء القنديل
وبعد ذلك يأتي دور اصحاب الخط الجميل ليخطوا على القنديل من الجهة الاخرى الاشعار والمدائح النبوية الرائعة وقد كان جدنا الكبير وهو جد امي رحمه الله من يتكفل بهذه المهمة من انتقاء المدائح من نهج البردة وهو ما اذكره- حيث لازلنا نتداول الكتاب حتى اليوم رغم اهتراءه - وغيره من الكتب ويخطها بخطه الجميل بالريشة والحبر الصيني . اليوم يقوم بهذه المهمة وعلى عجالة وبفرشاة والوان مائية من يملك ولو خطا يكاد يكون جميلا
في الاثناء يكون فريق اخر قد عجن الطين ليوضع في منتصف القنديل لتثبت فيه الشمعة
ثم يُربط القنديل على الجريدة ربطا محكما ويوزع على البيوت , بيوت اولاد الجد وعلى الاقارب والحفيدات والأنسباء والاصهار
ان متعة تجهيزالقنديل والتنافس في الرسم وفي الخط وفي اجمل قنديل وفي حب رسولنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اشياء مهمة كانت تربط اجيال متعددة ومتفاوتة ببعضها وبالمكان وبتبجيل الكبار والتمسك بالدين وبيبيئتنا العظيمة
كم كانت ايام جميلة اكتب عنها من القليل الذي شهدته صغيرة ومن ذاكرة امي ومما اسمعه دائما من حكايات قد لاتصدق اليوم.
اليوم يكاد هذا الطقس الديني الرائع ان ينقرض الا من مناضلة مثابرة محبة متمسكة بكل ماهو جميل ورائع من العادات والتقاليد والقيم
احكي عن الدكتورة والكاتبة الصحفية والباحثة والمدافعة عن البيئة سكينة ابراهيم بن عامر
الوحيدة التي لازالت محافظة على سنة اهلها وسبرهم لدرجة انها في رباطها العلمي بالقاهرة لم تقطع هذه السنة المباركة وكانت تصنع القناديل وتتحايل لتجلب مواد اعدادها وتوزعها على الذين تعرفهم هناك.
قبل الميلود بيوم ذهبت اليها لأشهد مراحل اعداد القناديل ولأخذ قرعة -نصيب امي منه وجدتها تشتغل بسرعة فائقة وفي مكان ضيق- شقتها- بعد ان ذهبت الوسعاية والذين كانوا يعمرونها رحل من رحل وتهدم معظمها واصبحت اطلال وبضعة نخلان هزيلات
كان الجريد مقطوع و(التلولة) جاهزات ويبدو ان الجهد العضلي كان من نصيب الدكتور تميم وتشهد بقايا الجريد والكماشات والشاكوش!! وقد كان جالسا وهشام يتنفسان الصعداء بعد ان زخرفا ولونا قنديلا لكل منهما ايضا !! وكانت الالوان المائية والفرش واكواب الماء وكتب المدائح النبوية مفروشة على طاولة الشغل .. والوقت ضيق والمشاغل كثيرة ولكنها تناضل لأجل ان يحصل كل بيت له اصل في تلك الوسعاية العريقة على قنديل يضعه في تركينة الباب ينور الكون
يقول :
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء
الله
الله
نتمسك بك ياحبيب الله ياسيدنا يااشرف الخلق اجمعين
ونصلي عليك ونسلم تسليما
التقطت صورا سريعاورسمت بعض الزخارف لأحد القناديل واكلت حبات تمر وكوب حليب وتذكرت مع سكينة الايام الخوالي وتذكرنا الراحلين طفرنا لأجلهم دمعات حرى وترحمنا عليهم ودعونا بالخير للأحياء ولمدينتنا بنغازي ولبلادنا الحبيبة ليبيا
وودعتها خارجة محملة بقناديل الخالات وامي والجامع
على ان استعيض عن الطين بعجينة الدقيق فالوقت ضيق والمشاغل اخ المشاغل تكاد تلهينا عن انفسنا
ورجعت وانا اردد :
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف
وانسب إلى قدره ما شئت من عظــــم
فإن فضل رســــــــــــول الله ليس لـه
حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفــــــــــــــــــم
يقول الشاعر أحمد شوقي بارك الله فيه فيما قال وهوليس بكثير في مدح نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم

وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَنــــــــــاءُ
وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا بِالتُرجُمـانِ شَذِيَّةٌ غَنّـــــــاءُ
بِكَ بَشَّرَ اللَهُ السَماءَ فَزُيِّنَت وَتَضَوَّعَت مِسكاً بِكَ الغَبـــراءُ

فصلوا عليه وسلموا تسليما
حتى تنالوا جنة ونعيمـــــــا

مولد نبوي مبارك وكل العام وانتم بخير
ليلى النيهوم

Tuesday, March 27, 2007

A Sunday in Paris















I admire Tiggy's writings


Always brings a place she is in into life


Imagine her


a lense that collecting daily life


as if a masterpiece of love


Tiggy the traveller


the lonely walker of paths of light


and colour


Do I talk about


a unique butterfly?


In which colours


one may paint her


fidgeting wings?

Laila Neihoum


She wrote From Paris to say:


Sunday morning and the streets of Paris poking their noise into my hotel room.
As I head towards the early Europe Marche of fresh produce I am filled with a rare anticipation for the day, as you know I am a night owl.
The sound of vendors praising the magnificence of their fruits draws me out of the bowels of the city’s metro. Streets packed with mothers and their bouncing children, old women with their dogs, students stuffing themselves with croissants and espresso . And me wrapped in my silence sating my starved senses.
Stopping at last for morning coffee in corner brasserie with hot apple tart and raspberry crème patisserie, I am refueled and ready for art hunting.
As I head back to the metro station I cannot manage to pass by the strawberry vendor again without buying a handful brilliant red rubies .. Keep the change,”ah! But she is marvelous!” he bellows to the passing crowd much to my embarrassment.
On to the Montparnasse and the marche de creation where for today Art is being sold instead of meat. Over a hundred painters, sculptors, and other artists display their work for sale each Sunday here . I am a child in a toy store! One particular painter caught my attention, the paintings of seashells, of beach pebbles, how I miss the sea!
“je peux vous aider?” can I help you?
I tell her I miss my home by the sea and the salt in the air. She has never seen the sea’s green eyes.
The afternoon is for Sacre Coeur the hill, the cathedral and the warren of alleys that surrounds it as if the cathedral is in fact a sacred heart and the streets twist and tangle like so much innards .
Steps endlessly upwards hugging the hillside , and a breath taking view once you finally get to the top. Paris , decadent and sluggish like a sultana glutted on wine and bedecked with jewels , I love you.
Not only tourists ,but the French also have come to lie on the green lawn and gaze adoringly upon You.
Reveling in anonymity and the fact that here , no one looks twice at me , I snap away with my camera , street vendors, gargoyles on the walls keeping watch , blue blue sky.
Life.
Lunch in a bistro with confused tourists trying to order a meal French-style .
Again I am delighted with all the little art shops and galleries, I leave the hill with a few paintings clutched in my covetous hands .
As I make my way down the stairway towards the foot of the hill I start to pass the street performers that come to play for the evening crowds , violins and cellos playing music sweet and sad .the violinist a young Josh Groban , a romantic figure with his curly hair dusty in the afternoon sun , a most beautiful boy .
Drummers and trumpet players down the next street, the crowds clapping and stomping in tune. Children running to drop coins in the hat remind me of my own brothers.
Walking to the subway I am grateful for a perfect day that had nothing of my life in it.

