Wednesday, June 27, 2007





روبن داريو : الشاعر المدرسة

قريباً من نهاية القرن ما قبل الماضي كان شعر العالم المتكلم بالإسبانية فاتراً وضعيفاً وأشبه بجثة . قد احتاج إلى حياة جديدة واتجاه آخر .احتاج إلى دماء في أوج فورانها وإلى حزن هائل وإلى تأمل دقيق في الحياة .كل هذا فعله فيلكس روبن غارسيا ساومينلو ( 1867 – 1916 م ) الشاعر النيكاراغوي الثوري الرائع الغريب ، لقد غيَّر مجرى الشعر الإسباني ، أدخله في الاتجاه السائر نحو حداثة القرن العشرين ليسمي نفسه روبن داريو

قال عنه لوركا (1) : " وضعنا في البحر مع فرقاطات ، الظلال في عيوننا , منحنا همس الغابة في صفة ، لكونه سيد اللغة مثل فراي لويس دي غرنادا ، اختلق أبراجاً فلكية من شجرة الليمون
ليعقب نيرودا بأسى : " آلام قلبه المبرحة , هبوط إلى مستشفيات الجحيم
في قصيدته " حتم " يقول روبن داريو



الشجرة سعيدة لقلة إحساسها
الصخرة الجلمود أكثر سعادة فهي لا تشعر بشيء
لا ألم أعظم من العيش
ولا حملاً أثقل من الحياة الواعية
أن تكون
أن لا تعرف شيئاً
أن تفتقد سبيلاً
الوجل مما كنت
ومن فظاعات المستقبل
الرعب الواثق من أنك ميت غداً
أن تعاني طيلة الحياة
عبر الظلام
عبر ما لا نعرفه
بالكاد يخامرنا
الجسد الذي يغوينا بعناقيد عنب باردة
اللحد الذي ينتظرنا بزهور الجنازة
أن لا نعرف إلى أين نمضي
ومن أين أتينا


يقول أوكتافيو بأن (2) : ( وفقاً للمراجع كان القرن السادس عشر والسابع عشر العصر الذهبي للشعر الإسباني ، ثم فجأةً خلى المسرح ، كأنما العرض بأكمله كان أوهاماً أكثر منه حقيقة تاريخية . لم يبق شيء ، أو لا شيء غير أطياف أشباح . ثم ، وقريباً من نهاية القرن ، كل شيء تغير مرة أخرى ، هكذا فجأةً ، هكذا عنيفاً . انما بعد سنوات قلائل لاحقة قامت اللغة الإسبانية على رجليها وعادت للحياة مجدداً. أقوى . أوضح . أكثر تحكماً .
كان روبن داريوالجسر الواصل بين السلف وجيل الحداثة الثاني . أسفاره المتعددة ونشاطه الوافر نيابة عن الآخرين جعلاه نقطة الوصل للعديد من الشعراء والجماعات الشعرية المبعثرة بين القارتين . كان أيضاً مراقباً وناقداً . إن تطور شعره ، من " بلو " إلى " قصيدة الخريف " يتوافق مع تطور الحركة الشعرية ، التي بدأت معه وانتهت معه . لكن شعره لم ينته مع الحداثة ، لقد ذهب أبعد منها ، أبعد من لغة هذه المدرسة وفي الحقيقة أبعد من أي مدرسة شعرية . لم يكن داريو فقط أغنى وأكثر شعراء الحداثة العظام غزارة ، كان أحد أعظم شعراء الحداثة . كان شاعر أمريكا اللاتينية ) .
يرى لوركا في رثائه لداريو : " كان صوته ماء ونترات في أثلام لغتنا الجميلة "
يتخيَّل نيرودا : " الليلة دعونا ننحت تمثاله من الهواء ، يتقاطع بالدخان والأصوات بالظروف وبالحياة ، مثل شعره العظيم يتقاطع بالصوت والأحلام لوركا :" ولكنني أريد أن يُظهر تمثال الهواء هذا دمه مثل فرع مرجان يتلاطمه المد والجزر ، أعصابه مثل صورة من برق خلب ؟ رأسه المينوتوري ، حيث لون الثلج الغنغوري سرب طيور طنانه ، وعيناه الغامضتان ، عينا مليونير ، ملايينه دموع ، وأيضاً قوام شعره العظيم الخصب يقف شامخاً خارج المعتاد والأشكال والمدارس

في قصيدته : في الخريف يقول روبن داريو


أعرف أن ثمة من يسأل

لما لم يعد يغني بنفس الجموح القديم
لكنهم لم يروا جهد ساعة
منجز دقيقة
ضخامة عام

أنا شجرة هرمة

في يناعتي
صدحت بصوت عذب غامض

عندما داعبني النسيم
ولى زمن الابتسامات الفتية بعيدا

الان يلزم إعصاراً يعصف بقلبي ليغني

فعل داريو أكثر من الجميع ، في العروض وفي الأسلوب كما الحال في روح الشعر . نصر داريو لم يمر بدون عناصر مفاجئة وخصوصاً كونه ولد في العالم الجديد ، مؤدي به بشكل تام من قبل الجماعات المثقفة في البلد الأم ، في مدريد . إن احتضان الكتاب الأسبان لداريو كان عظيماً ومخلصاً , لكن ، بينما فعل كل ذلك ، لم يفقد أبداً قوته المحلية ، كان ، وكان يعرف من يكون – أمريكيا أسبانيا . لقد غنى لجنسه ، لقومه – بفيض من حب وحنو ، كان في أوقات طفولي المنحى . " (3

هدأة الليل .. هدأة ليلية حزينة
لم ترتجف روحي هكذا ؟
أسمع دبيب دمي
وتعبر عاصفة ناعمة دماغي
أرق

يجافيك النوم . تظل تحلم
أنا العينة الآلية للتشريح الروحي

هاملت الآتي لأخفف حزني
في خمر الليل
في بلور الظلام الرائع
أسأل نفسي : متى يحل الفجر؟
أحدهم أغلق باباً
أحدهم مر
الساعة دقت الثالثة
ليتها كانت هي

!
ولد روبن داريو في 18 يناير 1867 م في دولة نيكاراغوا وتوفي فيها في 6 فبراير 1916 م . تلقى تعليمه هناك عندما بلغ العشرين من عمره سافر للخارج ، زار تقريباً معظم البلدان الغربية وسافر بكثرة إلى أوروبا منذ 189 م . عاش لسنوات عديدة في سانتياغو بالتشيلي ، بوينس أيرس ، مدريد ، باريس . ترجمت العديد من أعماله الشعرية وبعض قصصه ومقالاته إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والبرتغالية والألمانية وبعض اللغات الاسكندنافية ليقول في قصيدة

أريد أن أعبر عن ألمي في أبيات تحكي
شبابي المتلاشي ، زمن الأحلام والورود

هذا ما عبر عنه في قصائد إضافة إلى شعريتها الفريدة مكتظة بالألم , برفرفة أجنحة جريحة في سماء الروح
ترجمة وعرض : ليلى النيهوم

-----------------------------------------------------

هوامش

(1)- مقطع من كلمة لوركا ونيرودا المشتركة في نادي القلم ببوينس أيرس 1933 م

(2)- أوكتافيو باث : ثناء أعمال روبن داريو . من مختارات شعرية لروبن داريو 1988 م
(3)- من إحدى عشر قصيدة لروبن داريو . بوتنانم سونز

(4)- القصائد من مختارات شعرية لروبن داريو . 1988 م . جامعة تكساس (5

المادة القائمة عليها القراءة والترجمة من : دريانا كوم




مـــاذا ترى


قصة : بيـــــري كمر
ترجمة: ليلى النيهوم




ماذا ترى؟
صمت
ماذا ترى يا جيري؟
استفاق فيما عبرت وجهه لمحة الم ، ربما لم تكن الما بل خوفا . سال العرق فجأة على جبهته . على ان اتوقف
جيري
عندما اعد الى ثلاثة وأفرقع إصبعي سوف تستيقظ
واحد- اثنان - ثلاثة
فرقعة
انشرعت عينا جيري على وسعهما بقوة . كان العرق غزيرا على جبهته . اعلمتني عيناه كم كان سعيدا لاستيقاظه وان لم يكن مدركا من يكون , أو كيف أتى الى هنا
رويدك جيري . خذ نفسان عميقان
فعل ما أمرته به . تنشق نفسا ، ثم الثاني
ماذا رأيت؟
مرايا نوافذ مرتبة مثل القبور. كم هي مرعبة يا دكتور . الآلاف والآلاف منها
هل كان ثمة أسماء على القبور؟
تراءت لمحة من جيري القديم عندما أجاب غاضبا
لا يا دكتور , لم تكن قبورا , لا شيء الا مرايا ونوافذ مرتبة كأنها قبور , كم كان مشهدا مرعبا
تأملت في إجابته محاولا تصور المشهد
هل كان ثمة شيئا أخر رأيته ، شخصا ما ؟ هل تكلمت مع احد؟
تنهد بعمق وسهم بعيدا عني فيما كان يركز فكره في الصورة التي في ذهنه
لا لم يكن ثمة أناس
توقف برهة
اتعرف كان ثمة وجه , وجه رجل أو لعله طفل يعتريه الم فائق
أثارني الأمر، سألته
هل تكلم الوجه؟
هذا هو الجزء المخيف فعلا. كان الوجه محاطا بسحب أو دخان ومتيبسا في صرخة صامتة
توقف جيري غارقا في أفكاره
انتظر ، أظنها لم تكن صرخة ، بل صيحة لالا
وماذا حدث عندها ؟
لا شيء ، كان هناك الوجه فقط معلقا فوق مقبرة النوافذ والمرايا ، مجمدا في صرخته تلك
شيء ما حيرني , لذا سألته
تقول إن هناك مرايا ونوافذ ، كيف أمكنك أن تميز المرآة عن النافذة ؟
رأيت تعبير وجهه يتغير ، كان متفاجئا ، ومن ثم متسائلا ، وأخيرا بان الخوف على وجهه
ما الأمر يا جيري ؟ ماذا رأيت أيضا؟
لم يرد بشيء , انتظرته مراقبا وجهه المتيبس خوفا ، وكأنه هناك في حالة نوام مغناطيسي
جيري أين أنت؟
سألته
ولا من إجابة
جيري أين أنت ؟
سألته موقنا انه لا يسمعني ، أضحى جيري في مكان أخر غير أريكتي حيث يستلقي . مكان مكتظ بالرعب . عرفت أين ذهب . لقد اقتنصته المرآة . أغلقت عيناي وركزت ذهني . انزاح الضباب ببطء ، رأيته في المقدمة ، سجينا جديدا في المرآة . لم اكبح ابتسامتي ، كنت مسرورا لما آلت إليه جهودي . هاهي روح مسروقة أخرى تنتظرني لألهو بها في أوقات فراغي . لا يبدو أبدا أنهم يعلمون أن العقل مدخلا للروح . فليصرخوا وليصيحوا ما شاءوا ،
فليس ثمة غير الصمت في مقبرة أرواحي الضائعة
Photo credit:Rebekka Guðleifsdóttir

Monday, June 11, 2007

اذواق


العاب الزمن
قصة : ادواردو غاليانو
ترجمة : صالح عالماني

يقال عن القائلين ان صديقين كانا يتأملان , ذات مرة ,لوحة رسم, وكان الرسم – من يدري لماذا – آتيا من الصين .رسمُ حقل ازهار في موسم الحصاد
احد الصديقين – من يدري لماذا- كان يصوب نظره الى إمراة .. واحدة من نساء كثيرات في اللوحة , يجمعن زهور البرقوق في سلالهن
كان شعرها المنفلت يهطل مطرا على كتفيها
واخيرا , بادلته هي النظرة , ثم افلتت سلتها , ومدت ذراعيها – من يدري كيف – واخذته اليها
استسلم هو للذهاب – من يدري الى اين - وامضى مع تلك المراة الليالي والايام – من يدري كم منها – الى ان انتزعته ريح قوية من هناك , واعادته الى القاعة , حيث لايزال صديقه واقفا قبالة اللوحة
كانت قصيرة جدا تلك الابدية , حتى ان الصديق لم ينتبه لغيابه , حتى ان الصديق لم ينتبه لغيابه . ولم ينتبه كذلك الى ان تلك المرأة , واحدة من نساء كثيرات في اللوحة , يجمعن البرقوق في سلالهن , صار شعرها الأن , مربوطا فوق رقبتها

Tuesday, June 05, 2007



U F -o- I

The hyena – skyclad witch
the fake gipsy
of guilt – surfed seed
of low clay
the ultimate frog of imitation
the hissing envy machine
not caring for our
blind allays of tolerance
starving after our shakras,
pure shapes,
serenity of high descend
our belonging to the dense texture
she coiled , evoking
thought - deep in hate