Tiggy Ibrahim

Sunday, March 25, 2007


الأخُتـــــــــــــــــــــان

قصــــة : كاثرين رنتالا
ترجمة : ليلى النيهوم


مرة كان ثمة أختان. واحدة ارتدت نفسها من الخارج للداخل, والأخرى من الداخل للخارج. من كل الأوجه باستثناء العمر تشابهت الأختان كثيرا بقدر ما يمكن لأختين أن تتشابها. في كل الأحوال كان شبها كبيرا وان لم يكن كثيرا في المطلقكانت الأخت الأولى تستوعب كل ما تراه داخلها , فهي اخذت كل شيء داخلها من الخارج . في يوم قالت لنفسها :اليوم سوف أتعلم اللغة اليونانية ..وحققت ذلك
في يوم أخر قالت- أريد أن أكون عازفة بيانو كلاسيكية.
وفي أحيان كانت تتلقف الأشياء داخلها بدون تعليق , فقد اشترت سيارة , وأنجبت طفلا ,ولم تقل شيئا ,لم تذكر مثلا ما إذا كانت لا ترغب في الاحتفاظ بهما طويلا
الأخت الأخرى, استوعبت داخلها كل الأشياء أيضا, غير أنها لم تكن بقادرة على الاستفادة منها بشكل عملي لذا ما كانت تأخذه تفكر فيه, ثم كانت تبحث عن شيء يمكنها الحصول عليه ويكون شبيها به ! فهي كانت ترتدي نفسها بالمقلوب وسرعان ما أصبحت لديها غرفة مكتظة بأشياء كانت أخذتها داخلها ثم أخرجتها , أيقونات مطقطقة , أمفورات منمنمة , مسجلة لتستمع منها لأسطوانات كانت اشترتها بعد أن سمعت أشياء جميلة . وكذلك أشياء من مراقبتها لأختها , وأشياء ليست من تقليدها لأختها . أيضا كتاب رائع التجليد , وفأر
أحيان كانت الأختان تجربان بعضهما البعض, بمعنى أن كل واحدة كانت تُجرب الأخرى بالمقلوب. غير أن الأمر لم ينفع . فواحدة لم تكن تهتم بأشيائها . واكتشفت الأخرى أنها لا تستطيع الكلام . فعرفتا أن كل أسلوب يتطلب مهاراته الخاصة.
ذات مرة حاولت كل واحدة ان تكون مثل الأخرى . وفي نهاية اليوم كانتا في منتصف هذا , أو منتصف ذاك . بعدها ارتعبتا أن تتطلب التجربة من كلتيهما أن تصبحا واحدة. ثم تفاقم رعبهما من أن لا تظل أحداهما لتكون أختا للأخرى . ثم خافتا من أن تموتا معا.
في يوم ماتت أحداهما. ذات الخارج للداخل . هكذا بكل بساطة. كانت تستلقي في فراشها تفكر ما الذي يمكن أن تفعله لتموت . ثم فعلت ذلك .
لم تصدق الأخرى ما حدث ووقفت لوقت طويل مصعوقة تحدق في أختها متوقفة الأنفاس.
نظر الطبيب للسرير وقال :
لقد ماتت بعد هنيهة أو يزيد بدأت الأخت ذات الداخل للخارج تتنفس فجأة وبعمق. اقلق ما يحدث الطبيب الذي التفت ليراقبها. حين لم يستجد حدث جلل غادر المكان.
عندما غادرت هي بدورها. كانت نفسها فقط. لم تعرف تماما ماذا ستفعل . فقد اخذت داخلها شيء ما , ولكنها لم تستطع استعماله بأي طريقة عملية . ومن ثم خافت أن تموت. ومن ثم خافت ألا تموت أيضا .

Friday, March 23, 2007

Faded Henna


















Leaving loudly

Like a faded Henna
upon memory's silky texture
your aging love

Like visionary browned meadows
crying tenderness bygone



like a writer's flowery pen
pinning language's butterflies
on each question mark.

laila Neihoum

Saturday, March 17, 2007

Lost songs found


Lost songs found

Off-shore love
paid vehemently
upon isles splurgy shores
with shells
with sea bird dives
with supplicated debris

Off-shore courting
fatigued love songs
shattered melodies
wind driven
across Pathos Agoura
some dangling
from selphium
crowned Grecian columns
others trapped in skewed
ancient "Awshaz"
moaning saint Marcus safety
before "karssa" fire
before ever.

Off-shore loaming grand wave
galloping chaos
flattening eyes panoramic fear.

Off-shore stillness
vacuuming last chance
justification .

Laila A. Neihoum



1- old caves in The Green Mountain – in the northern east Libyan coast where Saint Marcus a long time age had hide there .
2- Karssa is a small mountainous village in the green mountain surrounded with woods where a big fire changed the place's scenery
.

Thursday, March 15, 2007

سافرت بعيدا - ادواردو غاليانو



حين كانت حين كانت لوثيا بيلايث صغيرة جدا قرأت رواية وهى تحت الاغطيه . قرأتها جزءا بعد آخر ، ليلة بعد اخرى ، وكانت تخبئها تحت مخدتها . لقد سرقتها من رف خشب الارز حيث كان عمها يحفظ كتبه المفضلة مع مرور الاعوام سافرت لوثيا بعيدا.سارت على الاحجار فى نهر انتيوكيا ، بحثا عن الاشباح ، وبحثا عن البشر . مشت فى شوارع مدن عنيفة . قطعت لوثيا طريقا طويلا ، وفى مسار اسفارها كانت ترافقها دائما اصداءُ تلك الاصوات البعيدة التى سمعتها بعينها حيث كانت صغيرة . لم تقرأ لوثيا الكتاب مرة اخرى . لم يعد بوسعها ان تتذكره . لقد نما فى داخلها بحيث تحول الى شىء آخر : إنه هي الآن
ترجمة : اسامة أسبر