Laila Neihoum

Benghazi 2-6-2007

تصفر بها وفيها الريح
- 5 -

ما الذي لم نفعله وفعلته هذه النار المندلعة في هشيم ذكرياتنا , الراكضة شررا في بقايا ضحكنا ورذالات طفولتنا , الماحية مخربشاتنا عن الجدران , حروفنا عن جذوع الأشجار , شعاراتنا عن كل نخلة زرعت يوم مولد احدنا وُسميت له ودُست فيها أول خصلة شعر مقصوصة منا لكي ننمو طوال شامخين كرام مثلها؟
عندما ا استطالت قاماتنا قليلا واشتدت سواعدنا لحتى نرمي الحجر فيساقط لنا البلح الأحمر" البرلسي" من النخلة العالية التي نجمع على تفضيلها عن كل النخيل الاخر بشتى صنوفه, نتزاحم لجمع البلح والرطب السليم مما سقط تحتها محاذرين العقارب التي لها مثل ذوقنا تجذبها رائحة الغمق
بدأنا نحس بالفروقات بيننا في الملبس وفي الشكل وفي اختلاف الأسماء ودرجات القرابة , في ما اذا كنا من سكان الوسعاية أم نحُل ضيوفا معتادين عليها صحبة امهاتنا المتزوجات خارجها , في كوننا بنات وكونهم أولاد , في تبرمنا الجديد من لعبة الهنديان والكاوبوي والبنديتي والحلت والوابيس والسوبرمان , بدأنا نخجل من ركبنا المشوهة , مرافقنا المتقرحة بعد أن كنا نتسابق في نكأ الجروح وتقشير البثور والاستمتاع بذلك لحتى نتعمد السقطات والاصطدام بالاشياء لننال جروحا ننتظر يباسها بفارغ الصبر لنجلس في العشيات بعد ان يهدنا التعب نقشرها او نختبر درجة يباسها , نتوقف حين يخرج الدم متيقنين انها لازالت تحتاج يوما او يومان على الارجح لتطيب
بدأنا ننظر بنصف عين شاكة لقفزنا فوق الأسطح المشتركة , التسابق في اعلي البلاعيم والحناجر بيننا , اقوي صرخة طرزان دويا لحتى تهج لوقعها الطيور واليمام من الأشجار, ابتلاع قطع الحديد , عواء الذئاب في الليالي المقمرة تقليدا للمذؤب في الفيلم الذي عرضه لنا الخال في الغرفة المظلمة على شرشف الجدة الأبيض الذي علق على الجدار وتطلب الأمر لحظات ارتباك لتوجيه الصورة المنبعثة من جهاز السينما الذي اشتراه الخال براتبه المجزي , ذلك المذؤوب الذي تمنينا أن ينبت لنا مثله شعر علي أجسادنا الهزيلة وأنياب حاولنا تقليدها بباطن قشور البرتقال التي نحتناها بدقة , بإجادتنا قلب جفوننا , جرينا بهيئاتنا الجديدة وراء الصغار الخرعين
جاء وقت النظر في المرايا - إطالة الشعر بعد أن كان صبيانيا قصيرا , الصبر تحت وطأة امشاط الكبيرات والجدات , تحمل شدات التضفير على مضض فيما عقولنا التي مازالت تحن للشقاوات تحضنا على الفكاك , حان زمن مداواة الركب والأرجل والمرافق من آثار السقوط , خمش الجدران , وخز سل الجريد , جروح أغصان الأشجار , احتكاك الارجل والمؤخرات بالتراب الخشن حين التعلق الخفيض بالعربات القادمة والراحلة في غفلة عن سائقيها , تقشير البثور الممتع , محاذفة الأولاد الغرباء بالحجارة من فوق سور السانية المحمي بكسارات القناني المهشمة , المزنر بالهندي العدواني الأشواك , متلقين الكدمات التي نتأت بسببها جباهنا – نستنطق المرايا أشكالنا وما تحمله من إمكانيات تحول الضفادع الخضراء الناقة بلا هوادة إلى أميرات جميلات , والشعر المُصفر المقصف جراء الشمس إلى جدائل حريرية صقيلة ,و الوجوه الملوحة سمرة وخدوشا إلى بياض الثلج ,و أرجل الجراد إلى سيقان بضة ,و الإقدام الملتوية الأظافر إلى أقدام سندريللات رقيقات , والأصوات المتضخمة إلى همس ناعم
بدأنا ننتبه للبنات الهادئات اللاتي لم يشاركننا لعبنا قط , كن يقبعن وراء الأبواب المفتوحة في البيوت المتداخلة , يعشن حيوات وأوهام تختلف عنا , يطعمن الدجاجات والبطات , يجمعن التين والبلح , ينقين الزيتون الأسود المفضل يغسلنه , يغمرنه بالملح الخشن , يضعنه في زكائب الخيش , يثقلنه بالحجارة فوق الأمكنة المائلة لينزف مرارته , يساعدن الأمهات في صنع الخبز وتثقيبه بشعارات العائلة المتوارثة قبل إرساله معنا الى الكوشة - المهمة التي بدأت تسند لنا في عمرنا الوسيط الغامض المشاعر والأوهام - غسل الصحون , تنقية الرز , تعلم تبويخ الكسكسو مبدئيا في قدور فخارية من دورين بأحجام طفولية , الكيك في قوالب مصغرة صنعت له خصيصا في مصنع الحديد العائلي المتوقف في السانية الذي يشتغل بين الحين والأخر حسب نزوات الحس الفني لدى الأجيال المتعاقبة , لملابسهن المزركشة بالشرائط الملونة وغرزة عش النحل والخرابل , الأكمام المنفوشة , الشباشب اللامعة , الشعر الصقيل المجعدة اطرافه , السوالف التي تنزل حلزونية فوق الأذان الرقيقة ورائحة الصابون المعطر المنبعثة منهن أينما تحركن وأصواتهن الهامسة , ضحكاتهن المكتومة
. كانت البنت الهادئة أول اكتشافات تحولنا الجديد , بقينا في البيوت نراقبها , تعود كل يوم من المدرسة يصلنا سيل دموعها منحدرا من الباب الكبير مارا بالبيوت المفتوحة على بعضها , حتى بيت الطيب وصاحبة الحضن الحنون . نجري لنستطلع أخر تطورات رفضها لأسمها الثاني , إصرار المعلمين والمعلمات على مناداتها به يوميا وقت تسجيل الحضور والغياب , طقس كانت تعتبره تعذيبا لا يطاق , وهو السيل الذي لا يمكن ان يراه احد غيرنا بخيالنا الجامح , فيما يكتفي الكبار ذوي النظر المحدود برؤية دمعتان على خدها الجميل . كنا نحزن لأجلها ثم نناديها به نكاية حين تتنصل من اللعب معنا
كنا نراقبها دائما , نرى فيها مخلوقا غريبا يخشى الخروج والاختلاط , يكره أن تتوسخ قدماه بحبات التراب التي كانت تثير فيها الرعب . كم تمنينا ونحن في أوج شقاواتنا وأصواتنا المبلعمة أن نراها ولو في الحلم تختلس النظر إلينا من خصاص سور البيت الخشبي المشبك الذي تتسلقه الياسمينة الشامية وتجمم فيه نبتة اللنتانا بزهورها الشبيهة بمفارش الدانتيل التي تحبكها العمات لتتنازل ولو قليلا عن ملكوتها المختلف
كانت هاجسنا , أول بذور شكنا في حالنا المائص , في ألعابنا الصبيانية , تقف ظلا حائلا بيننا وبين استمتاعنا بحالنا . لم نجد لها شبها في كل قصص المغامرين والمغامرات التي قرأنا , ولا بين جميع البنات ما بين البيوت وباحة الوسعاية ودروب السانية
تجلس لساعات ترسم بالألوان المائية لوحات جداريه على أفراخ الورق الكبيرة الموصولة الى بعضها البعض بغراء مصنوع من الماء والنشا المطبوخ قليلا على النار- الوصفة التي سنجيدها مستقبلا وننتج من وراءها إشغالا يدوية ستنال استحسان معلماتنا وحسد زميلاتنا وغيرتهن - ترسم بلا ملل وجوه تشبه مغنيين يحملون أشجارا كثة على رؤؤسهم يسمون الخنافس , نساء شعورهن طويلة غجريات الملابس مكتظات الأساور والسلاسل , نوتات موسيقية , مفاتيح صول , كانت تلصقها على جدران الغرفة المتشققة
كانت تنهمك أيضا في أوقات أخرى في أقامة أعياد ميلاد لعرائسها , تحضر قوالب الحلواء المصغرة تزينها بالمربى , تخرج مبتعدة عن المطبخ , كأنها تعرف أننا سنعقبها لنلحس عوالق العجينة عن وعاء الخلط , لنخرج بعد قليل تفوح منا زفرة البيض المخفف ببشر الليمون ونقاط الفانيليا , لنراها جالسة في وسط الحوش تصفف شعر العرائس بعد أن البستها ملابس جديدة خاطتها بمساعدة الحنون من بقايا الأقمشة الزاهية الألوان التي كان الطيب يجلبها بشق الانفس , بالتقتير هنا وهناك في عوائد حلقات كتابه في الجريدة اليومية , لتخاط ملابس عيد للشقية والهادئة وأخواتها , من موديلات مأخوذة من مجلات الماني دي فاتا والبوردا
نقف في عتمة العريشة تنقرشنا ظلال ورق العنب , ترتسم على وجوهنا بين ضؤ وظل زخارف انعكاساتها ندعو الله أن لا تفطن لنا وهي تهمس لعرائسها التي اكتشفنا بينها عرائس لنا كنا قد مزقنا أوصالها وجعدنا ملابسها ونفشنا شعورها الصناعية لحتى تعجز أيما فرشاة عن تمسيدها تُسندر بين العرائس الأخريات مرممة , ترتدي ملابس جديدة , ينتظم شعرها في جدائل مُسرحة تزينها شرائط البارا الملونة , تبتسم من وجوه نظفت جيدا
تلتفت , ترانا كأنما عرائسنا المتحولات وشينا بنا انتقاما ., لم ينسين ما فعلنا بهن ونحن نلعب بهن بخشونة إرضاءً للكبار الذين أقحموهن في حياتنا الراكضة الرافضة لألعاب تقتضي الجلوس والصبر والمناغاة , محاولة منهم لإلهاءنا عن شقاواتنا المريعة , تقترب منا ونحن أقدام تتحين الإقلاع , ممتقعات ندرك ان الدخول الى عالمها يعني التخلي عن كل ما نحب وتكره هي , يجمدنا الإغراء في عتمتنا المنرقشة , يدوخنا عبق الياسمينة , يحمل ذنب تلكؤنا وعدم فرارنا من أمام تقدمها القدري نحونا
نحاول اللعب معها متحملات أوامرها لنا بأن نغسل إقدامنا ووجوهنا وأيدينا لتجلسنا بالدور أمامها تسرح شعرنا وتعقده – يا للهول - في تسريحات معقدة عالية , تجعد سوالفنا بمفك البراغي المحمي على نار الفرن لُتشم في أرجاء الوسعاية والسانية رائحة شياط سالف الشقية الأيسر, التي تحفزت في أخر لحظة للفرار من هكذا مصير ناعم قبل فوات الأوان راكلة سالفها المحروق ملتصقا بمفك البراغي الذي سخن أكثر من قدرة شعرها المقصف على الاحتمال. مطلقة صرخة طرزانية مروعة كانت وسيلتنا الوحيدة للتعبير عن غضبنا , كانت دموعنا الصوتية.
لم تتركنا الهادئة في حالنا , عششتنا في دماغها الذي يعمل على غير شاكلتنا وكأنها تتحالف مع الكبار او تنتقم منا ومن طفولتنا المشبعة الى اخر قطرة حيوية فيها , او لتعلن حين تدجننا سقوط معاقل شقاوتنا , انتصار منهجها الراكن للبيوت والمنصاع لباترون التقاليد
ظلت الشقية لأيام تنفش شعرها , تقربه من وجهها لتغطى الخصلات المحروقة , ُتلمح تجوب الوسعاية التي أصبحت تخلو في ساعات اللعب من باقي العصابة يلهيهم الشارع عنها او يلعبون في الزوايا القصية البعيدة عن البيوت قريبا من مجالس الرجال مع اولاد جيران سمح لهم لأول مرة دخول الوسعاية في محاولة من الكبار لابعاد اولادهم عن الشارع ومخاطره اخذا بسنة الجد . تعفر رجليها عميقا في التراب لحتى يكاد يصل ركبتيها , تتسلق شجرة المشمش في الجنان الملحق ببيتهم مطلة من بعيد بجوار الحرباوات الساكنات الشجرة على وسط الحوش البراني تراقب الهادئة من بعيد , تقلب الأفكار الشيطانية والخيرة معا , مرهقة الوجدان ووحيدة حتى تُعتم , ويحل المساء ,فيأتي الأولاد صغارا وكبار ليلعبوا الحلت والوابيس وال الآبيبا
لم يفطن لحالها احد غيري , ساءني ما تعانيه , أخافتني رجلاي الخائنتين اللتين أصبحتا تمضيان بي بعيدا عنها
واقرب مما يصح من الهادئة وتسريحاتها التي استهوتني وعكست عني وجها أحببته في المرايا

Photo credit:Bettina Hansen


First
There was only me
amateur flutter,
throes unsure
Then was You,
heart-borne soar,
overloaded light.
A sea of colors true.
Now all is you,
the Jazz,
the String, the
hums of Blue.

30th.May.07
‘sequel’



There is only Me.
but if you want
I can be two,
and if you must
then count me three,
for all they are
is You;
these pieces of Me.

‘prequel’

Tiggy Ibrahim

Saturday, May 26, 2007

تصفر بها وفيها الريح


4
عندما كان يصل على دراجته الشهيرة وينزل عنها ليركنها جوار الباب الكبير , كنا نركض إليه نصرخ بإسمه مرفوقا بدرجة قرابته لكل منا فرحين يبهرنا شعره الأبيض اللامع في الشمس , أوراقه التي يحملها في اضبارة عتيقة , بذلته الأنيقة , ابتسامته الرائعة . كنا نتقافز حوله , نتمسح به , يربت على أكتافنا , يهش شعرنا , يحمل أصغرنا , يمضي أمامنا ونحن من حوله كتيبة من الحب ومن التسول الخجل لقروش لا تخلو منها جيوبه
طيبته لا مثيل لها , صبره فائق , كان يجلس لساعات يفكك الحروف من لغة غريبة لينقلها إلى لغتنا في كتب كان ينشرها على حلقات في الجريدة الواسعة الانتشار التي يجلبها الكبار , يتحلقون حولها يقرؤها احدهم , يستمع الآخرون هازين رؤوسهم , متمتمين بعبارات تنم عن الاستحسان وتحليلات نعجز عن فهمها حين يهدنا التعب فنتوسد ركب أمهاتنا نغالب النعاس , نراقب الهوام والحشرات تتزاحم على المصباح في فناء البيت الذي تسقفه عريشة العنب وتتسلق على جدرانه الياسمينة الشامية ذات الأريج الذي يتسلل لأحلامنا فلا تعود مثل أحلام الآخرين
كان يخلق مما يعجز عن قوله مباشرة مدارة لأخطاء الآخرين وحسن طبع منه مسرحيات زاخرة بالعظات الأخلاقية والدروس المستنبطة من معاركة الحياة , كانت مربوعته تزدحم بالمسرحيين والكتبة والممثلين , نختبئ وراء خصص النوافذ المطلة على مجلسه , نتلصص عليهم , نبحث عن شبه بينهم وبين جلاس الاستراحة القدامى رفاق والده لابسوا الطرابيش محتسوا الشاي باللوز الذين استجلبنا ذكراهم , أصواتهم , وقارهم في حلقة أيدينا وقلوبنا المتماسكة
كان يعرف إننا هناك , يعرف إن البنت الشقية الوحيدة المسموح لها بحضور المجلس تختبئ وراء الستارة بعد أن صرفها حين اخذت تلفت وجهه بيدها نحوها طوال الوقت وهي تجلس على ركبتيه متسعة العينين مبتسمة بخبث لنا , لا تريده أن يتحاور مع الآخرين استئثارا به . أزعجه تملكها والغرغرات اللغوية الزهراوية التي تلجأ إليها حين تعييها الحيل , تمد أصابعها الطويلة , تتشقلب مثل المهرجين , , تقلب جفونها ليبين باطنهما الأحمر , تُجحظ عيناها تستدران اهتمامه وضحكات الضيوف, كان يلمح قدميها المعفرين في الحذاء المتهرئ مقدمه- من ملاحقة " البرنجية" وركل الأحجار بحثا عن العقارب - خلف الستارة حيث تختبئ فيبتسم حنوا
يا لصبره لم يركل ناصر مثلما يفعل الآخرون حين يؤتي واحدة من أفاعيله الشقية - ناصر العارف لكل شيء , الملم بكل تحركات المخلوقات على اشكالها في زرائب وإسطبلات وأعشاش الوسعاية والسانية ,- حين أقنعنا لنري الكلبة التي ولدت جراء قال إنها تختبئ بين كتب الجد الأكبر العتيقة ذات الرائحة الغريبة في المخزن المتاخم لجبانة الرعب . كانت الصناديق تحوي علوما صوفية وما ورائية قرأت الشقية ذات مرة بعضها خلسة قبل أن يخفوها عن متناولها في هذا المكان المرعب , وقت اكتشفوا فعلتها بعد إن ساورتها حمى غريبة و هلاوس واقشعرار بدن تلبسها من بعض الكتب في تحضير الأرواح ومكالمة الموتى وتسخير الجان وغيرها من علوم صفراء حاولت تطبيقها , ليقرؤوا عليها القرآن ويكبروا في أذنيها طويلا قبل أن تستفيق من غشيتها وتبل من حمتها
تيبست أرجلنا وتعثرت في تحفزها فيما وازنت أنفسنا الأمارة بالمغامرات بين إغراء الجراء المكتنزة , وبين مخالب الموتي الأخذة بتلابيب السابلة الذين تخونهم أرجلهم وتقترب بهم في غفلة نحو القبور التي يرى على بعضها- في بعض الأحيان حين ينكشف النظر- ملابس مغامرات راقديها الليلية متروكة على الشواهد بعد أن تنكرت بها للطريق تستوقف العابرين من مقاهي البياصة والسينمات المتناثرة , تركب معهم في سياراتهم تثرثروتتبادل معهم أخر الأخبار والإشاعات لتزيل مللها ووحشتها السرمدية فيما تخفي حوافرها تحت ملابسها الطويلة الفضفاضة تحرجا لترجع قرب الصباح الوشيك إلى مثواها الممل
مضينا معه رتلا يؤخر ويقدم , نبضا موحدا متسارع داخلنا , واجفون مأخوذون نتحين المرائي والتمثلات التي تُرى بلمح البصر , نتوهم الأصوات المتحشرجة , نحذر من قرب سدول الظلام
لعبنا مع الجراء من بعيد معجبين بألوانها واكتنازها وتشقلبها على بعض تنافسا للرضاعة , ننظر برعب إلى الكلبة الأم المزمجرة مكشرة عن أنيابها خوفا على جراءها متناسية صداقتها لنا , نتأمل المكان الذي ندشنه بحضورنا الأول , نتفحص عن كثب ناصر صانع الأعاجيب بإعجاب شديد , نحك كثيرا مثل أي كلب أجرب , ثم يزداد حكاكنا وهرشنا لننتبه للبراغيث تغطينا , تُعتم ألوان ملابسنا الصيفية الزاهية, نخرج نتراكض صارخين نتقافز من وقع قرصات البراغيث ليتلقفنا الطيب المفزوع ينهرنا بهدوء مطمئن بعد ان يستوعب ما جرى , يأمرنا بالصمت ليدخل البيت المفتوح الذي تغيب عنه الأمهات والشكر لله - متذكرين شباشبهن اللاذعة للمؤخرات وتوبيخهن الذي يطن في الأذان لأيام طوال- في زيارة لقريبة نفساء تسكن خارج الوسعاية - يُحضر بخاخ المبيد الحشري , يبخنا مغمضي الأعين مكممي الأنوف متمتما لنفسه أشياء عن شقاوتنا والحبال المطلوقة على الغارب والوقت الثمين الضائع في حضانة العيال الذين
تتلبسهم الشياطين
يتبع
ليلى النيهوم
painting by Linda Paul

Thursday, May 24, 2007

Bahia Drums


Tiggy wrote back from Bahia:
Drums, the heat of Salvador,
Moister in the air from a hundred mouths
Cheering the dancers, descendants of the black slaves
Reliving their history .
The club I sit in is an old sugarcane plantation
A mansion of Portuguese masters and African slaves
The lower basement where slaves were kept is where the venue is, people local and tourist flock to see the dance of the pagan gods and the fighting of the slaves.
Young bodies slicked with palm oil
Delicious chocolate girls, fluid and sensual
Shaking their wild manes at the audience
The young men, proud cockerels
Stomping and preening
Light as feathers in a fury of the fight choreography
Kicking at each other’s heads to an escalating
Tempo of tam-tams under the ham like hands of an
Amazingly huge drummer .
Somersaulting in the air, the young men strut to the edge of the stage to shout at the audience who’s female part react with shrieks and flirty shouting ,
This from the darker side of the stage, for even in this day , there is a white side and a black side.
As a second phase begins, the young men start to shuffle and shove each other, the reason becomes obvious as one of the girls walks to the center
Starts to dance, then picks one of them and dares him to keep up with her.
As the young man leaps to defend his prowess, she leads him through a series of provoking moves as they move around the stage to the instinct rousing music and the crowd pounding on the tables.
The girl clearly disqualifying the young man, casually
Kicks him off the stage and with a last shake of her hips gives the floor over to the next girl before leaving.
On it goes , and as the show continues the blood of the crowd warms and not even the white tourists can keep themselves from being lured into the dance, butchering the moves with the comic abandon of a people who have no concept basic instinct.
Capoeira Angola: Fluid, dance like movements done close to the ground. With shifty rythmic movements, combined with the look of playfulness or vulnerability an adversary is brought to defeat. The basic technique through which the Capoeira Angola player develops the game is the Ginga, a shifty side to side movement. At the heart of the art is the music lead by the Berimbau, a steel stringed bow instrument with a gourd resonator. When Capoeira Angola is played the Berimbau signals the beginning and the end of each game, and governs the style and speed of the play. The Berimbau is usually joined by the Pandeiro (Tambourine), the Agogo (African bell), and the Atabaque (a conga-like drum).