حينها المختـــــــــــــــــــــــار



الروائية الهندية أنيتاروا بدامي لا تحب التحدث عن روايتها المقبلة لأنها حسب تصريحها : في اللحظة التي أفتح فمي وانطق بتفاصيل أو عموميات روايتي ستتحول إلى غبار
والبعض يحاول الكتابة مختنقاً في عاصفة غبار تُزُوبعْ حوله ذرات حروف وجمل وفصول واحداث وشخصيات وركام مشهديات وتصاوير وأخيلة . دمار شامل كان تدفق من فمه .عندما كان من النوع الصموت المتأمل المندهش كان أكثر تركيزاً وأقدر على القبض على اللحظات المُلهمة وأكثر انصاتاً للإملاءات الموحاة والمواقف الحياتية الجديرة بالإستعارة
. ثم ترى صديقتي الكاتبة المتأنية جداً أنها لو تسرعت وكتبت حرفاً واحداً , الآن من الرواية التي تعتمل وتتماوج وتتكون في داخلها منذ سنوات طوال فسوف تنسف مشروع عمرها الأبداعي .
الفرق بين الثلاثة أن أنيتاروا بدامي لا تتكلم عن عملها الروائي ولكنها تدون أول بأول ما يطرأ على شخصيات روايتها في أطنان من كراسات الملاحظات ( حسب قولها )لتجلس بعد فترة تجمع الخيوط والأحداث المتبعثرة والأجواء والأمكنة والزمان والحبكة والخياال وجزئيات الحقيقة حسب مشهديتها الذهنية حال ترتّبها وصفاءها لتخرج بها على الأكثر بعد ثلاث سنوات برواية تهز العالم الإبداعي كما حدث مع روايتها السابقة مشية البطل
طرف آخر رابع يدخل الصورة الروائية الأسبانية نورية آمت ترى بعد اكتشافها مبكراً أن الكتابة نهجاً حياتياً فعندما يقذفها العالم إلى أبعد مدى , العالم الذي في اعتقادها شرير وغير عادل تجد في الكتابة ملتجأ ,مكان تلتصق به وتعيش بالكيفية التي تحب تماماً ووفقاً للقيم التي تتمسك بها ولو أنها لم تجد هذا الخلاص لكانت وصلت الى طريق مسدود وانعدمت لديها الرغبة في العيش
فالكتابة نداء داخلي, هي مهمة وخيار حياتي فائق الأهمية يظل لديها امنية أن لا تصمت الموحيات ولا تصمت الدهشة وأن لا يتوقف القلم , هذا رعبها الأكيد
الطرف الخامس منظور آخر وبدائل أخرى فالشاعرة الانجليزية هيلين همفري توقفت عن كتابة الشعر مؤقتاً توصلت إلى هذه القناعة بعد أن قرأت كل المجموعات الشعرية التي صدرت خلال عام ما .. فتحررت من وهم الشعر ما عادت بقادرة على كتابته لقد أحبطها ان الشعر الذي كان مكانا يمكن للقارئ دخوله والاضطلاع بتجربة القصيدة ما عاد كذلك ,والرواية اصبحت مكاناً بديلاً يمكن للقارىء دخوله والعيش هناك , فيما لم يعد ثمة مكاناً داخل الشعر المتمحور حول الشاعر وصوت آناه , فهي لم تعد لجهة شعرها الخاص تبتدع شيئاً مختلفاً عن مجموعاتها الشعرية السابقة وأن كتبت ستعيد قصائدها ولذا في النهاية لا تود التكرار رغبة في التطور الشعري متنقلة الي الرواية وأنها عائدة للشعر حين تصل إلى صيغة شعرية تمحو من خلالها (الأنا ) من قصائدها ونهائياً
صديقتي الثالثة تتثاقل تحت وطأة الضجيج الروائى الذي يتفاور في ذهنها , تحت سطوة الشخصيات التي تتورم وتتعملق ضائقة بالفضاء الذهني متنامية على حساب الزمان والمكان الافتراضيين
الجدال معها حول كسلها واكتفاءها بالأختباء وراء تقديم اعمال الأخرين كصرخة في وادٍ سحيق فلها فلسفتها الخاصة , لها حينُهْا المُختارْ , عسى أن لا يطول انتظارنا وأن لا يتفاجىء لاحقونا أنها كانت تخزن روايتنا نحن , تنتظر الختام لتلملم غبارنا على أوراقها