Monday, May 21, 2007

تجريب : Mckenie Wark -GAM3R 7H3ORY



الكتاب المستقبلي


إذا كانت عملية الكتابة قد تطلبت من بعض الكُتاب والمؤلفين سواء المعاصرين أو من قبلهم عزلة شديدة حرمَتْ على أهل البيت دخول معتكف الكتابة فيما عدا واحد فقط ، يدعو كاتب الانترنت الروائي ماكنزي وارك صاحب رواية هاكر مانيفستو في المقابل ، الجميع بمن "فيهم الغرباء لمقاطعة أفكاره الكتابية لروايته نظرية اللاعب "غامر ثيري
بخربشاتهم ومقترحاتهم على هامش كتابه الالكتروني الذي يكتبه ذلك عبر موقع خصصه والتعليقات عليها ، فإذا أعجبته تعليقاته يلملم خلاصتها ويهتدي بها في تدفق النص الذي يكتبه اونلاين
كانت البداية هكذا ما يقول بن ارنولدي من الكريستيان ساينس مونيتر : بعد ذلك استسلم الكاتب استسلاماً مُطلقاً لهذه الصرعة – الانترنيتية- التي يتوالد نمطها دون وعي من المتسببين فيها حين كانوا مدعوين للتداخل في النص – أونلاين – للإضافة والحذف ماشاؤوا ونشر الاصدار الاول من الرواية وبعدها فتح باب التعليق والنقاش للأصدار الثاني من نفس الرواية تلاه الثالث ومازال العمل قائما وقد اطلعت على تفاصيل هذا الشكل الجديد واستهواني كثيرا ولعلنا سندرك - إذا كنا بعيدين النظر ومستشرفين- اننا نشهد لمحة ، إشارة، على رأي باولو كويلو على الشكل المستقبلي للكتابة وأساليبها القادمة وبالذات فيما يخص الكتب ذات الموضوعات المختلفة – باستثناء فن السرد فله جدله الخاص من هذه الناحية إذاً ستصبح الكتب هدفاً للنقاش وأكثر من كونها قيمة للاقتناء وسيصبح للكتاب دورأ اجتماعيا مشتركاً أشبه بدور أوبرا وينفري الذي نشاهده تلفزياً والذي يتورط في نسجه المُشاهد والمُعد والضيوف
تقول باولا برينشتاين ، وهي كاتبة مقال حول اتجاه الباحث نشرته في مجلة متخصصة في قواعد البيانات ، ان الكتاب أصبح في يومنا هذا مكاناً مثلما هو شيء يقرأه المرء ، مكاناً حيث الكاتب مجرد مضيف أو مديراً لمطعم فخم في نيويورك مثلاً
لعل ما أوصل هذا الى ذاك نحو أشكال جديدة للكتابة ألتشاركية أو التعاونية ، هو ظهور المدونات الالكترونية التي خلقت لدى عامة الناس وبدون تخصيص شغف وقابلية للكتابة بشكل يقترب من الكلاسيكية والاعتيادية وتبتعد عنها نحو اشكال تجريبية يعزو معظمها الى جهل البعض الى جهل البعض بتقنيات الكتابة في الوقت الذي متاح أمامهم فضاء يجب ان يملؤه بخواطرهم ومشاهداتهم ورؤاهم وتفاعلهم مع محيطهم ، الأمر الذي رسخوا فيه من الوقت أشكالا جديدة للتعبير ولغات جديدة مستنبطة من ألحكي ومن السرعة في الاختصار لاقتناص فسحة من الوقت لتنزيل الموضوع في المدونة بين أوقات العمل ،ساعات الطعام ..مع التجاوب الذي تلاقيه هذه التدوينات من تعليقات القراء الذين بدورهم يمتلكون مدونات تحتاج إلى تعليق حول ما يكتبون
أيضا ساهمت موسوعة ويكيبيديا الالكترونية الحرة الشهيرة التي يحررها الجميع ، المفتوحة لكل من له حرفاً أو سطراً يزيده حول أي من موضوعاتها حتى وإن اختلط الحابل بالنابل والمدرك بالجاهل ، فثمة حرية في المشاركة وفي إبداء ما لدى المرء من زيادة وهذه مسألة تـُركت هكذا مبدئياً إلى حين يمكن فيه من غربلة وتنسيق سبل التداخل لمصداقية ما يـُطرح في الويكيبيديا ، وانا شخصيا كثيراً ومِراراً ما أضفت ما لدي من معلومات فيما لو أحسست ان موضوعاً ما دخلته وشعرت بأن لدي ما أزيده حتى انني شغفت لوقت قصير ٍ بمهمة إضافة المقابل العربي لبعض المعلومات التي في الويكيبيديا
هذه الأشكال المتقدمة نحو صياغة جديدة للكتابة للجميع كما هو الانترنت السبب والمدخل نحو المعلومة للجميع ، حفزت بعض الشركات مثل غوغل الى دفع هذا التغير قدماً وتحفيزه
والاستفادة منه بطبيعة حال السوق الالكتروني وذلك بإضافتها معالج كلمات أسمته - غوغل دوكس- حيث يعمل هذا البرنامج مثل برنامج ميكروسوفت وورد الذي نعرفه جميعاً غير انه يدخل الانترنت مجاناً ويسمح لأ كثر من كاتب ان يدخل الملف المشترك في أي وقت يشاء ويفعل ما يريد ، تصوروا
أضع ألف خط - لو سمحت المسافة – تحت كلمة تصوروا ، هذا البرنامج الذي شبهه البعض في الغرب كونه مثل قائمة المشتريات المتناقضة لزوجين اعتياديين أولاً ،ومن ثم ومع تطور التجربة ، أثبتت إمكانيات احتمالات أعظم ، فقد اشترك سبع كتاب- مستعملين هذا البرنامج- في كتابة رواية وقامت مجموعة من كُتاب آخرين بينهم نقاد بكتابة مقدمة مشتركة للرواية وكل ذلك أونلاين
أمر مثير غير ان التعمق في هذه التجربة المغرية سيضع تساؤلات كثيرة ، أكثرها تفاؤلا ان هذا الأمر سيكون انفتاحا ً في عملية الكتابة والتحرير والنشر بحيث يكسر احتكار محدوديتها السابقة على فئة صغيرة من المحررين وتصبح مُتاحة للجميع
وإذا كنا نؤمن كما يقول " جن مِزون" بأن المشاركة في هذا العالم المتقلص الى قرية صغيرة مترامية الأطراف والمشارب والمعتقدات والإيديولوجيات – فإننا نادراً ما سنعمل شيئاً من العدم - غير ان السؤال في ظل الأنا المرتفعة لدى الكتاب والانفرادية المعروفة لدى الباحثين والأكاديميين لمن سيعزى جهد الكتاب وكيف يمكن التغلب على تعارض الأفكار ، بل كيف يمكن الحد من الانجراف والانزياح في خلق الشخصيات والأحداث ومطها وكيف سيتمكن الكاتب لومنح نصه للأنترنتيين منع الجهلة من إفساد الأمر وكيف سيمكن لملمة الخيوط المترامية وشبكها وحبكها لخلق كتاب يخلو من الفوضى والعشوائية والهذر
اسئلة كثيرة تصح ان تكون اسئلة لكل ما في الحياة أيضا .. غير ان التجريب ممتع حتى وإن بدا للناظرين شديد الفوضى ..فمن الفوضى ينخلق النظام وتترتب الاشياء مع الزمن ، كل الاشياء التي هي اعتيادية اليوم بدأت هكذا ، غير ان درجة الوعي مطلوبة وهذه من عندي وأعود بها ا للخطوط الألف التي وضعتها تحت كلمة تصوروا ، فأنا أتصور لو ان مجموعة من كتابنا قاموا بالتجربة وتجردوا من كل شيء وكانت الكتابة همهم الأول وكانت لديهم رغبة للوصول الى طريق ما مثلا ، ثم أدع باقي ألــ(999) خطاً لباقي التصوروا لكل ما يمكن ان يكون لدينا من احتمالات المشاركة الكتابية وفي النهاية وكما يقول ماكنزي لارك : للثقافة قوانينها الخاصة للابداع

ليلى النيهوم





تصفر بها وفيها الريح
- 3 -



لكن البنت الشقية التي تجيد الخيال والمغالاة في الخرافات والعلاقات الخيالية بأقوام من كواكب قصية والنبش في الكتب عن حكايات تسقط لها الأفواه فاغرة كانت ملاذنا للشطح والإغراق في الاقتراب من تخوم التمكن من اللاممكن . لم يكونوا ليجدوننا مهما علت نداءاتهم , مهما شط وعيدهم واستعرض أنواع العقاب المنتظرة . لو رفعوا أبصارهم فوق قليلا لكانوا رأوا ظلالنا تُسحبها شمس الظهيرة على الجدران المائلة من أسطح البيوت , نستلقي هناك نقرأ ما لذ وُمنع من الكتب الرهيبة الحاثة على المغامرات في الجزر المهجورة والسفن الجانحة والجياد الناطقة و الغيلان ذوات العين الواحدة والسندباد وسيف بن ذي يزن والأميرات النائمات والقصور المسحورة والمصابيح الملبيةلأصعب الأمنيات والفتيان الأشقياء والبنات الدلوعات الباكيات والفرسان الأربعة والجبابرة المحلقين المدافعين عن الخير
ظهرت عصارة كل قراءاتنا في صناعات شبه متقنة لسهام ونشابات من نخيل السانية ومقاليع واطواف من الجريد المجدول وتدريبات على صرخات طرزانية تخلع الفؤاد وفخاخ بدائية مبثوثة استأثرت بأصابع أقدام الكبار العائدين غافلين من العمل ينزون عرقا ويتضورون جوعا , ومزيدا من الثريد مسروق من مطابخ البيوت المتلاصقة المفتوحة على بعضها وشرا شف مختفية من الخزانات ومربوطة على أكتافنا الهزيلة وسلاسل من اكسسوارت الأمهات منفصلة عن بعضها ، مبتلعة بشهية لا تجيد الانحياز لزيت السمك الكريه ، كانت الشقية اوهمتنا انها تساعد على الطيران والتحلي بقوى جبارة ، وأرجل لايكفيها ما حل بها مكسورة من القفز من أعالي الخزانات في محاولات مستميتة للطيران كسوبرمانات خارقة
كلما جئنا كنت أتحفز في السيارة لا أطيق صبرا ، ما إن ندخل من الباب الكبير "الكانشيلو" أرهف سمعي واشحذ عيني باحثة عنهم أمام البيوت المتجاورة المفتوحة على بعضها ، كنت اجري قبل أن ينزل أهلي , إلى البيت المفتوح للجميع , الذي فيه اكبر عدد كراسي وأكثر صحون وأجمل الابتسامات واغلي حضن يضغط عليك كأنك أخر طفل في الكون ، يمطرك بالدعاء والقبلات الحانية ،

كنت ابحث عن البنت الشقية القادمة من كوكب الزهرة التي جنحت مركبتها اضطرارا في الوسعاية ذات يوم- ذلك لحسن حظها كما أتصور- تمضي يومها ترسل نداءات النجدة تخاطريا الى كوكبها من فوق أسطح البيوت المتلاصقة حين تمل من القراءة وحيدة قبل قدومنا , او في فترات العقاب الجماعي التي تطالنا حتى بيوتنا خارج الوسعاية وتباعد زياراتنا اليومية لها
كم استجديتها أن تعلمني لغة الزهرة , كم طالبناها أن ترينا حطام مركبتها , كانت تكتفي بابتسامة غامضة , فتأخذنا لنزحف تحت الهندي لنلتقط بيض اذكي الدجاجات القاطات , شريرة كانت تحمل جينات الدعابة الفضائية الشرسة , لكم يرتجف جسدي في الحلم من ذكرى مقلب الشوك ذاك
اجري إلى باب السانية الخشبي المتآكل , افتحه , أغمض عيناي , انزلق مع "الدردوحة" ترفرف الريح بشدقي , لايوقفني في انحداري اللذيذ شيء , لا أخشى أن اصطدم بشيء , تحفظ رجلاي الطريق الخال إلا من حشرات "حليمة الضراطة" غبراء الحمرة مرقشة بأسود كامد تتراكم على الأعشاب الزاحفة يميني ويساري
كنا لا نقترب منها إلا لنحاول أدراك مدى الشبه بينها وبين العمة الأخرى التي تسكن خارج الوسعاية و تتشابه معها اسميا , نخجل من الغوص عميقا في احتمالات الشبه الأخر ذو الرائحة , محرم علينا نطق اسمها في البيوت المفتوحة على بعضها , يأسرنا اسمها , يلتوي متمردا على ألسنتنا غصبا عنا كلما جمعنا مجلس مع العمة البيضاء البشرة الوديعة العينين , بملاءتها السوداء كلما حلت بالوسعاية ضيفة على أشقائها الخمسة المتجاورين, نقف فاغري الأفواه ننتظر اللحظة التي ترفع فيها خمارها لنبحث عن أوجه الشبه فيزل اغبانا بالاسم المحرم ليتلقي قرصة خفية موجعة وركلة واضحة تطوحه بعيدا ليغيب النعت المنفلت في ضجة الترحيب والأحضان والقبلات الكثيرة.
لم نكن يوما حفاة أو رثي الملابس , وما كانت تربة الوسعاية الرملية لتعلق بغير أقدامنا" تُحثرب " ما بينها وبين الأحذية أو الصنادل في هندامنا الصيفي الجزء الوحيد الذي يبلى بسرعة ركضنا . وعلى كثرتنا – بسلامتنا - كما تقول الأمهات ممصمصات شفاهن خوفا علينا من العين , كنا مثل الرز , أو الكراميللا ملونين بفرح التلاقي المتجدد , تلقى بنا السيارات وأبواب البيوت المفتوحة إلى جوف السانية , نبدأ بها نهارنا وننهي بها ليلنا , نتلمس فضولنا وخصابة خيالنا في ظلامها وظلال أشجارها وعتمة الجابية والاستراحة المهجورة التي نستشعر فيها صدى ضحكات وحكي آفل وخطوات تصعد الدرجات القليلة المتخلخلة المؤدية إليها , صوت حفيف ملابس على كراسيها الحجرية المبنية على استدارتها المصقولة من كثرة القاعدين عليها بعد ضياع طنافسها التي طالما سمعنا عن قماشها المجلوب من بر الترك والمخاط على يد العمات الطارزات , الحائكات الماهرات , مكتوب على جدرانها ذكريات الأجيال التي كانت ُترسل إليها من البيوت المفتوحة صحبة الأساتذة والأشقاء الكبار المتمكنين من المواد الدراسية للمذاكرة والتقوية . رسومات جادت بها أنامل الموهوبات في الرسم . معادلات رياضية عويصة سطرها الفخورون الذين دخلوا الفروع العلمية . حروف انجليزية وفرنسية زخرفتها المتنطعات الحالمات بالبلدان البعيدة . أبيات شعر من مقرارات المحفوظات , أخرى من الهام اللحظة . أسماء وقياسات اطوال قامات لأجيال من مستعجلو الطول وإنبات الشنبات والذقون . مخربشات غريبة تدرك مجموعتنا جيدا أنها مكتوبة بلغة الزهرة المحرمة علينا . نقيزات صينية وعربية مخطوطة بالطباشير والفحم على أرضيتها نقزت عليها أجيال متوالية من البنات وتعاركن وكسرنا إيقاع نقز بعضهن" بالشمبروخ والدجاجة العوراء التي تمشي وكراعها مكسورة" وكل التفوهات السحرية التي تجعل الاخري تخسر وتعفس على الخطوط الممنوعة فتخسر نقاطها ودورها , لتتقدم منافستها فيتعالى صياحها الحانق بالعبارة التي تقلب السحر اللفظي على صاحبته : "بار على السحار, بار على السحار " فتخرب اللعبة , تتطاير البرنجيات , تُثار زوابع الغبار , ينفض الجمع إلى حين تصفو النفوس بعد هنيهات قلائل ويعاود اللعب
كنا نمشي على حواف الاستراحة نوازن أجسادنا بأيدينا الممدودة , محاذرين السقوط في الجابية الجافة , أو نجلس متربعين على الكراسي الحجرية الصقيلة, نغرس ريش الدجاجات في رؤوسنا , النشابات والسهام في جعب على أكتافنا الهزيلة , نصيح صيحات الهنود الحمر , نزحف في طقوس سحرية لجلب المطر والتخفي عن الأعداء , أو نجلس في دائرة نمسك بأيدي بعضنا , نغمض أعيننا لنتخيل السانية في أيام عزها , الاستراحة حين كانت تغص بذوي الطرابيش يشربون الشاي باللوز , يتناقشون , يهزون رؤوسهم بوقار. أو نقف أمام البئر المردوم نحاول أن نلمح من خلال الثغرات بين الجريد والأحجار والصناديق المهشمة المرمية فيه ما رأته العجوز الرائية التي جاءوا بها زمان وقت ضاع العم في الصحراء التي يجوبها من شهر لشهر بشاحنته المحملة ببضائع التجار جيئة وذهابا من أم السباخ الى بر العبيد , وما بينهما , لتدلهم إن كان حيا أو ميتا , تصف لهم المكان الذي يستلقي فيه على كثيب الرمل في الرمضاء ينتظر رحمة الله وساعة الفرج وقطرات ماء , هكذا كما قيل تراءى لها على صفحة ماء البئر الذي كان بالنسبة لها شاشة رؤية في لحظة لا تخلو من سحر وطقوس محفوظة منذ أزمان غابرة , ليحلف الذين ذهبوا لنجدته إنهم وجدوه مثلما وصفته تماما!
وقد يتهور احدنا ويحاول النزول في البئر المخيف حيث تفح الغيلان والهامات ذوات السبع رؤوس ورميم الجنود من الحروب القديمة مثقوبي الصدور و منزوعي الأعين وهياكل حملان وجدت في بطون الخراف المذبوحة , ليعلو صراخنا مجتمعا يجلب الكبار راكضين صدورهم تعلو وتهبط , أنفاسهم متقطعة , أوداجهم منتفخة . هكذا نقف دائما عند حدود ما . نحافظ على بعضنا من شرور أنفسنا.
المقبرة من بعد بئر الفحيح , كانت اللغز الأعظم الذي يتحدى جرأتنا ومعارف البنت الشقية الزهراوية , مهما ركضنا بأسرع ما في أرجلنا المجللة بالجروح والقيوح من جهد , مهما أغمضنا أعيننا ودفعنا بعضنا قدما كانت أجسادنا تقف مفرملة مثيرة الغبار قبل سنتيمترا واحدا من حافة الباب المؤدي إلي دار الصحابة والجبانة
أقف عند أسماؤنا , اجد صعوبة في فصل مآثرنا عن بعضها , في كل بيت يتكرر اسم الجد والجدة , لكل بنت وولد اسمان مركبان , يحب احدهما ويكره أن ينادى بالأخر , تفاصيل كانت تميزنا عن الآخرين خارج سور الوسعاية , تثير الحرج والحسد أحيانا , لا تفرق بيننا غير أسماء ابأءنا , أمهاتنا أخوات وبنات عم وخالات و آباءنا وأمهاتنا أقارب من كل المستويات , لولا أسماؤنا نتشابه في لون العيون , ملاسة الشعر , نسبة الجمال في كل درجاته , لون بشرة عسير الوصف , درجة الشقاوة والحيوية الزائدة , يجمعنا الهزال , لكثرة ما نلعب ونركض طيلة اليوم , نتجاهل نداءات الأمهات ساعات الغذاء والترويقات , لانذكر أسماء الأكل وأنواعه نبتلع مايقدم لنا على عجالة لا ننتبه خلالها للطعم والنكهة , لا نسمع إلا ما نرغب به , نطير مثل سرب من غرانيق طويلة الرقاب حين نسمع بوق بائع الجيلاتي امام بوابة الوسعاية الحديدي المهيب , نجلس نلحسه ببطء شديد كي يدوم طويلا , كي نغيظ من تسرع وابتلعه وجلس يراقبنا متحسرا , ليسيل من مرافقنا , يجلب حولنا النحل يحوم مهددا فيما تتحفز أقدامنا للركض عند اشتداد أزيزه


يتبع

ليلى النيهوم

Sunday, May 20, 2007

A poem 4 them


To Moh in his Birthday & Tiggy who celebrated with him.

Bahia honeymooners

She is in Bahia, he is too
daughter of Sun, son of Moon
my dear honeymooners
strolling the ex-since days - virgin
Cajaoro white astonishing beach
shells in abundance scurrying about,
adorning their love story,
a mosaic calligraphic declaration.
The ukulele strings uttering
their gathering high emotions
Bahia drums echoing ecstatically
enough to blow out the candles
to set fire in ready veins.
She is posing as Marlin Monroe
Her hands "Arco Iris"
in the truest oceanic wave,
reflecting the sky azure,
aquamarine and turquoise,
mixed shades of their eyes' light
captured artistically with his camera.

laila Neihoum
19-5-2007

Saturday, May 19, 2007




-تصفربها وفيها الريح -2

ما أكثرها الأرواح القلقة التي كانت تجول المكان تبحث عن معنى لتيهها ومخرجاً من ضياعها , ساهمة عما حولها و ما حولها غير مناخ وعالم ووقت ومكان غريب عن ذاكرتها البعيدة بُعد مئات السنوات التي أمضتها تجوس الظلمة بحثا عن نور. ليس ذلك النور الدائم الذي تحمله العمة الأرملة المرتعدة , الوحيدة التي تحس بهم وتراهم, كانت تصف لنا أشكالهم وأسنانها تطقطق رعبا . كانت تقسم بكل المرابطين والأولياء الصالحين أنها ترى وإنها " يا ودودي " تعبت مما ترى . كانت تحت وطأة الجبروت تخشي أن ترفض الانصياع للأوامر القائلة بأن تحمل كذا وتجلب كذا من البيوت المجاورة الرابضة على حافة باب السانية قبل زحف الديجور
تمضي كريشة ترُجِفها ريح المهب . تغمض عينيها بشدة جلبت تجاعيد مبكرة لوجهها الصبوح , تصم أذنيها عن سماع لهاث الغيلان , أصوات الخطوات خلفها , لغط وهمس وأنفاس الأشباح على صفحة وجهها . تردد :
, هكذا أفضل , ان يظل شعوري بهم فقط عند حدود التوهم والتخيل
فيما رؤيتهم ترعبها تتركها في حالة هذاء لأيام تجلب لسمعها لوما وعتابا عنيفا لا يرحم المتوهمات والضعيفات , الخارجات عن الاسبار المتفق عليها
أين تمضي ذاكرتي بكل العفاريت , والهامات , والغوله التي انتزعت جميلة الأولى من بين يدي أمها وهي في المهد رضيعة . كم خفت وقتها من اسمي الذي يغري الذئاب . كنت أوهم الصغيرة التي تستمع لي فاغرة الفم عن قضمة الذئب التي اقتلعت لقمة من لحم ذراعي , أريها لها واستمتع برقرقة عينيها الواسعتين الصافيتين كبحيرة متلألئة , ورجفة أصابعها تتلمس آثار التطعيم الرديء اعلي ذراعي
العربة القديمة من مخلفات الجيش . أي جيش ؟ لست ادري - لكنها هناك منذ الأزل , تغطيها نبتة بهجة الصباح المتسلقة , ذات الزهور الزرقبنفسجية . نتسلقها ونتوهمنا من الجيوش الغازية - أو صاحبة الحق سيان- فلم نكن ندرك ذلك
كنا نطلق رصاصنا من بنادق في مخيلتنا , ُنمطر الأولاد الذين يجيدون الاختباء ولا نعثر عليهم بوابل من ذخيرة لا تنفد , ندك البيوت البيض وقنان الدجاج والسيارات المركونة وأشباح العمات وغسيل الخالة المرتب بعناية وكأنه دعاية من زمن قادم, والنخلات المثقلات بالبلح و بالرطب والجابية والبئر المرعب والأراجيح. ولا نطلق النار في اتجاه المقبرة المجاورة إطلاقا . هناك تتلاشى شجاعتنا وتتحول بنادقنا إلى وهمها الأكيد , تكفينا من الشجاعة قصص أشباح العمة الأرملة المكشوفة النظر: جنود قتلى من الحرب يسألون العمة كل ليلة عن سبب موتهم في زهرة شبابهم
هكذا كانت طمأنينتنا متكئة على تفسير الأهل بأنها من صنع اختلالات في مخيلتها , ونكتفي بقولهم لنا لاعفاريت سواكم , لنفر حين تفاجئنا غولة المسحان في نوبة دق وهرس مفاجئة لحبوب عشاءها .كانت الأرجل دالتنا ومفرنا , و"واحد وستين" المتعارف عليها تمضي بنا أسرع من الصوت
في الشوارع الترابية التي تحيق بالوسعاية وتلف كامل نصف استدارة السانية وتبتعد قليلا عن مرمى أشواك هنديها , مضت بنا اندفاعات فضولنا بعيدا وقريبا من ابعد ما نتصور. أراني واراهم نجري فيها بحثا عن الصغير الذي تجاوز حدود المكان فضولا . تجاوز عتبة الباب الكبير المهيب , مضى يغد الخطو الوئيد في الشوارع يبتسم للمارة , تتجنبه السيارات المسرعة , تتبعه دعوات الجدة وعناية الله . نجري ونسأل ورعب يوتر سيقاننا الرفيعة المليئة بالجروح المتقيحة والرضوض , تلسعنا الأرض وتهديدات العمات الجالسات جوار البصقات التي بصقنها في التراب , والويل إن جفت قبل أن نعود فستدود أقدامنا , الويل لنا إذا لم نعثر على الصغير الذي كان يجلس ساعتها في مركز الشرطة يرسم له الشرطي المناوب بالقلم الجاف ساعة على رسغه الصغير فيما يأكل بيده الأخرى حلوى ملونة ويبتسم لنا حين دخلنا معفرين بالخوف , بوهن السيقان , مثقلين بالذنب عندما دلنا الى مكانه الأهالي الذين سلموه للمركز حين عجزوا عن معرفة من يكون
من الباب الكبير ماقبل الديجور بسنوات قلائل كنا نمضي في الخميسيات إلى مابعد السور الغربي من الوسعاية, إلى حيث كان السابلة يردون الماء وحيث بيوت من صفيح , كنا نلوي أعناقنا ونحن نركض جوارها كي نرى ما بداخلها - لا يتصور ذهننا المتعود على رفاهية أماكن خُلقت بحس جمالي يبدع من اللاشئ شيئا في اشد حالات الفقر - إن ثمة من يستطيع العيش في مثل هكذا أمكنة وضيعة ,. كان من بعض تلك الأمكنة ينطلق صوبنا وابل من حجارة كلما مررنا , لم نر يوما من رمانا , لم يُظهر وجهه , نهز أكتافنا استهانة بعدو غير مرئي . نمضي نشتري البيض من بيوت أوصانا أهلنا أن لا ندخل غيرها , نتلكأ على أعتاب الدكاكين المرتفعة , نراقب البنات يلعبن حواشين بأشياء مجموعة من القمامة وخرق وعلب صفيح واعشاب , يختلقن بيوتا بائسة مصغرة لطموحات لاتتعدى في الخيال أدنى الحاجات," رابش" متمني لصغيرات يعشن في الرابش .
العقارب التي تظن أنها في مأمن من بطشنا , تستظل تحت ُذبال الأشجار وجريد النخلات وصفائح الحديد وركامات البناء وبقايا المصنع المهجور كنا نتوصل إليها مهما شطح بها تخفيها , كنا ننهال عليها بسل النخلات مهما تبعثرت في فرارها هنا وهناك , نرشقه في أجسادها المتلوية محاذرين كي لا تطالنا بسمها , كلها كانت صفراء . لم نتمكن يوما من معرفة مكان أخطرها : السوداء القاتلة آكلة الغمق التي حين نهمس بأسمها نتلفت تحسبا , التي نسج لنا الكبار حولها اساطير ومحاذير . كنا نمني النفس بالعثور عليها ونحن نقلب الأشياء ونحرك ارجلنا بسرعة خشية ما سيخرج راكضا مستثارا رافعا سلته أعلى ما يمكنه متحديا بأصفره المقشعر توقنا لأصطياد السوداء المثيرة
حتى اليوم الذي تجمعت لنا الصفراوات تحت مكان لم يخطر لنا على بال تحت" البانيوالمقلوب الذي يحلو لنا أن نستعمله محبة الحلت الراكضة وكرسيا لليالي السمر, نتحلق حوله بين جلوس وإقعاء ووقوف غافلين نتسامر في الليلة القمراء , نتبادل ادوار الدباخ والكريكما , لتتسلل غيلة وتبدأ بأصغرنا وأعلانا صراخا وصل حتى مشارف الكبار الذين لاترحم صفعاتهم , كان ركضنا اقرب إلى الطيران و العقارب في غلها تكاد تُجنح خلفنا , بعثرتنا وظلالنا . أرسلتنا إلى نوم مبكر بوجوه مبللة بدموع العقاب