ليلى النيهوم

Tuesday, March 13, 2007



طائر نورس صغير
قصة : اسماء الاسطى
كاتبة وباحثة ليبية




عليلة كانت تزورنا في بيتنا، نحيلة وضامرة كعنزات عمي "الفزاني" الذي يتخذ من شاطئ البحر مرعى لقطيعه، فيقتات من الحشائش المالحة، وما ينبت من بذور (الدلاع )والطماطم مما تساقط عن غير قصد من مصطافي الموسم الفائت، ناميا كاخضرار مؤقت على ضفاف الشط، تختبئ فيه كرات ضامرة صغيرة تشبه الطابات المتلقفة ما بين الدفوف الدائرية التي تلهو بها الفاتنات الإيطاليات في مصيف (الليدو) المجاور، وهن يتقافزن في إيقاع منتظم، بملابسهن البحرية الزاهية، وقبعات القش ذات الأشرطة الملونة.كان قفطانها (اللانيتة)المجدول أكبر منها، تبدو من تحته حشوه مكتظة من الثياب في طبقات متتابعة، تظهر حوافها من فتحة الرقبة، ومن خلال ثني أكمام رسغها الرقيق، ينتهي تحت الركبتين، ليبدأ سروال قطني ذا زخارف منمنمة يغطي ساقيها النحيلتين في اتساع، منتفخا في دائرة عند موقع الركبتين، وينثني في كرمشيهما خلفهما، منتعلة في قدميها الصغيرتين شبشبا بلاستيكيا أزرقا، يظهر من فراغاته وتنسل من زخارفه جوربها الصوفي الأحمر.شعرها مغرق في الزيت الغرياني، ينقسم في منتصف جبهتها إلى قسمين متساويين، ملضوم في ضفيرتين متناظرتين تماما، ينتهيان بشريط أزرق منكس النهايات، معقود بحزن يشبه خطواتها البطيئة، وصوتها الخفوت المختلط بصفير منتظم من رئتيها، ولهاث مرهق من قلبها الصغير.
مساء الخميس، فبل أن يرتقي عمي "جمعة" جبل مدينته، يوصلها بسيارته إلى قبالة البوابة البحرية، تترجل محتضنة صرة ملابسها المشبعة بروائح المستشفى، تضوع بما علق بها من أدوية وشحوب، نهرع لمساعدتها في ارتقاء الدرج درجة درجة، تتناسب وبطء حركتها، ولهاث قلبها الضامر.تتلقفها "أمي" بحنان مبالغ فيه، وتحيطها بعناية فائقة، تحذرنا من مغبة إغضابها، تمنحها الحلوى المخبأة، والشرائط الملونة والنقود، تفاجئها بما حاكته لها من ثياب ودثار وجوارب صوفية، تغلف جسدها النحيل بالدفء، وتمنع عنها برد الشتاء البحري القارص.تغلق "أمي" النوافذ بإحكام لئلا تمر نسمة باردة يسعل لها القلب الصغير، يداعبها "أبي" بلغة إيطالية تمنحها فرصة استعراض حصيلة ما تعلمته من راهبات المستشفى اللاتي تعيش معهن أكثر من الوقت الذي ترى فيه خالتي "نوارة" أمها المنشغلة عنها بسواها من الصغار الضاجين ، اللاهثين بالصحة والعنفوان.تنهي استعراضها القصير بفتح صرتها لأخواتي الكبار حتى تتمتع بروية علامات الانبهار على وجوههن بما تصنعه في ساعات يومها المرضي الطويل، من نتاج فراش قلب عليل، ما تعلمته من إحدى الراهبات التي تقصقص الشرايين البديلة لسكب الدواء في عروق المرضى، إلى قطع صغيرة تمرر فيها خيوط الصوف الملونة؛ فتتحول إلى مشدات مبهجة للشعر، ذاك أمر وحيد ينتبه له الجميع منها ثم لا شيء غير الصفير المؤلم واللهاث لقلب يسارع الخطو نحو المجهول.