ليلى النيهوم
يتبع
photo credit:Sakina Ben Amer

Thursday, May 17, 2007


- تصفر بها وفيها الريح - 1
كانت السانية تعج بهم . كان أمامهم مهمة إنارة الظلام الذي حل فجأة واستمر دائما , الأفكار كثيرة وعديمة . الشموع الثماني
العملاقة المجاورة التي بنيت عليها أسطورة الوسعاية أصبحت وهما قديما وخرافة ترددها العجائز المخرفات . ليست تجدي في لحظات كهذه غير الأفكار المجنونة التي توقظ الشياطين والسحرة من سبات دخلوه عقابا على تطاولهم
ناصر فقط من تجرأ ونصب شمعة أو منصة إضاءة , لا فرق مادامت شيئا يضيء الديجور الذي حل على موطن النور . كل الذين حضروا بأفكارهم , جاءت بهم أيضا مآرب أخري لم يكونوا يدركونها في أنفسهم حتى حلت ساعة تمطت وتثاءبت وأطلت برأسها لحتى إلتوت رقابهم من جيشان أعماقهم السرية
المنصة الحريق التي نصبها ناصر شجاعة منه في عمق ديجور السانية في البؤرة حيث تتوالد دكنة الظلام, انكفأت لحظة رفعنا أيدينا لنصفق فرحا, انكفأت ونزلت وكأنها في فيلم بطيئ تجر معها قلوبنا الواجفة لتشعل حريقا في العشب اليابس الذي نبت لسنوات وجف واينع ثم يبس ثم جف ! وبقى هناك يختلس لحظات تجلب له شرارة ما ليشتعل ويشعل العالم من حوله وليضئ الديجور . ليس لكي تضاء قلوبنا ورؤانا . إنما لكي نرى الوحوش الكامنة هناك التي تشلها الظلمة عن أن تعرف إلينا طريقا
امتدت الحريق . ارتعد الصياح في الحناجر . ضج المكان بوجوه وخطوات وركض وتوجس ما كان له أن ينفد للوسعاية المنيعة لولا هذه النازلة ذات الشرر المتطاير , المتحين ريحا تدري أين تذره
كنت نائمة في سرير وثير احلم بما يحدث خارجا, اعرف في حلمي انه يحدث في الواقع . أرى انعكاسه في الحلم . أحس باقتراب ألسنة اللهب حيث اضطجع . كنت لا اكترث , كأنني اعرف إن ثمة ما سيحول بين أن تتعدى النار حدود السانية , ان تعلو الدردوحة . حدسي كان يطبطب لي مزيدا من الانهماك في نومي
وكنت أمعن في النوم وسط النازلة , كي امضي بالحلم إلى اللحظة التي تتحقق فيها التوهمات والاستيهامات. اللحظة التي تنبعج فيها الكرة الأرضية . تنطبق على بعضها, فتتقارب تضاريس ممعنة في البعد وتتباعد تضاريس ملت تجاورها
ليس لي إن أعلل هذا الهذيان وإنا أتنعم في وثارة ونعومة الوسادة اغرس وجهي فيها مثل اعمي في بلاد تقيم مهرجانات للبصيص . استرق منمنمات تفاصيل . كلعبة تركيب أنكب على لملمتها وصولا إلى الصورة المنفلتة أبدا في الزيغ , العصية عن المطال
تصل سيارات الإطفاء يقودها رهط من أناس يرتدون أزياء كرنفالية غريبة , يمشون فيها بارتياح المعتاد عليها . وسط الألوان التي تطلي الوجوه , والمزيد من الأشخاص الغريبين , تتضح الرؤية من زاوية تتيح إدراك كون غرابتهم ليست إلا نوعا من الهلاوس البصرية التي تسبق الاستيقاظ من وطأة كابوسي
السيدة تقود العازف الاعمى وتمشي على موطئ أقدامه المنطبعة على تربة الوسعاية الأقرب إلى الرمل البحري الذي كان يفرش قاع البركة قديما قبل أن تتحول مع الزمن الى أمكنة صالحة للبناء وخلق الأساطير , ينتق منها الخرز الملون في الأيام الماطرة , غير عابئة بنظراتي المستغربة تتابعها في الكابوس
في إطراف الديجور التي يضيئها امتدادات لهب الحريق أري فيما يري المستغرق في نوم لا فكاك منه , نساء يبحثن عن قطعة حلي سقطت من جدتهن في سنة من دهور ما قبل الديجور , ايام كانت السانية موئلا في أمسيات الصيف , وكانت استراحتها الصيفية تمتلئ برجال يزورون الجد الأكبر , يتقربون من مقامه الديني والمدني , تشنف أذانهم هدرزات تهدهد الروح مع نسيم يمر على إزهار نوار العشية ومسك الليل والياسمين الشامي . كانت الميدة المنيعة في النهار مركضا للصغار يهبطونها بغبطة تعلنها صرخات وبقبقة صوتهم يرجه انحدارهم المرح.
كانت النسوة منهمكات في استنباط الأطايب واستلهام الامالح التي لم يِسمع بها ولم تُعرف أشباه لمذاقها من قبل . كن يهمسن بالغناء خفرا. يداولنه فيما بينهن علي تتابعات ردود مموسقة مثل طقس سري . يطقطقن أكواب الشاي ببعضها على إيقاع لمتهن بين قدور ونفخ وتقطيع وحشو ولف وغسل ومسح يتجاوب مع خشخشة أساورهن ودمالجهن وتكاليلهن . يلقمن الأطفال في نفحات كرم مزهوة بعض مما يخترعن لوليمة الكبار.
كان يتوافد على المكان زنوج جلبهم الرق والفاقة من أعماق القارة المجهولة الى سواحل افريقيا حيث المدن الناشئة حول الملاحات والسباخ . يقفون على أبواب الكرام يتسولون بالغناء والرقص الغريب بريش ملون وعلب صفيح رنان إيقاع تلاطمها , وطبول لقرعها ارتفاع نبض السامعين وارتجاف غريب له بهرة شجن في دواخل النسوة الكامنات وراء الستر والفجوات السرية في الأبواب الموصدة في وجه الغرباء بسبعين ألف مفتاح ملقاة في سبع بحور تفصلها سبع مالا ادري ماذا.
كنت أتقلب من جنب لا أحب النوم عليه إلى جنب مريح , أتخيل في نفسي قصصا اتلوها في حلمي , يدي تجس إطراف السرير تلمساً لورقة وقلم . الأفكار تتراكض , عيناي تجريان تحت جفني قلقتين , تتسارعان مع نبض القلب لمواكبة الأصوات التي تملي علي الأشياء . في عمق وجداني صوت يأمرني أن لا استمع و لا اكتب ما أراه في الحلم . نفسي تائقة لأن استيقظ أو أن اصرخ . شيء أخر يهمس لي: لا توقظي الوحوش التي تقف حائرة على حافة الديجور المضاء حيث يستلقي النصب الضوئي تفح نيرانه تلتهم المسافات إلى باب السانية الخفي


ليلى النيهوم


يتبع

Saturday, May 12, 2007

A Singing tiger the Scorpio


You're like a dancing heron
a singing tiger
a snake spelling out words
by assuming different
letter-shaped poses.
You're a crazy-mirrored funhouse
full of tool-using ravens.
You're a convention of laughing hyenas
partying at a watering hole
on the other side of the tracks
from paradise.
In short,
you're as impossible to predict
as a drunk hummingbird,
as dangerously smart
as a shape-shifting fox from Japanese mythology.


*Rob Brezsny
City Pages Magazine
Rob is my favorite horoscope teller ever for I belive he is a poet of a kind , that is why I put here one of his readings , for he always astonishes me by his choice of words , Rob is my best poet , otherwise who would say something like this in his Free Will Astrology :
It'll be fine to eat ice cream with a fork this week.
It'll be kind of cool to enter through exits, too,
and you may generate good luck if you smash a mirror with a hammer
or talk about subjects you're normally too superstitious to broach.
You should also consider fixing things before they're broken,
and listen ravenously to what's not being said.
But please avoid trying to drink coffee with a sieve,
Scorpio. Refrain from saying what you don't mean.
And don't you dare try to fall up.
Then in Wikipedia, the free encyclopedia I found the coming info about him which adds to my point of view.

"Rob Brezsny is an American astrologer, writer, and musician. Currently his weekly horoscope column Free Will Astrology, published for more than 25 years, runs in 120 periodicals.
Brezsny has been one of the most influential astrology writers in some generations. His horoscopes broke the mold on the dry predictions of most writers, bringing a literate quality to the work, engaging readers in narrative, and taking a more creative approach to astrology writing than nearly anyone before him. He is the first well-known horoscope writer to enter the column in the first person, giving personal impressions of both astrology and life, telling stories and quoting many other writers. He encourages reader participation and has fierce loyalty of both his readers and the editors who publish him. This combination of factors -- in addition to offering many surprisingly accurate, astute forecasts -- has made him an enduring institution among horoscope writers.
Many have attempted to imitate him, but it rarely comes off.
He reveals nothing about his astrological chart except that he was born under the sign Cancer."

Sunday, April 22, 2007

Lake Macbride
















Lake Macbride

drowsing on grass
My hand searching
for a 4 leafed ,
homesikness
weighing my eyes
confusing cedar trees
for Garyunis palms
The swimmers shouting
The boats gliding
At lake Macbride

Laila Neihoum
Septermber2005

عندما كنت بنغازية


صقع

الصغير الكعبورة اللي يدوب باين علي وجه الوطا قاللي

ياعميمة صقع عليك
ليش ياقصيرونة؟
موبايل ماما خير من امتاعك الشين .. غيريه

كنه متاعي ليش مش عاجبك؟
شين .. عندك كاميرا؟
لا
أي ار؟
لا
بلوتوث؟

لا
معناها صقع عليك
ومرة نفس القصيرونة جاني وانا مروحة مشفشفتني شمس القايلة ، ريقي شايط ، لا نحق ولا نسمع ، قاللي
صقع عليك ياعميمة سيارة بابا احسن من سيارتك القرباجة
وكنها سيارتي ياقصيرونة ، ياشبر وطال ياصغير؟
عندك مكيف؟
لا
عندك سي دي؟
لا
تعرفي تمتعيها؟
يالا تمشي
معناته صقع عليك
بهتت فيه ، طبست بيش نحقه كويس ، عويناته يبهتنللي بثقة ،لبسته رويجل مسخوط ، جمته لاحسها بالجل ،وسنيناته يتبسمن من فويمه في سنة كم ياقصيرونة ؟
كنك ياعميمة ؟ مانقراش
ولا روضة؟
صقع عليك ياعميمة ، موبايلك شين وسيارتك جربة، ونساية
باهي هذي شنو؟
بمبورة؟
بمبورة ياكليب؟ شنو فيها؟
ككا
معقولة يا قصيرونة

شمرته ونطرته فوق ، بعدين نزلته وحطيت يدي علي فويمه من فوق وهو فرحان يضحك
وهذين شنو؟
شنابات
صقع عليك ياقصيرونة ، عندك شنابات و مازلت ادير في الككا في البمبر؟
صقع عليك انت
تعال هنا , جيــــــتك

وقعد يجري وقرقرته واصلة للسما
وفعلا صقع ، نساني حموة القايلة ، واللي شفته في الطريق من حرق دم



عمياء : لوحة واثر

ماذا يعني ان تتكئ كأميرة من الزمن الباهت , يختال شعرك على الوسادة المتنهدة
ماذا يعني ان تحتشد من حولك صرخات الالوان المتنافرة المتداخلة , فلا ترى عينيك غير بياض كراسك , غائبة عما يدور في مدارك المحرم
ماذا يعني ان تكوني جارية في حريم المألوف محاطة باللازم , ممنوعة من الامنيات , يقرأ جدارك الورق الكاذب , ويشير اصبعك الى حروف شفافة لا تراها المشعوذات
ماذا يعني إطراقك , واغماضة عينيك .. يهمس لك الجوكر الساخر
ماذا يعني تلمس اناملك لحروف تظنينها بارزة على اوراق عمرك المتلاشي

لوحة (الحظ) للفنان التشكيلي الليبي عادل جربوع متأثرة بالاسلوب الصيني ومزادة عليه
اللوحة زيتية على كانفاس بمقاس

Painting 'Fortune' : Canvas 100x150 Oil
Libyan Painter : Adel Jarbou

Monday, April 09, 2007

الرحلة العفوية - نجوى بن شتوان - The Spontaneous Journey

الرحلة العفوية

خطر في بالي وأنا خارج قريتي الصحراوية لقضاء أسابيع بحرية في (بوهريشيمه)[1] أن أكتب لك رسالة أجمع فيها كل مشاعري نحوك وأرميها لأمواج المتوسط تخبر العالم بها ثم ترجعها في قنينة حملت رائحة شفتي إليك، بالرغم من أنني خلفت ذكرياتنا ورائي في مدينة العجاج، تلك التي تعنى بتصدير التراب للعالم، ويعمل نصف الألف مواطن الذين يسكنونها في كنس أزقتها من التراب وجرف الرمال عن الدروب المحدودة المؤدية إليها لإخراجها للوجود