الريح تصفر من خلال شقوق النوافذ البحرية، فيصدر عنها عزفا غامضا ينتج عما يقابله من صفير شقوق الجهة القبلية، والموج اللاهث يتابع في اللحاق بمن سبقه على الشط، إن مبيت "نعيمة"ليلة الجمعة يدعو "أمي" لأن ترشوني بالحلوى كي أتنازل للمريضة عن سريري، وأفترش عوضا عنه فراشا صوفيا أسفله، تدعمه بدفء من أحد معاطف أضاحي الأعياد السابقة، وعندما يعم الظلام بيتنا تتسرب من الممر الطويل خيوط ضوء تنعكس على أرضية الغرفة الغارقة في دفئها.استشعر البرد وحدي، فأخواتي نيام، لا يسمع لتنفسهم المنتظم الخفوت صوت، بقدر ما يعلو من صدر مثقل بالثياب والأغطية المضاعفة التي تعبر بها "أمي" عن حنانها وتعاطفها، بعدما حمت الجسد النحيل في( الليان) بالماء المغلي، وافترشت له الحصير، وأزاحت له السجاد، وعفرت الغرفة بالبخور المنبعث من موقد الفخار، لتجفف شعرها وتحرق ما جرفته الأمشاط الدقيقة من حرثها الأسبوعي في ألسنة اللهب المتصاعد بم أذكته ريح الشط المتطايرة في النافذة البحرية، فتناثرت لها شظايا الفحم كمهرجان للألعاب النارية.أرقبها وهي تغط في نوم يتأرجح بين صفير ولهاث، والريح والموج يواصلان سباقهما الشتوي، الذي يزداد حدة في الليل، يختلط الصفيريين و اللهاثين في سمعي، يعم البيت هدوء ساكنيه، يصارعه صفير النوافذ ولهاث الموج، مع صفير رئتين ولهاث قلب ضعيف.كوعاء من البلور هي، تلك التي لا تقف في وجه ريح الشط من النافذة، ولا تقفز الدرج اثنتين، لا تلعب (النقيزة) برجل واحدة، ولا تجلس على أرض عارية، ولا تمشي فوقها حافية، تحتمي خلف أكوام الصوف والدثار كلما لاحت لي لعبة مسلية، آه كم هو ثقيل يوم الجمعة في وجودها المثقل بالموانع والمحاذير والصفير، مغادرتها فتح للمغاليق، وبدء للتجول، واسترداد للدفء؛ الذي لا يخرقه صفير يبعد النوم عن أجفاني.أنا لا أعرف كيف يموت الناس دون غرق في البحر الهائج؟ أو في شط يلفظهم غير ذاك الذي ابتلعهم فيه؟ خاصة من لا تطأ أقدامهم المغلفة بالجوارب رماله المبلولة، لكني ذات ليلة رأيت "نعيمة" متحررة من كتل الثياب الثقيلة، وقد أبقت على قفطانها المخبخب، وضفائرها تتدلى في مرح مزينة بشرائط "أمي" الملونة، بدت سعيدة، اقتربت مني وابتسمت، لم تتكلم، ولم أسمع لها صفير ولا لهاث، ثحلقت في فضاء الغرفة البحرية حيث أنام وأخواتي، وطارت كطائر نورس صغير صوب النافذة المغلقة المطلة على البحر

Sunday, March 11, 2007

Spring Time

photo credit:Laila Neihoum
ينتق زهر اللوز هذه الايام في - أويا - طرابلس - تحت المطر الذي لم يتوقف منذ يومين
Almond flowers
Spring Time In Tripoli
***

Camomile Tea by Katherine Mansfield
Outside the sky is light with stars;
There's a hollow roaring from the sea.
And, alas! for the little almond flowers,
The wind is shaking the almond tree.

In the memory of Van Gogh


عزيزي فنسنت

شعر: بريدا سوليفان
ترجمة: ليلى النيهوم

غرفتك في آرل
معلقة على جدار ابيض
قبالة سريري
اغير الملاءات
واربت المخدات
اضع زهورا جديدة في الجرة

افتح النافذة
انتظر
خطوك
على الدرج
عرقك
يملأ الغرفة
" دوار الشمس"
كرغيف خبز
مدهون بزبد سخي
على الكانفاس
على يديك
فيما نجوم
" مقهى رصيف"
تومض ليلا
عميقا في عينيك
وفي " اوفيه"
فوق حقل قمح
هناك تغيم السماء
وتتجمع الغربان