ومع ذلك القدر الهائل من الغبار استطعت أن اكتشفك وأحبك فيها، وأسكنك فسيح بلاغتي رغم ما ارتفع في وجهي من عصي، لتخترق من ثم غربتي وتحفظات رب العائلة الذي كلفته الدولة بشؤون بلدية هذه المنطقة المغبرة ونصف المرئية دائماً، فإذ أنت تجتاز المسافة العرقية بين عائلتينا وتؤسس لدم جديد وتخترقني كبحر يغمر يابسة

كانت المقشات والمكانس تسيطر على حياة هذه القرية التي بكت أمي يوم قرر أبي أخذنا إليها من مدينة تركض نحو التمدن، وكان مقدراً لي أن التقيك فيها مع أن مهنتك لم ترتبط بالكنس، فقد وجدت هناك قبلي لتنتظرني، أي وجدت لي بطريقة مختلفة بعيداً عن قدر اعتناق المكانس

دعني أقول لك أيها الأقرب إليَّ من وريدي والأبعد لعيني من غيب، إن أنقى مياه مالحة هي التي يحتجزها هذا المعتزل الأشبه بفضاء عبادة، والذي يقتسم روحه البحر والصحراء معاً، ويقطنه عدد ضئيل من بدو لم نرهم حتى اليوم، رغم إننا رأينا كرومهم الزاحفة المثمرة تستجدي القطاف، أي إننا لمسنا وجودهم من بعيد فقط، إن بحر هذه الناحية نظيف من الناس، والهدوء كبير ومخيف، يبعث على اتساع التفكير في الأزل إن أطلت البقاء فيه، ولا يوجد معنا إلا حشرات صغيرة غريبة استطاعت أن تقاوم الحر والفقر وتبقى بشكل ما أو إنها نفس تلك التي تعيش في القرى والمدن لكن حاجتها للتكيف هي التي حورت أشكالها وأحجامها على مدى طويل

ذهبت أمي تعجن الخبز داخل الخيمة، وتناول أبي الفأس ليجمع لها الحطب ويسجر تنور(الطابونة) المحفور في الرمال، أخذ معه أخي الأصغر ليعلمه كيف يقطع الأغصان الجافة دون إيذاء الأجزاء الحية من أشجار السدر القصيرة، فيما ذهب الأخرون للسباحة والبحث عن الأصداف الغريبة لتكوين مجموعة من الآثار المائية سيزينون بها صالون المنزل، لقد صحبوا معهم الصالون لأنهم لم يخلصوا أذهانهم للحياة البرية

أنا الآن لست بعيدة عنهم وهم يتقافزون في الماء ويعلو صراخهم في سماء بوهريشيمه الساخنة، حيث لا صوت إلا صوت الأمواج التي تتحرك منذ القديم وأصواتنا المؤقتة، وصوت حنيني الدائم إليك، وحركة مثيرة صامتة في أحشائي تشبهك وأنت على السرير بجواري، بدأت أحس بها في مكان لم يعرفنا من قبل ولم نعرفه، لا يشبهنا ولا نشبهه إلا في التصنيف الجغرافي الموحد لنا، لا اعتقد إننا مهما عايشنا هذا المناخ الصعب نستطيع أن نكون بصدق أهل له

أحد أخوتي يناديني الآن سأذهب وأترك أوراقي وقنينتي هنا كيلا يرونها فيعبثون بها، أقبلك حتى أعود، أقبلك حتى الفناء

وصلتنا رائحة الحطب في النار، لاشك بأن أبي أنهى مهمته وسيلحق بنا للسباحة ريثما تنهي أمي تنضيج الخبز، حينها ستنادينا لنأكل شيئاً ربما سيكون شكشوكة بالقديد، وربما شرمولة وجبن، والمؤكد أن الشاي الأحمر المنعنع سيكون حاضراً، أمي تطلب منا الابتعاد عنها خلال خبز الخبز لكيلا تثير حركة أقدامنا الرمال فتلتصق بالعجين، كانت تجثو على ركبتيها أمام الفرن الأرضي لتلصق الخبز بسطح التنور ثم تغطيه بمسطح حديدي عليه جمرات فتؤمن له استواءً تاماً

طيلة بقائنا هنا تهتم أمي بإطعامنا حتى أنها لا تنزل إلى البحر إلا لقضاء الحاجة أو الوضوء للصلاة، إنها تخصني دون إخوتي بالكثير من الطعام، فأنت لم تترك لي أحشاءً ضامرة، هناك فم غير مفتوح بعد ولا يلتقط صاحبه طعامه سوى مني، وأمي تعلم جيداً ما يحتاجه لذا كلما كنت بجوارها ناولتني شيئاً للأكل وكلما ابتعدت عنها خبأت لصاحب الفم شيئاً دون أخوتي

كان ثمة بئر صغيرة قريبة وغير عميقة من مخيمنا، فمن طبيعة هذه الأرض أن الماء المالح والعذب يتجاوران، وماء الشرب يمكن الوصول إليه على مد ذراع ونصف تقريباً، كان أخوتي في أوقات الفراغ يتشاغلون بالحفر للوصول إلى الماء العذب وكانوا يصلونه لكن أبى ينهى عن العبث بنعمة الله، أحد الذين اكتشفوا (بوهريشيمه) قبلنا وضع إطارات شاحنة كبيرة على فوهة البئر كي لا تواريها الرمال عندما تتحرك الرياح الرجيمة، ولأن للإطارات طبيعة مقاومة لقسوة الشمس الحارقة

استخدمت تنكة صدئة من تنكات شحوم السيارات كدلو لمتح الماء من البئر، كانت تحمل رسم صدفة ويغلب عليها اللون الأحمر، فتحت من أعلى وربط بها حبل، كما وضعت بالقرب من البئر بعض الصخور التي جلبت للجلوس عليها خلال غسل الأشياء أو الاستحمام

التقط أخي صدفات نحتها الملح والماء بشكل خارق، اجتمعنا نتأملها بإعجاب، لو إنك معنا ربما كنت لتعبر بشكل مميز عما فيها من فن رباني، تناولت إحدى القواقع وهمست فيها اسمي واسمك واسم طفلنا المنتظر، أحببت أن أفعل ذلك بشيء لم يلمسه مخلوق قبلنا، لكي تعرفنا روحه كما عرفتنا روح هذا المكان وأصررت أن تعرفك وإن لم تطأه معي

قال جامع الأصداف
ماذا تفعلين بصدفاتي؟
- جدتي كانت تهمس في الأشياء الجديدة دائماً وأحياناً تتنفس داخلها لتصنع معها علاقة مباركة فقط

جمع أخي أصدافه لصدره العاري وابتعد بها ليكلمها كلاماً لا يريد لأحد منا سماعه، عند الأصيل مشى أخوتي مسافات طويلة على الشط يبحثون عن بقايا المراكب العاثرة الحظ التي سمعوا عنها أو قرأوها في الكتب أو نسجها خيالهم، اختفوا عن الأنظار حتى شعرت أمي بالخوف والقلق وحاول أبي تهدأتها مستعملاً المنظار في تقصيهم، تركتهما يتحاوران وذهبت إلى البحر، قالت لي أمي وأنا أغادر الخيمة وفي يدي الورقة والقلم وقنينة ماء فارغة وكيس به فضلات الطعام

لا تبتعدي أنت أيضاً فالوحدة مخيفة، كونوا مجموعين

لكني ذهبت لأخلو بك واكتب مناجاتي اليومية لك قبل نزول الظلام، كانت الأمواج مرتفعة كأن شيئاً حدث للبحر هيج غضبه، رأيت الكثير من عقارب الماء الكبيرة تخرج للبحث عن الطعام، رميت لها بقايا البطيخ الأحمر والخبز المبلل، فالتقطته فرحة وركبت الأمواج، كانت سريعة وخائفة رغم شكلها المخيف عندما يتخيلها المرء تدب قريباً من فراشه بينما دياجير (بوهريشيمه) تبتلعه، كانت عقارباً بيضاء أو ذات صفرة وأحداق بلورية، لا تحمل بشرة هذه الأرض كأن طول مكثها في الماء سلخ عنها اللون الأسمر، لون ترابنا ومائنا وجلدنا، وكان قرص الشمس سبيكة أرهقت الباحثين عن الذهب، لامعة على نحو غير متخيل، وعرائس البحر يمشطن شعورهن لزفاف حورية متوسطية إلى سلطان الأوقيانوس العظيم

في القنينة وضعت ما كتبته وجعلت معه عنوانك، لعل إنساناً يلتقطها ويوصلها إليك، فيخبرك بغيرما لساني كم أحبك وكم اشتاقك في هذا المعتزل البكر الذي لم يتدخل فيه الإنسان، حتى لكأن زمن سابق استقطعه من أرضنا فحضر بجلال ورهبة

إنني أحبك أيضاً داخل هذا الزمن الغابر

كانت (بوهريشيمه) في الليل منطقة أخرى ليست هي التي نصرخ فيها وحدنا في النهار وتصمت في وجهنا وتدفن حلقها وتغرق وجهها المخيف كوجه ربان عثماني مخرها طيلة قرون وعبأها بالرعب والبول والدماء والفضلات، (بوهريشيمه) في الليل هي صمت مطبق يشف حتى يوشك أن يسمعنا ما وراء الصوت، وسفن شراعية تمخر ليل المتوسط وتتحطم وتغرق وتختفي بما تحمله من سبايا ورقيق وذهب وتوابل ومعادن وقصص واستغاثات يائسة وأسماك هامشية تمضغ على المدى حمولة تلك السفن، وتلتهي عن قنينتي السابحة أبداً باتجاهك

في بعض المساءات التي قضيناها هنا كنا نبتعد عن المخيم لكي لا يسمعنا أبي ونحن نغني أو نتنافس في الصراخ، ذات مرة غنى شقيقي فلكلوراً جعلني انتبه لجمال صوته في سرد تجربة حزينة تركت أثارها بقلبه الفتي
وكان القمر مذهلاً كطرف سيف فضة أسطوري .... بل إنه هبط بالفعل كمرآة عظيمة واغتسل في البحر على مشهد منا، عندما سمع الغناء


لو كان نشكى
للبحر بأسراري
تنشف أمواجه
من لهايب ناري
لو كان نشكى
يا عيني ياداي
***
آه لو كان نشكيله
بهموم قلبي
كلها نحكيله
تنشف أمواجه
بين يوم وليله
تبقا حماده خاليه وسحايب
لوكان نشكي
آه ياعين
***
ليش ليش
ليش الحيرة
يا قلبي لا تندم
واللي بدلك بالغير
بكره تلقا غيره
***
واللي بدلك خليه
بينه وبين الله لا تكافيه
لا ادوره ولا عاد تشقا بيه
الغالي رحل مخدوع في تفكيره
يا قلبي لا تندم.
***

هذه الليلة نتسامر طويلاً حول النار، أمي تعد الشاي وأبي يتكيء بجوارها وإخوتي يتحدثون في أمور متفرقة، وأنا يذهب تفكيري إليك، أمي بعد جلسة السمر والشاي تتلو تمائمها وادعيتها الليلية لتبعد عنا عقارب وهوام ولوام هذه الأرض غير المرئية وشر ما يخرج منها بالليل والنهار، تمرر سبابتها في التراب حول مراقدنا ثم حول الخيمة كلها، تالية آيات القرآن التي تحفظنا ونحن نيام، أما أبي فيمارس مهام حراسته الليلية، يأخذ مسدس 9ملي معه وينام في الجزء الخلفي للسيارة نصف النقل، بعدما يضعها أمام مدخل الخيمة، إنه يحمينا لآخر لحظة من أي خطر قد يسقط علينا من الأرض أو من السماء، يواجه (بوهريشيمه) كلها بما احتوت لأننا أولاده ولن يسمح لغموض هذه الأرض أن يأخذنا إلى باطنها منه، كذلك نحن أولاد هذه المرأة التي لا تنتهي أبداً من الاستنجاد بالله وبالأنبياء والرسل وصلاح البر والبحر، حتى ونحن نقضي عطلة نريدها مختلفة عن حياتنا اليومية، بل نزعم أننا نريدها وأنها ستكون مختلفة

في الليلة الأخيرة من مخيمنا، يهتم أخوتي بحصر ما جمعوه من أصداف وقواقع، وما وضعوه في علب المشروب من عقارب بحرية مختلفة الحجم ليرونها لأصدقائهم، بينما يتأكد أبي من معدات تخييمه ويتفحص اطلاقاته وأمي تؤكد لتارك الصلاة من أخوتي أن الله يراه هنا وهناك لذا فإن عدم معرفته بالقبلة ليست سبباً منطقياً لترك الصلاة، وأنه لو كان خالص النية لسأل أو تبع من رآهم يصلون، يتدخل أبي في الحديث بشكل مغاير للغة أمي قائلاً

- إن جعلت البحر في ظهرك لكنت مباشرة في اتجاه مكة، لكنك تعرف اتجاه مكة في بيتنا، لذا سترد ديونك هناك

كبير أخوتي كثيراً ما يخترق خطوط الحماية المتعرجة التي تضعها أمي، يخرج لسبب لا نعرفه ولا يخبر هو عنه، يذهب إلى البحر وحيدا،ً يغيب ملياً ثم يعود ويدخل فراشه وينام، الليلة قام باختراقه المعتاد غاب قليلاً ثم عاد يحمل قنينة في يده شدتني عندما لحظتها، قال لي

انظري وجدت هذه على الشط، يبدو أن الأمواج جلبتها

وكان يعرف العلاقة التي تكونت بيني وبين القنينات الفارغة هنا

أخذتها منه وفتحتها في الظلام فإذ بها ورقة، قفزت في فراشي أتلمس ضوءاً لمعرفة ما فيها، لكن قمر هذه الليلة يكتنفه السواد والرؤية ضعيفة، ونار أمي احتكر بقايا جمرها بخور الجاوي الذي خصت به سلاطين البر والبحر وصلاح المكان وهي تسألهم المناشدة والمؤازرة في جميع الأحوال، إيمان أمي بعدم وجودنا وحدنا في هذا العالم يدفعنا للإيمان بما تتصوره وهو غير مرئي حتى نتيقن مثلها إن للبحر والبر والسماء سلاطين ومخلوقات من غير جلدتنا لايمكن الهزء بها

لايمكن في هذه الحالة مزاحمة جاوي الملائكة والسلاطين وإشراك الصالحين في أمور ليست من مستواهم كقراءة ورقة في قنينة عابرة، لذلك لجأنا لسيجارة أبي نتلمس عندها فض المضمون

لم تكن الورقة الباحثة عن الضوء، سوى أولى الرسائل التي كتبتها لك منذ خمسة عشر يوماً في هذا المكان، لم تمسسها يد عندما لم تجد يدك، سأحملها إليك برائحتي وحرارتي وروحي الموجودة فيها، مثلما سيحمل أخوتي أشياءهم المأخوذة من شاطيء (بوهريشيمه) الرائع، ومثلما تتفانى أمي في كسب رضا الصالحين، وكأني وهم نلخص روح هذا المكان البكر كل ٍعلى طريقته لكي يسهل حملها وتحملها



نجوى بن شتوان
بنغازي13 /6/2006


[1] بوهريشيمة منطقة بحرية صغيرة تقع على الساحل الليبي وتبعد عن مدينة بنغازي حوالي 130كم



Sunday, April 08, 2007

اللامتعزي ومجاز الهيولى


اللامُتعزي أول رواية لكازو ايشيغورو منذ رائعته العالمية .." بقايا اليوم "1989 ، وهي بدورها عمل مفاجيء ومذهل لهذا الروائي الياباني إذ تتمطى في سردية لا توحى بشيء أكثر من كونها اضغاث أحلام فيها خلق المؤلف بورتريه لفنان أصبح قاصراً عن قياس المسافة بين حياته العامة والأخرى الخاصة
رايدر راوي الرواية ، عازف بيانو شهير يصل إلى مدينة أوروبية صغيرة غير مسماة ليقيم حفلة مهمة ، ولكن فيما تتواتر الرواية يصُبح جلياً أن رايدر لم يعَد يتذكر إلا النذر القليل عن أسباب زيارته ، وعلى ذلك ليس متوقعاً منه أن يقيم حفلة فحسب بل ومعجزة أيضاً . ليس أقل من إحياء كيان المدينة الروحي والجمالي
خلال الثلاثة أيام التي تسبق ليلة الذروة يقع رايدر في شراك حيوات ، ومطالب متوالية لغرباء ( كما يبدو ) لا يحصون : مدير فندق وعائلته المختلة ، بواب وابنته البعيدة وحفيده ، قائد او ركسترا ثمل وزوجته المنبوذة ، مواطنون مرموقون كثر، وآخرون بلا نهاية ، بما فيهم شخصيات غير لائقة من ماضيه ، جميعهم يظهرون ويختفون مثل أشباح غرائبية مزعجة في كرنفال لهو
في هذه الملاقاة والتجارب السوريالية ،يقدم ايشيغورو حياة الفنان العامة بتشابكها الميؤس في نسيج الحلم ، وفي غضون الإطار الزمني الممطوط بصعوبة ( ودائماً على عجلة مُلحة ) يجتاز رايدر خزانات مكانس تنفتح على حفلات كوكتيل ، غابات معتمة على أوساط مدن ، أزقة مدن خلفية تتحول إلى أفنية مزارع مهجورة
كما يحضر مأدبة عشاء فقط ليكتشف أنه لا يرتدي سوى مئزر حمام ، كما تحمل غرفته بالفندق شبهاً غامضاً مربكاً نوم طفولته ، ليصادف حطام سيارة عائلته الصدئ من أيام صباه في موقف سيارات أحد المعارض الفنية بالمدينة ! كما يخضع الأشخاص المشوهين والحمقى والمتضارين والسخفاء أذنا رايدر لأحاديث منومة تكشف حميميات حياتهم : أمانيهم - يأسهم - وشعورهم بأنهم منسيون أو متروكون في مدينة فقدت موضع روحها
ولكن في موضع ما في هذه الرواية القوية ، بين سطورها ، في هامشها ، بل في عمق نسيج أوراقها تكمن رواية أخرى تنتظر أن تروى ، أخرى عادية جداً ، ومخفتة في واقعيتها : حكاية ولد غير محبوب ومهمل فشل في الإيفاء بتطلعات وتوقعات والديه
في عملية تكثيف سحرية ، تتحول شخصيات اللامُتعزي تدريجياً لتُشابه صور مسلاطية مشوهة لرايدر نفسه ولوالده ووالدته ، ولمخاوف ورغائب طفولته ، فيما توحي مشهدية متاهة المدينة والأحساس الزِلق للمكان بتلافيف العقل اللاوعي الخفية لرايدر نفسه ، وأن هؤلاء الغرباء المقيتين هم بكل غرابة أطياف نفسية رايدر ، وأن روح المدينة التي يريدون منه انقاذها هي كما نتأكد لاحقاً روح رايدر نفسه
مهما بدت الأحلام غرائيبية في تخريجاتها فهي دلالة شعورية حين تحلمها . وكتابة إيشيغورو المكتلة تخلق هذا التأثير الضروري ، ربما لدى أي كاتب آخر قد تنزلق هذه الرواية النفسية الصعبة عن الحافة لكن إيشيغورو الذي إجترح فيها الكثير من لحظات الكوميديا والرثاء ، السخرية الجامدة الإعجازية وجعل نثره أعجوبة قاطعة وكتابته راقية ومضبوطة ودقيقة تسدل ستراً عقلانياً هفهافاً على تجربة القراءة العميقة المؤثرة خرج باللامتعزي إلى مقام الأعمال الجديدة المهمة
من جهة أخرى يمر أي مشهد مباشر من صفحات رواية اللامتعزي رايدر حين يأتي للمدينة ليقيم حفل حياته ليجد أن كل شيء في المدينة بل وكل شخص مربوط بحفل رايدر المرتقب وبكل التزاماته الاجتماعية العديدة الطارئة ، وأيضاً بمحتويات حديث برمج رايدر لإلقائه حول مدينة بالكاد يذكرها
والمشكلة أن رايدر أضاع برنامجه ، ومواعيده ، وأصبح مشوشاً محاولاً تخمين أهمية كل شخص يلقُاه . كل هذا القى رايدر في كوميديا أخطاء مثيرة
فقد نسى أهله حتى ساورته نفخة تمييز ، شيء ما أفاقه بلاشك ودلّه إلى الاتجاه الصحيح نحو ربكة أبعد ونحو موعد تالي ( مزعوم )
تحافظ الرواية على هذا التوازن المتقلقل للسرد الملتبس طوال المسافة إلى صفحة 424 عندما وبدون مقدمات يلوح الأمل في المستقبل ،فحفلة رايدر مقدمة بلا هوادة على حل مشاكل الجميع الحياتية المتراكمة وبكل رشاقة وإحكام الكواكب المتراتبة إصطفافاً لتخسف الماضي
ويقول الصحافي والروائي بيتر اوليفا في مقدمة حوار له مع ايشيغورو " إنها تلك اللحظة المخصوصة التي رغبت مناقشتها مع إيشيغورو ، هذه اللحظة الرائعة حين يجمع إيشيغورو كل استطرادت وانحرافات وخروجات السرد معاً في قبضة واحدة لكي يلكم بها كل تلك التوقعات المتفائلة بسخرية مميزة سوداوية ، للوصول إلى هذه اللحظة أدركت أنه علينا أن نخوض غمار تحولات ومكائد مدارك رايدر ، ولو لأجل أن تمنح للرواية سياقاً وخلفية ومنظومة قواعد . وقد يكون المكان في الرواية حزيناً ومضحكاً ولكنني مصر على إكتشاف كيف عنّ لإيشيغورو وواتته الجرأة أن يهشم الكثير من التوقعات السردية بكل تقصد واستخفاف ؟ "
وإجابة لهذا يقول ايشيغورو :" إن الرواية يفترض أن تكون مجازاً للكيفية التي يتخبط فيها معظمنا عبر حياتنا ، متظاهرون بأننا ندرك وجهتنا ، ولكننا حقيقة نجهل إلى أين نمضي . إن ذاكرة رايدر ، لا تعمل

بالطريقة المعتادة ، لقد حاولت فعل شيء غريب هنا ، حاولت أن أكثف الطريق التي يسير فيها بعضنا حياته في أيام قلائل . إذا أنها أشبه قليلاً بتجربة الوصول إلى نقاط معينة في حياتك لتجد فجأة عدة أشخاص ملتصقون بك ، متسائلاً وغير عارف كيف تورطت في هذا الموقف . أنه ذلك النوع ، بإستثناء أنه يحدث هنا حرفياً . أعني : أن الحدث صار هكذا . أردت أن استخدم ذلك النوع من عالم الحلم لأعبر عنه ، وأردت استخدام بعض الأشياء التي تحدث في الأحلام ، التي ظننت أن معظم الناس - في مستوى معين - متعارفين عليها .. لأنهم تفاعلوا في عالم الحلم لذا تحدث أشياء غريبة مثل تلك . "
ويضيف عن رايدر :" وهو أيضاً راوي كليّ المعرفة لدرجة غير موثوقة ، أنه كليّ في بعض الأوجه ، ولكنه محدد بلا معقولية في أخرى ، قد يكون متسرباً في ذاكرة أناس آخرين ، ولكنه لا يتذكر أدنى الأشياء وأبسطها ، أن تحدي كتابة هذه الرواية الحقيقي كان إستخلاص فعلي لمنظومة القواعد التي تحكم العالم الذي تقع فيه الرواية ، الأحكام التي تسري على الزمان وعلى السلوك الإنساني والاجتماعي في عالم هذه الرواية ، والتى تختلف عن تلك المنطبعة عن عالمنا الحقيقي . إن الذاكرة تنتهج طريقاً مختلفاً ، ولكن من المهم جداً لي وجوب وجود قواعد يريد القاريء أن يؤقلمها مع هذا العالم الجديد
يجب وجود هيكلية أو بُنية . لايجب أن يكون مجرد مكان بريّ يمكن أن يحدث فيه أي شيء
وعن الخروجات الاستطرادت التي تقاطع السرد : ذكريات الطفولة والاستطراد عند رايدر يقول :
إنها نوع من الاستطراد ، لكن الكلمة التي كنت استعملها في بريطانيا حين كنت أتكلم عن الرواية هي كلمة " إنتحال " لأنها ليست مجرد شحطات ، إنها أشبه بحلم ، عندما ترى شخص ما .. بائع الحليب مثلاً أو أي كان .. بائع الخضار ، شخص ما ينبثق في حلمك ولكن في الواقع يحل هذا الشخص بدلاً عن شخص أخر أكثر أهمية من ماضيك ، بمعنى آخر أنك تنتحل أشخاصاً تلاقيهم في الحاضر ليكونوا بدل شخص آخر متعمق في ذاتك في ماضيك وفي تاريخك الشخصي
هذا جزئياً ما يحدث هنا ، هؤلاء الأشخاص الذين يلتقيهم ، يوجدون في الواقع في هذه المدينة إلى درجة ما ، ولكنه يستعملهم بتلك الطريقة الغريبة ليخبروك القصةعن حياته لتتعرف عليه فعلياً وعلى والديه وطفولته وبالتالي ما يخشى أن يصبح
إنه لا متعزي ، ولديه هذه الفكرة بأنه إذا أصبح عازف بيانو عظيم لدرجة كافية وإذا قدم أعظم الحفلات على الإطلاق يوماً ما ، كل شيء خذله في الماضي سيصطلح ، لديه هذه الفكرة اللامنطقية ، وأعتقد أن الوقت كفيل بكشف أنه لايمكن العودة لإصلاح الأخطاء وإن الذي ينكسر يظل مكسوراً إلى الأبد
ليلى النيهوم